الفن الأوبرالي وفرق الباليه الأعلى دخلًا لإيرادات دار الأوبرا المصرية الغناء الأوبرالى لم يعد يقتصر على الطبقة الأرستقراطية ونجحنا فى جذب شرائح جديدة عايدة فى الهرم من المحطات الأساسية فى رحلتى الغنائية على مدى قرابة الساعتين، أطلت السوبرانو د. ايمان مصطفى على خشبة مسرح النافورة بدار أوبرا القاهرة والتى تعتليه لأول مرة، بثوب ملكى يعود للأميرة الحبشية عايدة، خالٍ من البهرجة والتكلف، وكأنها تريد للشكل أن يتوارى –قليلا– كى يفسح الفضاء للإبداع، ويترك الساحة لصوتها يحلق فى فضاءات دار الأوبرا المصرية، ثم يعود محتضنا الحاضرين والضيوف بعذوبته وسحر طبقاته المتعددة بلغة غربية غير مألوفة لدى المستمع العربى، لكن السحر الموجود فى صوتها وحضورها الطاغى على المسرح وأدائها التمثيلى كسر حواجز اللغة وهدم جسورا كانت تقف حائلا بين الجمهور والأصوات الأوبرالية. فإنه ولأول مرة تمتلئ القاعة عن آخرها فى عرض أوبرالى ضخم مزين بديكورات ملكية مستوحاة من تاريخ مصر القديم تحت عنوان «أوبرا عايدة» الذى كان يُصنف فى فترة زمنية ليست ببعيد على أنه فن نخبوى رواده من الطبقة الارستقراطية ممن تأثروا بالثقافات الغربية. لم تكن السبرانو ايمان مجرد مطربة تخاطب المشاعر والوجدان، وإنما فنانة عالمية رائدة فى مجالها فهى واحدة من القلائل اللاتى حملن لقب «السوبرانو»، وهو الصوت ذو طبقة الأوكتاف الأعلى بين أصوات النساء. فى صوتها شموخ وقوة يجعلها تطرب المستمعين بكبرياء، لما لا وهى صاحبة رسالة فى فنها، فعلى المسرح لا صوت يعلو فوق صوتها الذى ينافس صوت ريح الجبل، وهدير أمواج البحر. اختارت د. إيمان مصطفى الطريق الأصعب وهو الفن الأوبرالى، فنحن أمام عمل درامى غنائى يشمل التأليف الموسيقى والتمثيل ورقص الباليه إلى جانب الفن التشكيلى المتمثل فى الديكور والأزياء والاضاءة، واجتازته بنجاح حتى باتت السوبرانو المصرية الوحيدة التى تقدم «عايدة» على مسارح دار الأوبرا المصرية، ويتم الاستعانة بها فى عروض الأوبرات العربية والغربية أيضا. حول مسيرتها الغنائية مع الفن الأوبرالى التى تمتد لما يزيد على 30 عاما، نهاية بتنصيبها مديرا فنيا لفرقة أوبرا القاهرة، تحدثت السوبرانو العالمية د. إيمان مصطفى ل«الوفد» عن رحلة صعودها الفنية للعالمية بكل ما فيها من لحظات انكسار وانتصار.. وإلى نص الحوار: لنبدأ معك من حفلتك الأخيرة.. فإنه ولأول مرة يخرج عرض «أوبرا عايدة» من المسرح الكبير للنافورة المكشوف، كيف رأيتِ ذلك؟ خروج عرض «أوبرا عايدة» من المسرح الكبير وعرضه على المكشوف يأتى وفقا للظروف الصحية التى تمر بها البلاد حاليا، حيثُ يسمح مسرح النافورة لدار الأوبرا المصرية من اتباع كافة الإجراءات الاحترازية لمنع تفشى فيروس كورونا، وهى خطوة تُحسب للأوبرا التى دائما ما تفكر خارج الصندوق، والأوبرا كان لها السبق فى تدشين مسرح جديدة مكشوف يمكنها من مواصلة نشاطها الفنى مع ضمان سلامة الجمهور، لا شك أن عرض مختارات من أوبرا عايدة على مسرح النافورة كان مجازفة كبيرة لكن القائمين على العرض بداية من مصمم الديكور محمد عبد الرازق، ومهندس الإضاءة ياسر شعلان، ومهندس الصوت خالد درويش نهاية بالمخرج هشام الطلى والذين نجحوا فى رسم صورة حضارية لمصر ولعرض أوبرا عايدة حتى لا يحيد عن هويته، الذى يستلهم أحداثه من تاريخ مصر القديم. هل واجهتكم صعوبات أو تحديات فى البداية.. خاصة أن المسرح الكبير يتمتع بمواصفات خاصة تفرده عن النافورة الجديد؟ كما قلت سلفا، الخطوة كانت مجازفة واختبارًا بالنسبة لنا، وبفضل الله اجتزنا الاختبار بنجاح، وهذا ما لمسناه فى ردود أفعال الجمهور الذى طالب بعرض أوبرا عايدة مرة أخرى. أما فيما يخص المسرح الكبير فمقارنته بالنافورة ستكون ظالمة فى حق الثانى، المسرح الجديد خرج من رحم الظلام كفكرة ابداعية تواصل دار الأوبرا المصرية على مواصلة نشاطها الفنى، لأن الفن فى هذا الوقت تحديدا مع تفشى الوباء يمنح الجمهور طاقة أمل وتفاؤل، والأوبرا باعتبارها منارة الفنون والثقافة كان من الصعب غلق أبوابها أمام الجمهور الذى يجد فيها ملاذا آمنا لأحلامه وتطلعاته. بعد نجاح خروج «أوبرا عايدة» من بيته المسرح الكبير.. هل توجد نية لعرضه فى المحافظات السياحية مثل شرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان كنوع من أشكال الترويج السياحي؟ لما لا، أتمنى ذلك، خاصة أننا قدمنا من قبل فى العام 2002 تحت سفح الاهرامات، ولاقى نجاحا جماهيريا منقطع النظير، نجاح أوبرا عايدة على مسرح النافورة حمسنا لتقديمه والتجول به فى ربوع محافظات مصر. تعتبرين السوبرانو المصرية الوحيدة التى تقدم «عايدة» على مسارح دار الأوبرا المصرية.. فماذا تمثل لكِ عايدة بعد سنوات ارتبطت بها وجدانيا وإنسانيا؟ عايدة تشكل جزءًا أساسيًّا من رحلتى الغنائية، فهى فى دمى، قصتى معها تعود لأكثر من 15 عاما، حيثُ كنت اقدم دور الكاهنة، وذات يوم تأخرت السوبرانو التى كانت تقوم بتجسيد «عايدة» والتى جاءت من أوروبا خصيصا، فرشحنى الفنان الكبير حسن كامى ومن هنا توالت العروض، وكانت بداية عهد صداقة جديدة مع عايدة. وكيف كان الطريق نحو العالمية برائعة فيردى أوبرا عايدة؟ قصتى مع «عايدة» بدأت فى أوروبا أولا، حيث غنيت «عايدة» فى فرنسا اثناء دراستى هناك، وقمت بتجسيدها فى العديد من الدول منها ايطالياوالصينوالنمسا وعلى المسرح الفيلهارمونى بألمانيا قيادة المايسترو نادر عباس، وقدمتها أيضا فى الحفل العالمى الذى أقيم تحت سفح الأهرامات وهو العرض الذى أذهل العالم لروعة تصميمه بالإضافة إلى روح المكان التى أضفت على العرض طابعًا مصريًّا خالصًا، خاصة أن العرض أحداثه مستلهمة من تاريخ مصر القديم. وهل كان طريق الانطلاقة مفروشًا بالورود؟ طريق النجاح يوجد فيه لحظات ضعف وانكسار وانتصارات، شغفى بالموسيقى بدأ خلال مراحل دراستى بالمدرسة، وبعد الانتهاء من الدراسة المدرسية كنت مهيأة نحو صقل الموهبة، وكنت أستمع للموسيقى بأغلب الأوقات خصوصا الأصوات الغربية، وكنت استمع للأصوات الأوبرالية العالمية، كان يسحرنى جمال وعذوبة تلك الجمل الموسيقية الرائعة، خصوصا أننى منذ الصغر أحب الألوان الغربية وأعشقها، ومن هنا قررت الالتحاق بكونسرفتوار القاهرة الذى تخرجت فيه عام 1986 وحصلت على تقدير امتياز تحت إشراف د. فيوليت مقار، ثم ذهبت إلى فرنسا للتحضير للدراسات العليا على يد الأستاذة كارولين دوما وحصلت على الماجستير والدكتوراه بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وهناك تلقيت عروضا ضخمة حيثُ قامت مؤسسة فرانكو ميشيل نابوليتا بنابولى باستضافتى لإحياء حفلها الختامى عام 1984، كما مثلت مصر فى مسابقة «مدام بترفلاى» الخامسة باليابان فى 1986. وقمت بالغناء مع أوركسترا البحر الأبيض المتوسط وحصلت على الجائزة الأولى فى مسابقة ماريا كالاس، وعلى درع الأغانى الأوبرالية فى مسابقة ستيفانو فى روما فى 1991، وفى عام 2002، حصلت على جائزة الدولة التشجيعية فى الفنون، وتم منحى جائزة « الإنجاز مدى الحياة» من مهرجان تاور مينا الإيطالى، كما قمت بعمل العديد من الجولات الفنية فى النمسا، ألمانيا، اليابان، الصين، ايطاليا، المغرب، دبى وسوريا، كما شاركت فى كونسيرات غنائية بميلانو ونابولى بإيطاليا وقمت بدور الكونتيسة فى أوبرا زواج فيجارو بباريس. قدمتِ العديد من الأوبرات نذكر منها زواج فيجارو، تاييس، صيادو اللؤلؤ، لابوهيم، لاترافياتا، توسكا، مدام بترفلاى وغيرها، ما العرض الأقرب لكِ؟ عايدة الأميرة الحبشية فى رائعة فيردى لأنها كانت بداية رحلتى مع عالم الفن الأوبرالى، كما أننى لم أشعر بغربة فيها ربما لأن أحداث العرض مستلهمة من تاريخ مصر القديم، وموسيقاه مستلهمة من موسيقى الفراعنة، هذه الموسيقى المجهولة عن مسامع الجميع، باستثناء ما ورد من نقوش عن بعض الآلات الموسيقية المستخدمة فى ذلك الحين. ميزة الارتجال هل متوافرة فى الفن الأوبرالي؟ الارتجال مسموح فقط فى طبقات الصوت، لكن النص ملزمون به. رغم قدم هذا الفن الذى تأسس فى إيطاليا 1600 ميلادى لكن كانت هناك عقبات كثيرة حالت دون انتشاره.. هل لك أن تذكري واحدة من تلك العقبات؟ العقبات عديدة لعل أبرزها حاجز اللغة الذى شكل عائقا كبيرا بين الجمهور والأصوات الأوبرالية، وهذا من أحد الأسباب الجوهرية وراء عدم تجاوب الجمهور مع الغناء الأوبرالى وهذا طبيعى لأن كل شعب مرتبط بثقافته العربية وتراثه الشرقى، والغناء الأوبرالى كانت كلماته غير مألوفة لدى المستمع، وثانى أهم العقبات تراجع المسرح الغنائى الذى يعتبر الملاذ الآمن لانتشار هذا الفن خاصة أن الفن الأوبرالى عمل درامى غنائى. يبقى الغناء الأوبرالى هو الأصعب مقارنة بألوان الفنون الأخرى.. فقد كان يُصنف فى فترة زمنية معينة على أنه فن نخبوى رواده من الطبقة الارستقراطية.. كيف استطعتم تجاوز ذلك وجذب شرائح جديدة منها الشباب ؟ الفضل يرجع بعد الله سبحانه وتعالى لوزارة الثقافة التى أولت اهتماما كبيرا بكافة ألوان الفنون، ومؤخرا علمت أن من أعلى الإيرادات دخلا لدار الأوبرا المصرية الفن الأوبرالى وفرق البالية، كما أننى تنوعت فى العروض الأوبرالية حيثُ قدمت الجاز والكريمساس، وهذا التنوع جذب شرائح جديدة لهذا الفن الذى بالفعل اقتصر رواده فى فترة زمنية معينة على الطبقة الارستقراطية ممن تأثروا بالثقافات الغربية. تشغلين منصب المدير الفنى لفرقة أوبرا القاهرة.. هل هناك إقبال على الغناء الأوبرالى مقارنة بالموسيقى العربية؟ هناك إقبال كبير، ولكن الغناء الأوبرالى الموهوبين فيه أعدادهم قليلة مقارنة بالأصوات الاخرى، لأنها تتطلب مهارات صوتية استثنائية من حيث الطبقات والقوة، نحن بدأنا خمسة أفراد، ثم طورت الفرقة وتعاملت معها بحالة من الاستقرار النفسى لتأهيلهم فنيا ومنحهم الثقة الكاملة التى تقوى من إيمانهم بفنهم وباللون الذين يقدمونه حتى تتولد لديهم مشاعر الحب هذا الذين يستطيعون تفريغها على خشبة المسرح. ما المحطات الأساسية والهامة فى رحلتك الغنائية؟ من المحطات الأساسية فى مسيرتى الغنائية، «عايدة فى الهرم» حيثُ قدمنا عرضًا عالميًّا عام 2002 فى الهرم مع الفنان القدير الراحل حسن كامى، ومن المحطات الهامة أيضا بلد نابليون فى فرنسا، حيثُ أعتبر السوبرانو المصرية الوحيدة التى تم تكريمها عن العرض العام الماضى. هل ترين أن وسائل الإعلام المرئى والمسموع مقصر فى حق الغناء الأوبرالي؟ لم يكن هناك اهتمام من قبل وسائل الإعلام بالغناء الأوبرالى سوى اجتهادات محدودة، لذا أطالب بإعداد برنامج يعرض اسبوعيا على التلفزيون المصرى، يستعرض كافة فنون الأوبرا والتى منها الغناء الأوبرالى على غرار البرنامج الذى كانت تقدمه الدكتورة سمحة الخولى، رئيسة أكاديمية الفنون سابقا تحت عنوان «صوت الموسيقى» الذى ساهم بشكل كبير فى نشر الثقافة الموسيقية وعرض أكاديمية الفنون ومعهد الكونسرفتوار بشكل يليق بقيمة الفن الرفيع الذين يقدمونه. ومَن مِن الأصوات الأوبرالية التى تأثرتِ بها؟ ماريا كالاس، وميرلا فرنى. ألم تراودك الفكرة فى أن تكونى مغنية شاملة بمعنى تأدية أغانى التراث والموسيقى العربية بجانب الغناء الأوبرالي؟ كان طموحى الوقوف على خشبة المسرح كمغنية أجسد اللون الغربى الذى عشقته كثيرا، وكنت فى بداية دخولى الكونسرفتوار لم أستوعب الأوبرا بشكل كامل، ولكن عندما تذوقتها ومارستها اختلفت الأمور تماما، حيثُ ولد بداخلى حلم واصرار على التواصل، بعد أن أحببت المجال، حتى تحقق الحلم وأصبحت واحدة من أهم السوبرانو فى العالم، أما عن فكرة تقديم الألوان الشرقية فهذا مستبعد.