لا أدري لماذا أتذكر مقولة الكوميديانة العبقرية ماري منيب: »أنت بتشتغلي ايه« كلما تعثرت في التحليلات والتعليقات والنصائح حول مسألتين: الأولي تقول »سيبوا الراجل يشتغل« والمقصود بها إتاحة المجال للدكتور عصام شرف رئيس الحكومة للعمل دون أي »وجع دماغ«، والثانية تقول: »لازم تبطلوا احتجاجات وتشتغلوا عشان الانتاج يزيد«. والفارق بين ما رددته الفنانة القديرة وما يردده أصحاب هذه المقولات أن الأولي كررت جملتها حتي دفعت الناس إلي عاصفة من الضحك، أما في الحالة الثانية فلم ينجح مرددوها إلا في اثارة الاستياء لأن دعوتهم تقترن عادة بذكر محاسن رئيس الوزراء أو المجلس العسكري لأنه باستثناء قلة من أصحاب النوايا الطيبة فإن أغلب من يطلق هذه العبارات من »المطيباتية« الذين دأبوا علي التقرب من كبار المسئولين في النظام.. أو مداهنة مصادر السلطة والنفوذ.. وإذ كنا لا نعترض علي الدعوة إلي العمل وزيادة الانتاج في حد ذاتها، بل نتمني أن يعود جزء من ثقافتنا، فإننا نعترض علي النفاق الذي تسبب في معظم مصائبنا، خاصة بعد أن زين للحكام أخطاؤهم وخطاياهم، فتمادوا فيها، حتي تدهورت الاوضاع في كافة المجالات، والناس من حقها أن ترد علي مزايدات المنافقين بسؤال: »طب نشتغل ايه؟!«.. فالكل يعرف أن حال الصناعة يرثي لها، خاصة بعد تدمير قاعدة مصر الصناعية علي يد حكومات الوطني المنحل ، وكذلك حال الزراعة لا يسر نتيجة تآكل الرقعة الزراعية وتدهور انتاجها بسبب الأسمدة والمبيدات المسرطنة، وضياع أراضي الاستصلاح بعد تحويلها إلي منتجعات وملاعب جولف للفاسدين ، أو تسقيعها للاتجار فيها. أما السياحة فهي في مهب الريح ، والبطالة تمتد كالنار في الهشيم ، ومع ذلك نجد من يقول : "اشتغلوا وزودوا الانتاج وسيبوا الراجل يشتغل ". والمدهش أن نفس المطيباتية الذين يرددون هذا الكلام، هم من دعوا من قبل إلي مغادرة ميدان التحرير بزعم استجابة مبارك لطلبات الثوار ، وبعدها هللوا للحكومة التي حلفت اليمين أمام مبارك، ثم ابتهجوا بالحكومة نفسها عندما حلفت أمام المشير و قالوا قولهم المأثور "سيبوها تشتغل"، وعندما ترأس الحكومة أحمد شفيق قالوا :" زي الفل خليها تشتغل" .. وخرج شفيق وجاء شرف، لم يتوقف العازفون عن تكرار نفس اللحن،فأصابونا بحالة من الشك والريبة، حتي اصبحت الدعوة إلي العمل والانتاج فارغة تماما من مضمونها . المهم أن أصحاب هذه النغمة لايخفون حرصهم في كل مرة، علي أن تصب دعوتهم في مصلحة وراحة بال أصحاب القرار بغض النظر عن إرادة الشعب، ويلقي المطيباتية اللوم دائما علي الجماهير، حتي لو جاء قرار المسئول - "اللي سيبناه يشتغل "- مخيباً للآمال ومفجرا للأزمات، مثل قرار اختيار الدكتور الفقي أمينا عاما للجامعة العربية ، وقرار تغيير المحافظين ، الذي تضمن مكأفاة بعض رجال لجنة السياسات اياها.. وكذلك مكافأة بعض قيادات الداخلية من معاوني الوزير المحبوس حبيب العادلي ، الذي تسبب هو ورجاله في كوارث لمصر لايمكن غفرانها .. ولا يعقل تعيين أحد مساعديه كمحافظ حتي لو حلف علي مصحف انه لم يكن من رجال العادلي ، لأنه لا يمكن أن يصل لمنصب مساعد وزير الداخلية بأي حال من الاحوال إلا إذا كان من رجاله المخلصين . ولن يقبل الناس بعد ثورة 25 يناير ، أن يروا رموز العهد البائد وهم يتقلبون علي كل الموائد، وكأن مصر عدمت الكفاءات ذات التاريخ الناصع .. وأنا شخصيا أؤيد بشدة أن نترك الحكومة تشتغل.. بشرط ألا تشتغل في الأزرق.