فى كتابه «مشروع دائم للسلام».. يقول الفيلسوف العظيم إيمانويل كانط «التنوير هو تحرير الإنسان من حالة وصاية يفرضها على نفسه.. وهذه الحالة ترجع الى عجز عن استخدام ذكائه إضافة الى نقص فى شجاعته». نحن نؤمن بأن لكل دولة تجربتها التاريخية الفريدة، إلا أن التوجه نحو الحريات وقيم الدولة العصرية الحديثة لا يتنافى إطلاقا مع هذه الفرادة التاريخية والخصوصية الثقافية والدينية، فاحترام القوانين ومؤسساتها وسيادتها والحماية من سوء استعمال واحتكار السلطة وتقليص صلاحيات معتلى العرش ودستور يلبى حاجات الأمة ويتوافق عليه جميع أعضاء المجتمع، لا غنى عنها فى عصر الدولة الديمقراطية المنفتحة لكل مواطنيها دون تمييز جنسى أو دينى أو طائفى أو عرفى أو فكرى أو أيديولوجى. فالديمقراطية لابد لها من حام ومحصن ولا يوجد سوى القانون.. وحرية التفكير متاحة للجميع دون تكفير أو إقصاء. فوجود حياة ديمقراطية غير ممكن دون مشاركة الجميع، وفى حالة تغيب أو انتقاص مشاركة أى جماعة سياسية أو اجتماعية ينتقص من مستوى المشاركة وبالتالى المساس بجوهر الديمقراطية. فهل مصر التى بحاجة إلى تثوير الأفكار وبناء مجتمع سياسى عصرى يقوم على مبادئ التقدم التى أرستها الحضارات الفاعلة والمجتمعات الراقية التى حققت تطورها ونموها وإنجازها السياسى والاقتصادى والاجتماعى استنادا إلى مقومات الدولة الحديثة، أصبحت ملطشاً للفتوجية الجدد ودعاة الطائفية والفرقة والانقسام.. هل مصر صاحبة تاريخ التسامح والتعدد الدينى والفكرى على الأقل خلال القرنين الأخيرين، أصبحت وعاءً لذوى القامات الصغيرة من مدعى التدين والمحرضين على انشطار الوطن.. هل مصر التى ضحت بأجيال وأجيال وسالت دماؤهم من أجل وطن حر وإعلاء قيم الحريات والتعبير والتفكير والدفاع عن إرادة الجماهير الحية الخصبة التى يقوم على أكتافها نهضة الأمة، أصبحت أسيرة لتيار محدد الأطر والفلسفة والتوجه ومحرض على الانقسام والفرقة. يا أيها الداعون – بفتواهم الرخيصة – ابتداء من التحريض على قتل المعارضين.. وانتهاءً بالتفسيرات البدائية عن التحرش.. إن الإنسان وحده – كما يقول فيلسوف الجدلية هيجل – هو الذى يمكن أن يكون له دين.. ذلك أن التدين عنصر أساسى فى تكوين الإنسان، وأن الحس الدينى يكمن فى أعماق كل قلب بشرى.. هذه حقيقة لا مناص منها.. ومصر صاحبة التاريخ العريق والممتد الذى حطت على أراضيها كافة الأديان السماوية.. وأنها أول من عرفت معنى الدين والتدين عبر آلاف السنين.. هل تدركون أيها الفتوجية الجدد الداعون بفتواهم المريضة إلى انقسام هذا الوطن الممتد الرحب المتسامح.. إن المصريين لن تفرض عليهم وصاية من أحد لأنهم لا يفرضون على أنفسهم وصاية.. فالمصريون هم أصحاب التنوير الحقيقى لأنهم أصحاب تاريخ الشجاعة والذكاء.. هل أدركتم؟؟ وللحديث بقية. Email: