تميزت طوال مشوارها السينمائى كمخرجة بالجرأة فى تناول الموضوعات الفنية الحساسة وكانت دائماً مثيرة للجدل فى كل أعمالها، وتخطت الخطوط الحمراء والموانع الرقابية لكشف بعض العورات فى المجتمع المصرى، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة.. وتوقع الجميع أن تخوض المخرجة إيناس الدغيدى معارك فنية فى قضايا المجتمع فى زمن الإخوان المتربص بالفن، خاصة ما يسمى بالفن الأكثر تحرراً الذى تتميز به.. وتجربتها القادمة فى السينما فيلم جديد بعنوان «الصمت» الذى يدور حول زنا المحارم بخلاف أنها تحضر لخوض تجربتها الدرامية الأولى فى عمل تراه مختلفاً بعنوان «عصر الحريم» وما بين «الصمت» و«عصر الحريم» والفن فى زمن الإسلاميين وحوار الشارع المصرى المنقسم كانت للمخرجة إيناس الدغيدى آراء واضحة وصريحة تماماً كما تظهر أعمالها بكل جرأة.. فهل تفلح جرأتها فى هذه الأيام فى كشف المستور؟ كيف ترين الحال فى الشارع المصرى من خلف الكاميرا؟ - الصورة ضبابية وضائعة والأماكن كلها مهملة والمناظرة سيئة والواقع أليم فى كل شيء.. وأرى أن كل فرد فى المجتمع تحول لدولة بمفرده وضاعت هيبة الدولة وأصبحنا نعيش لحظة انكسار دائم وغربة بداخلنا وناس تتصارع لمصلحتها الشخصية ولا ترى شيئاً للمستقبل والشارع تحول لفوضى أخلاقية وضاعت ملامح الجمال فى الشعب المصرى وكشف كل فصيل من المتصارعين عن وجه غير وجهه وضاع القانون كالعادة وأصبحنا نعيش فى لا دولة ولا قانون ولا أمن ولا حتى رئيس وهذه الصورة ضاعت معها كل ملامح الإبداع والفن الذى كنا نتميز به وهذا يصيب بالحسرة. وفى رأيك.. من المتسبب فى هذه الصورة المؤلمة؟ - حالة الصراع بين التيار الدينى والليبرالى والانقسام الدائر أحد أهم الأسباب لأن كل طرف يتنازع على مكتسباته وكنت مستعدة لإعطاء الطرف الدينى فرصته طالما أنه وصل للحكم بالشرعية والأغلبية لكن الواقع أصبح يؤكد أنهم لم يقدموا شيئاً حتى الآن وتفرغوا لصراع على من سيبقى واعتمدوا على القدرة على الحشد وللأسف البسطاء فى المجتمع «مش فاهمين حاجة»، لذلك ربما يصوت لهم الناس فى أى انتخابات قادمة بأكثر من 60٪ بشراء الأصوات واللعب على لغة الجوع والفقر وليس بالتنظيم لأنهم يتكلمون كثيراً بدون حفل.. لكن فى نفس الوقت لا يعجبنى أسلوب الليبرالية فى الشارع، فهم يتكلمون أكثر مما يفعلون أيضاً ومازلت «أتفرج» على هذه اللعبة السياسية التى تعتمد على الكذب والنفاق لأن هذه هى لغة السياسة وفى البداية كنا مع التغير لكن التغير السريع للأسف خلق نوعاً من الاختلاف وليس التجديد وضاع الشارع المصرى بين الفوضى الأمنية والأخلاقية والفقر والجوع فى ظل حالة الانقسام ولكن فى نفس الوقت مازالت هناك محاولات من الإسلاميين للحكم بالدين وتخويف الناس وكبت الحريات وهذا مرفوض تماماً. ولعل هذه الحالة تجعلنا نفكر فى مستقبل آمن ومتفائل؟ - بالتأكيد سيكون هناك مستقبل لكن ذلك يحتاج لوقت طويل حتى نتعلم السياسة والديمقراطية وهذا الوقت لا يقل عن 50 سنة مثلاً حتى ننشئ جيلاً على منهج وأسس محترمة وليس فى عصرنا وعصر جيلنا التفاؤل موجود لكن على المدى البعيد حتى ندرك ونتعلم قواعد اللعبة السياسية العالمية التى مازالت تتحكم فينا وعلينا أن نصلح من أنفسنا ونهدأ ونتحاور بأدب ومنطق ونعود لتسامحنا وإلا سنظل فى حالة «تهلهل وانقسام» يزيد من أطماع أعدائنا ولذلك لا أستبعد فى ظل هذه الظروف الصعبة أن إسرائيل أصبحت قريبة منا والعالم المتقدم أصبح متحكماً فينا. المرأة التى تبحثين عنها فى كل أعمالك.. كيف ترينها فى دستور الإخوان؟ - بصراحة أنا لا يفرق معى الدستور لأن الشعب طوال عمره لم يحترم الدستور وهو قابل للتغير فى أى وقت وكل رئيس يأتى يغير فيه لصالحه. والمرأة مازالت الأمل الوحيد فى مستقبل مصر والجميع يراهن عليها وعلى صوتها فى الانتخابات وهى الأكثر تحملاً لمسئولياتها تجاه أسرتها ومجتمعها رغم حقوقها التى مازالت منقوصة والجميع يستخدمها لمصلحتهم ومع ذلك تقاوم وثابتة وجودها رغم محاولات الإسلاميين تهميشها وتنحيتها عن الوجود الإيجابى فى المجتمع. الإبداع فى زمن الإخوان والإسلاميين.. كيف ترين مستقبله؟ - بصراحة التجربة حتى الآن أثبتت أنه لم يتدخل أحد فى الفن بشكل واضح وصريح وربما يكون هناك تدخل من نوع آخر، فحالة التوتر والقلق فى الشارع أصابت الفن سينما ودراما بأزمة، والإنتاج تضاءل والتمويل تراجع وأتوقع على المدى البعيد عدم تدخل هذه التيارات فى الإبداع لأنهم يعلمون أن تأثير الفن فى الشارع كبير جداً والفن والإبداع سيظل موجوداً رغم محاولتهم تخويفنا ومحاولات فرض رقابة علينا وهم يعلمون أن الفنان ليس مجرد شخص عادى ولكنه عقل وإبداع ولن تفلح محاولاتهم فى غلق فضائية أو جريدة.. لكن للأسف المحزن أنهم يرون أن الثقافة والإبداع مجرد شيء ترفيهى. بصراحة هل الظروف الحالية تجبرك على تقليل جريمة الجرأة فى أفلامك؟ - من الصعب جداً أن يحاول أحد إجبارى على تغيير اتجاهى وصعب أن يفرضوا عليّ أفكارهم لكن ممكن يضايقونى إنتاجياً.. وجرأتى وثقافتى فى موضوعاتى لن تتغير ولم يحدث للآن بدليل أننى حصلت على موافقة الرقابة على فيلم «الصمت» بعد الثورة. هل تتوقعين معركة معهم فى فيلم «الصمت» عندما يظهر للنور؟ - لا أعتقد أن صمت إيناس الدغيدى ممكن يزعجهم لأن القضية التى أتناولها من خلاله عن زنا المحارم ليست بالشكل الشائك الذى يتوقعه الجميع فأنا لا أعتمد على الصورة فى هذا العمل لكنه يقدم تحليلاً نفسياً للفتيات اللائى يعشن هذه الحالة وكيف يتعاملن مع المجتمع لكن العلاقة التى تبنى عليها القصة ستظل رمزية وتدور الأحداث حول التأثير النفسى لهذه العلاقة.. وللأسف الفيلم مازال يبحث عن تمويل لتقديمه قبل الاستقرار على الأبطال بشكل نهائى. وهل ترين أن مصر بها سينما الآن؟ - للأسف لا.. لأن كل شيء ضايع بداية من الأمن والاقتصاد والجمهور والسينما ليست منفصلة عن الواقع، فهى مرآته وكانت أحد أهم الدخول القومية به وتضاءل إنتاجنا فى 70 فيلماً ل 20 ل 10 وللأسف لم يعد هناك توزيع خارجى لأن معظم الدول العربية واخدة مننا موقف ولم يعد هناك سوى السينما السبكية وهم شاطرين فى نوعية معينة «التجارية البحتة» مع محاولات ضعيفة جداً لتقديم فن. ما الذى جذبك للمنافسة الدرامية فى مسلسل «عصر الحريم»؟ - كنت أرفض كثيراً التواجد الدرامى بسبب حبى للسينما.. لكن أرى الآن إنه الوقت الصحيح للتواجد الدرامى معتمدة فى ذلك على اسمى كمخرجة ورؤيتى للنص الدرامى الذى أتواجد به و«عصر الحريم» القصة معى منذ 10 سنوات وكانت معروضة عليّ سينمائياً لكن بالطبع كانت ستحتاج لتكلفة كبيرة وفكرت فى عملها كمسلسل وعرضت القصة على السيناريست مصطفى محرم وأرى فى العمل اختلافاً كبيراً وعوامل جذب كثيرة يمكن أن تنافس بها الدراما التركية فى الشكل والمضمون وعناصر الإبهار خاصة أن الفيديو تستطيع التحكم فيه والعمل يرصد مرحلة تاريخية مهمة بداية فى عصر الخديو إسماعيل حتى الملك فاروق ويرصد حياة سيدة تصعد لقمة المجتمع فى ذات الوقت الذى كان ينظر فيه للحريم على أنهن جوارى والبطولة فيه حريمى أكثر ورشحنا عدداً من النجمات منهن درة ونيللى كريم ورغدة وعباس النورى وعايدة رياض ونحن الآن فى مرحلة البحث عن وجه جديد يقدم دور «حبيب البطلة» وهو ضابط فى حرس الخديو.. والحقيقة فكرنا فى أحمد عز مما يحمله من مواصفات البطل.. لكن لأن الدور ربما يكون قليلاً بالنسبة له فكرنا فى وجه جديد وسيكون مفاجأة مثل باقى عناصر العمل التى تنافس فيها الدراما التركية فى الاعتماد على الصورة والمضمون والتصوير فى تركيا والاعتماد على مصممى أزياء ومكياج من تركيا وسوريا وإيران بالتعاون مع خبراء من مصر وسيكون الرهان فى المنافسة الرمضانية القادمة على اسمى كمخرجة والشكل الجديد فى العمل حتى نؤكد تفوقنا على الدراما التركية وربما نتمكن من ترجمته للتركية وعرضه هناك لأنه يتضمن جزءاً من تاريخهم والحكاية كلها تعود للأصول التركية. بعيداً عن الدراما.. كيف ترين دور الإعلام فى هذه المرحلة؟ - بصراحة له دور كبير فى حالة الهياج الشعبى وأعتقد بعض المذيعين والمذيعات أنهم أصبحوا حاكمين وتخلوا عن خيارهم وتحولت الحوارات لحالة فوضى ويتطاولون على بعضهم بعضاً وأصبحت هناك حالة من التعالى والبرود من جانب الإسلاميين ورغم أن المضمون غير مرفوض لكن الأسلوب الحوارى على معظم الفضائيات مرفوض بشدة وعلينا أن نحاسب أنفسنا ولا نستخدم الذراع فى كل شيء ولابد أن يتم تنصيب المجتمع كله ونراقب تصرفاتنا ونفهم كيف نتعامل. كيف تحللين شخصية الرئيس مرسى خلف الكاميرا؟ - بصراحة ليست لديه مقومات الرئيس الشكلية ولا يملك الكاريزما الشخصية المعروفة عن الرؤساء، كما أنه ليس مقنعاً وكل مواصفاته بعيدة عن أن يكون موجوداً يوماً ما فى فيلم أو مسلسل وللأسف إمكانياته كرئيس جمهورية لم تظهر بعد، لكن رغم كل ذلك أنا ضد من يسبه ولابد أن يكون هناك احترام لمكانة الرئيس حتى لو اختلفنا معه ومع أفكاره. وماذا تطلبين منه فى هذه الظروف الشائكة؟ - نحن نحمله مسئولية كل ما يحدث فى الشارع لأنه رمز الدولة ونحن نعيش فى دولة مؤسسات وليست لأشخاص فلابد أن يكون له منهج وخطة عمل واضحة ويأتى بمن يستطيعون تنفيذها بعيداً عن أهل الثقة ولابد أن يكون هناك «سيستم» أو أسس نمشى عليها ولابد أن يرتب البيت بشيء من الهدوء وإلا لن يأتى لمصر حد يفيدها حتى 10 سنوات قادمة. وماذا تتمنين لمصر؟ - السلامة والعودة لقيمتها وقامتها وأن يشعر كل واحد فينا بالبلد ومستقبله قبل مصلحته.