من قرية شبرا اليمن بالغربية إلى الشهرة والعالمية زمن «سميعة» الماضى انتهى.. و«السوشيال ميديا» بها أشياء مصطنعة بدأت موهبته عندما سمعه والده الحاج سعد يقلد القارئ الكبير الشيخ راغب مصطفى غلوش، رحمه الله، وهو ابن سبع سنوات ليكتشف والده موهبته مبكراً، فكان حريصاً على أن يحفظ القرآن الكريم وتمنى أن يكون ابنه قارئاً مثل هذا القارئ الكبير، وفى قرية شبرا اليمن بمركز زفتى محافظة الغربية كانت النبتة الأولى، حيث نشأ محرك القلوب أو ملك المقامات كما أطلق عليه فيما بعد، القارى الدكتور عبدالناصر سعد عبدالباسط حرك، الذى ذاع صيته لحسن صوته وأدائه، لتنتشر موهبته ومنذ صغره زامل «حرك» عمالقة القراء وهو شاب صغير لم يتجاوز الخامسة عشرة عاماً، حيث زامل أستاذه الشيخ غلوش والشيخ محمد حصان والشيخ محمد الليثى والشيخ الشحات أنور، وأكثر القراء الكبار فشرب من معينهم وتعلم منهم ليصبح كبيراً منذ طفولته، ليتخرج فيما بعد فى كلية أصول الدين بالمنصورة بجامعة الأزهر لتنطلق مسيرته فى عالم التلاوة وكأن أبواب السماء كانت تتلقف دعوة أبية فى الصغر، ليغرد القارئ «حرك» فى سماء التلاوة ويصدح بآيات الذكر الحكيم ليشنف آذان مستمعيه ليطلقوا عليه «غلوش الصغير» و«محرك القلوب» و«فارس القراء»، ومؤخراً تم اختيار الدكتور عبدالناصر حرك محكماً ورئيساً لمسابقة تنزانيا الدولية بمشاركة 120 دولة حول العالم. «الوفد» التقت القارئ الكبير الدكتور عبدالناصر حرك فى قريته شبرا اليمن بالغربية وهذا نص الحوار: بداية.. نود أن تعطينا نبذة عن نشأتك ودراستك؟ - نشأت فى قرية شبرا اليمن بمركز زفتى فى محافظة الغربية، حيث ولدت عام 1977م، وبدأت حفظ القرآن على يد جدى الشيخ سيد حرك، رحمه الله، وبعد ذلك واصلت الحفظ حتى أتممته على يد الشيخ عبدالغنى سرحان من قرية شبرا ملس وكان يعاملنى معاملة خاصة لأنه كان يتنبأ لى بمستقبل كبير فى عالم التلاوة وكان على قناعة شديدة بموهبة الصوت التى منّ الله عز وجل بها علىّ، وقد درست فى الأزهر حتى حصلت على الليسانس من كلية أصول الدين بالمنصور بجامعة الأزهر، وبعد تخرجى عملت إماماً وخطيباً بوزارة الأوقاف المصرية. ومن صاحب الفضل عليك ومتى كانت أول دعوة رسمية لك فى عالم التلاوة؟ - صاحب الفضل علىّ بعد الله عز وجل والدى أولاً ثم أساتذتى ومشايخى الذين تعلمت على يديهم ومنهم الشيخ سيد أحمد السيسى والشيخ عيد أبوحسين ب«كفر شبرا اليمن» والشيخ أحمد الهلباوى «كفر شبرا قلوج» وهو شيخ التجويد، والشيخ أبوالعينين شعيشع وآخرون وقد كانت أول دعوة لى ببلجيكا عام 2008 وتم اختيارى فى مسابقة وزارة الأوقاف التى تقام سنويا وسافرت خلالها أربعة أعام متتالية إلى بلجيكاوأستراليا وموزمبيق وبوركينافاسو وبعد ذلك كل الدعوات كانت خاصة وقد زرت خلالها ما يقرب من ثلاث وأربعين دولة العالم إلى الآن بفضل الله. ماذا عن المدارس القرآنية التى تأثرت بها فى بداية رحلتك مع القرآن؟ - أنتمى إلى مدرسة الشيخ راغب غلوش والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمد رفعت عليهم رحمة الله عز وجل وتأثرت بالقرآن الكريم فى بداية حياتى وأنا صغير السن عندما حضر إلى قريتنا الشيخ راغب مصطفى غلوش لإحياء مأتم وقرأ سورة الأحزاب ووقتها انبهر والدى به، وأحضر لى شريط كاسيت سمعته فتعلقت بصوت الشيخ غلوش ومن هنا تعلقت بصوته وسرت على خطاه. تقليد المشاهير.. هل تعده نقطة ضعف أم قوة للقارئ؟ - تقليد المشاهير من القراء ومحاكاتهم ليس عيباً ولكن العيب ألا يكون للقارئ منهج أوطريقة خاصة به، فكل من سبقونا من القراء قلدوا مَن قبلهم ثم صار لكل واحد منهم منهج وطريقة. وما تقييمك لوضع الكتاتيب الآن فى ظل مدارس تحفيظ القرآن والتكنولوجيا الحديثة؟ - للأسف وضع الكتاتيب الآن متخاذل بعض الشىء لانشغال الأولاد بالتكنولوجيا الحديثة وارتباطهم ب«السوشيال ميديا» فهذا أثر كثيراً على الكتاتيب فى الوقت الراهن. ماذا عن أهمية دراسة المقامات الموسيقية وهل هى أحد الشروط الرئيسية للمقرئ الجيد؟ - أعتبر القرآن الكريم هو نفسه مقام ويجب علينا ألا نخضع القرآن الكريم وقدسيته لألحان موسيقية، ويجب علينا أن نقرأه بخشوع وتدبر أولاً ونجتهد كما علمنا المصطفى وقال «تباكوا» فالاصطفاء من الله لقراءة القرآن وحسن الصوت لا يكون لكل العباد بل لبعضهم، قال تعالى: «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» ولذلك أقول إن الموهبة تفرض نفسها علماً بأن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ مصطفى إسماعيل وآخرين لم يدرسوا الموسيقى ولا المقامات، لكن كانت لديهم معرفة بفنونها، فليس عيباً أن يأخذ القارئ قسطاً من العلم والمعرفة بالمقامات كى ينمى التلاوة والموهبة ويبدع أكثر فأكثر وذلك بما يتناسب مع القراءة وجلال التلاوة. إذا انتقلنا لرحلتك مع الإذاعة.. ماذا عن بداية التحاقك بها؟ - طلب منى الشيخ أبوالعينين شعيشع رحمه الله أن أتقدم لاختبارات الإذاعة للالتحاق بها كقارئ فأخذت بكلامه وتقدمت لها حتى جاء موعد اختبارى واختبرت لأول مرة تقريباً عام 1999 واعتذرت بسبب مرضى وقتها ببرد شديد، وبعدها أرسلوا لى مرة أخرى لكن لم أنجح من المرة الأولى وأخذت مهلة ستة أشهر للتمكن وأعتقد أن كل قراء الإذاعة مروا بهذا الوضع، لأن هناك تعدد للجان، لجنة للصوت وأخرى للاختبار فى القرآن والأحكام لذلك فإن الاختبارات والاعتماد تأخذ وقتا طويلا وسنوات معدودة، والحمد لله نجحت واعتمدت عام 2009 وبعدها أتممت تلاوة التسجيل المطلوبة منى للإذاعة فى مدة ثلاث سنوات، وفى عام 2012، كنت قارئا معتمدا على الهواء مباشرة للقراءة فى شعائر صلاة الجمعة والحفلات والأمسيات وقرآن الفجر، وكان أول فجر لى على الهواء مباشرة بالإذاعة فى 26/11/2012، من مسجد المغفرة بمحافظة الجيزة. الإذاعة والليالى والمناسبات القرآن مجالان مختلفان أيهما أقرب للقارئ والأكثر تفاعلاً مع الجمهور؟ - الإذاعة مجال له شعور خاص، والليالى والمناسبات الدينية لها شهور ومذاق آخر، فقارئ الإذاعة عندما يقرأ يشعر أن الناس كلهم يستمعون له ويترقبون صوته ولذلك يشعر بقدر من المسئولية، أما فى الليالى والمناسبات فيكون أمام الجمهور الموجود بهذه الليلة أوالمناسبة وجها لوجه فمن الممكن أن يحدث تفاعل ولذلك أقول إن بعض القراء وأكثرهم من الممكن فى هذه المناسبات يكون هناك تفاعل أكثر مع الجمهور ويكون مستقراً نفسياً، على عكس الإذاعة التى يشعر فيها بمسئولية كبرى. وماذا عن الألقاب فى حياة القارى وهل تمثل له شيئاً مهماً؟ - الناس هم من يطلقون هذه الألقاب على القراء، فالجمهور هو الذى يطلق هذه الصفات لحبهم للقارئ، لكن القارى فى غنى عن هذه الألقاب، فقارئ القرآن له رسالة ودعوة يقوم بها، وليس هناك أفضل من لقب قارئ وخادم القرآن الكريم وهذا شرف ليس بعده شرف. هل اختفى زمن «سمّيعة القرآن» فى العصر الحالى؟ - لكل زمن رجاله، والسميعة ما زالوا يتواجدون لكننى أميل إلى سميعة الماضى، فمن الممكن أن تكون لديهم ثقافة أفضل، أما سميعة اليوم فلديهم بعض الأمور المصطنعة أما فى الماضى فقد كان القراء أيضا لهم ثقل كبير، والسميعة كذلك وإن اختلف الزمان، لكن لا شك أن لكل زمن رجاله، والخير ما زال موجوداً إلى يوم القيامة، والآن مع وجود «السوشيال ميديا» أرى أن بها أشياء مصطنعة من الممكن ألا تعجب القارئ ذاته. متى حصلت على الدكتوراه الفخرية وماذا تمثل لك؟ - كان ذلك خلال حفل مليونى كبير عام 2013، فى ولاية أحمد أباد بالهند، حيث عقدت جامعة فيضان القرآن الكريممؤتمر هناك وبعد أن انتهيت من التلاوة فوجئت بأنهم يمنحونى شهادة الدكتوراة الفخرية من عدة أساتذة بالجامعة كأفضل قارئ خدم القرآن لهذا العام ولحسن الأداء فى التلاوة وكان ذلك بعض تشكيل لجنة كبيرة اختبرت العديد من القراء لكن بفضل الله تم اختيارى بسبب المقامات والأداء. ماذا عن أهم التكريمات التى حصلت عليها؟ - تم تكريمى فى مصر قبل تكريمى فى الخارج، حيث كرمت من قيل الدولة ووزارة الأوقاف المصرية أربع مرات مختلفة أمام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، المرأة الأولى كانت فى حفلة ليلة القدر عام 1991، والمرة الثانية فى ذكرى الإسراء والمعراج عام 1993، والمرة الثالثة فى ذكرى المولد النبوى عام 1995 بالإسكندرية والحفلة الرابعة فى المولد النبوى عام 1998، وقد تم تكريمى فى أستراليا وكندا والهند حيث كانت أكثر حفلاتى فى الهند، كما أهدانى وزير الحج والعمرة السعودى بعض الجوائز ومنها قطعة من كسوة الكعبة المشرفة التى لا تهدى إلا للوزراء والسياسيين وهذا فضل القرآن ولله الحمد. قرأت فى عزاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك فما شعورك؟ - هذا الرجل كانت له ذكريات معى، فعندما كنت فى المرحلة الإعدادية الأزهرية فى طفولتى تم تكريمى وقتها منه وكنت حزيناً عند رحيله بصرف النظر عن الاختلافات فى الآراء السياسية. ماذا عن سفرياتك ورحلاتك للخارج وما الدول التى زرتها؟ - سافرت أكثر من 43 دولة ما بين عربية وأوروبية وآسيوية مثل بلجيكاوأستراليا وبعدها بوركينافاسو وموزمبيق والمغرب والهند وباكستان وكردستان وإيران ولبنان وتركيا والعراق والكويت والسعودية وفرنسا والنرويج وبريطانيا وكندا واندونيسيا وبنجلاديش وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول. أخيرا.. ما نصيحتك للقراء الجدد؟ - أنصحهم وأوصيهم وأوصى نفسى بتقوى الله، والاستقامة ثم الاستقامة والتعامل بحسن النية وحب الخير للجميع، فلو أحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه سيعطيه الله كل ما يتمنى، وكن مطلوباً ولا تكن طالباً فللأسف بعض القراءة يستغلون «السوشيال ميديا» ودفع الأموال الطائلة للترويج لأنفسهم حتى ينالوا الشهرة.