لم يتعرض أبناء أى إقليم للشتات، كما تعرض أبناء النوبة.. فكل من عانى من التهجير بسبب الحروب أو غيرها عاد إلى أرضه.. حدث ذلك مع أبناء سيناء.. ومع أبناء منطقة قناة السويس، الكل عادوا بل وتم تعويضهم.. ونالوا حقوقهم.. وأنشأت لهم الدولة المساكن وأصلحت الأرض ووفرت إلى حد ما فرص العمل.. إلا أبناء النوبة.. ولقد تعرض النوبيون إلى هجرات ثلاث، وفعلوا ذلك طواعية من أجل كل المصريين.. المرة الأولى عام 1902 عندما أنشئ خزان أسوان وفقد فيها النوبيون 10 قرى نوبية. والمرة الثانية عام 1912 عندما فقدوا 8 قرى أخرى مع التعلية الأولى للخزان.. والمرة الثالثة عام 1932 عندما تمت التعلية الثانية وفقدوا فيها 10 قرى أخرى.. أما المرة الرابعة والأكبر فهى التى حدثت بسبب إنشاء السد العالى وتم تهجيرهم عام 1963 إلى كوم أمبو وفقدوا فيها 45 قرية، هى معظم قرى النوبة.. بل وحرم عليهم العودة إليها.. وسخر منهم أحد محافظى أسوان عندما رد على أهل النوبة المطالبين بالعودة إلى قرارهم.. فقال لهم.. قراكم تحت مياه بحيرة السد.. اذهبوا وخلصوها.. وياليت أهل النوبة الذين تم تهجيرهم قد تم تعويضهم.. نعم حدث التعويض ولكن ويا الكارثة حصلوا مقابل كل بيت على 180 قرشا وليس جنيهاً ولنا أن نتخيل كم حصل النوبى تعويضاً عن كل نخلة مثمرة.. ونتج عن تهجير أهالى النوبة أن عانوا من شتات رهيب.. فقد انتقلوا إلى الإسكندرية بحثاً عن لقمة عيش وكذلك إلى منطقة قناة السويس ونسبة كبيرة منهم انطلقوا للعمل فى موانئ البحر الأحمر.. وللأسف لم تكن حكومة مصر عادلة مع النوبيين من أهل مصر.. كما كانت عادلة فى التعويضات التى قدمتها للنوبيين من أهل السودان.. والنوبيون مازالوا يحنون إلى قراهم.. بل حرموا أيضاً من قراءة الفاتحة على قبور آبائهم وأجدادهم فى هذه القرى الغارقة تحت مياه بحيرة السد.. واختلفت الأرقام حول عدد النوبيين.. هناك من يقول إن عددهم يقترب من خمسة ملايين.. ويقول آخرون انهم دون الثلاثة ملايين ولكن الأرقام الحكومية المعلنة تتحدث عن حوالى مليون ونصف المليون مصرى نوبى.. وقد تعب النوبيون من المطالبة بحقوقهم وعودتهم إلى قراهم أو بالقرب منها أى حول حواف وشواطئ بحيرة السد.. وإعادة تعويضهم التعويض العادل. وكما أصبح عدد الأشقاء المسيحيين من الأسرار العليا للدولة.. كذلك عدد الأشقاء النوبيين.. وأرى من العار أن نتحدث عن هؤلاء وهؤلاء على أنهم من الأقليات.. لأنهم ليسوا كذلك.. بل هم معاً جزء أصيل من الجسد المصرى الأصلى العظيم.. لهذا حان الوقت لإنصافهم.. سواء فى التمثيل البرلمانى ليجدوا من يدافع عن حقوقهم.. أو فى إزالة أى عقبات أمام حصولهم على كامل حقوقهم.. وإذا لم يحصلوا على هذه الحقوق الآن ومصر كلها فى ثورة فمتى يمكن أن يحصلوا عليها.. نقول ذلك مع تنامى المطالب الفئوية.. وإن كنت أرى أن قضية النوبة تحتاج إلى علاج شامل وعاجل.. ويجب أن نأخذ مأخذ الجد ما قيل منذ سنوات عن دعوات انفصالية أو الاستقواء بالخارج من بعض الأصوات النوبية.. وهو ما رفضه أغلبية أهل النوبة.. ولكن مع استمرار تجاهل المطالب النوبية زادت نغمات الانفصال، وهو ما استبعده من غالبية النوبيين.. ولكن هنا ومع صعود وإنشاء حركة كتالة، التى اتخذت من المدفع الرشاش شعاراً لها.. رداً على شعار السيفين المتقاطعين على إعلام جماعة الإخوان المسلمين، لا يجب أن نستهين بذلك لأن معظم النار من مستصغر الشرر وهكذا نشأت الحركات الثورية أو الانفصالية فى العام.. إذ مع استمرار التجاهل يشتد عودها حتى تصبح حقيقة واقعة.. وأمامنا أمثلة عديدة منها حركة المسلمين الثوار فى إقليم مندناو فى جنوب الفلبين.. إلى حركة تحرير السودان فالأولى نجحت فى الوصول إلى نوع من الحكم الذاتى فى الفلبين.. بعد حرب أهلية استمرت عشرات السنين.. والثانية نجحت فى الاستقلال كما حدث فى جنوب السودان. وأقول منطلقاً من ثقتى بأصالة أهل النوبة وأنهم ما لجأ بعضهم إلى ذلك إلا بعد طول التجاهل الذى يزيد على قرن من الزمان.. أقول أن الفرصة لم تضع بعد.. فما أسهل أن يحصل النوبيون على حقوقهم الطبيعية وأولها العودة إلى الحياة على شاطئ بحيرة السد، قريباً من قرى الأجداد وأن يحصلوا هم أولاً على حق تملك الأراضى حول البحيرة وأن توفر لهم الحكومة المسكن الصحى الملائم.. والأرض التى يزرعونها.. وفرص العمل التى تعيد تجميعهم وتنقذهم من الشتات الذى يعيشون فيه. هل هذا أمر مستحيل التنفيذ؟!