هل اللغة العربية تعد فى الفترة الحالية لغة علم؟، ماذا لو اعتمد العالم اللغة العربية كلغة للعلم؟، ماذا لو اقتصرنا فى مصر والمنطقة العربية على اللغة العربية فى التعلم؟. الدعوة لتطوير التعليم في مصر تعود لسنوات عديدة ، تطرح مع قدوم وزارة جديدة ، أو مع تعيين وزير جديد\ للتعليم العالي أو العادي ، وفى الغالب ما تكون هذه الدعوات عامة أو في شكل أمنية ، تشتد هذه الدعوات وتكثر وتلح في الأزمات التي تواجه العملية التعليمية ، سواء بعد حادثة ضرب لتلميذ في المدرسة ، أو اعتداء تلميذ على المعلم ، أو عند وقوع خلافات داخل الجامعات ، يصاحب الدعوات بعض الانتقادات الحادة للمناهج الدراسية ، نستطيع أن نلخصها جميعا في جملتين : ان المناهج تعتمد على التلقين والحفظ ، وأن العملية التعليمية لا تساعد على الإبداع ، وإذا عدنا لأرشيف الصحافة المصرية أو إلى مضابط مجلسي الشعب والشورى ، سنجد أن معظم هذه الدعوات لا تخرج علي الحفظ وعدم الإبداع ، وكأن الإبداع والفهم هما المقياس للتطوير التعليمي ، والحقيقة أن هذه الدعوات تنطوي على مغالطة كبيرة ، كما أنها تفرغ العملية التعليمية من مضمونها ، لأن الإبداع وليد الموهبة ، صحيح أن التعليم يثقل الموهبة لكنه لا يغرسها أو يكسبها للمتعلم ، كما أن بعض المناهج أو بعض العناصر داخل المناهج تحتاج للحفظ ، وبغض النظر عن هذه الدعوات هناك بالفعل عدة أسئلة : هل العملية التعليمية في مصر تحتاج إلى تطوير أو إلى رؤية جديدة ؟ ، ما عيوب التعليم الحالي ؟ ، وما المطلوب منه لكي لا يكون معيبا ؟ . في ظني أن التعليم بحالته الحالية في ظروف بلادنا الحالية غير معيب أو كما يقال « زى الفل « ، فهو يقوم بدفع الآلاف من المدرسين والمهندسين والإعلاميين والأطباء والصيادلة والموسيقيين والمحاسبين والممثلين والفنيين والمترجمين والمرشدين والصحفيين، حتى إننا نعانى من تخمة في بعض التخصصات ، ونسبة البطالة ترتفع سنة بعد أخرى بين خريجي بعض الكليات ، فما إذن الحاجة للتطوير ؟ ، وما المطلوب أن يكون في التعليم ؟ ، أن نتقدم ونلحق الركب العلمي والتكنولوجي في أوروبا وأمريكا ؟ ، نحن بالفعل نلحق بهذا الركب بفضل الاستيراد ، حيث إننا نعيش على علم وتكنولوجيا هذا العالم ، إذا كان المقصود باللحاق أن نشارك في إنتاج هذه الثقافة العلمية التكنولوجية ، أن نعيش على المنتج المحلى وليس المستورد ، فهذا يتطلب منا قاعدة صناعية ، لأن التقدم العلمي والتكنولوجي الغربي جاء وسيظل بفضل الصناعة ، والتعليم هناك يرتبط بحاجة السوق الصناعية والزراعية ، والمدارس والجامعات والمعاهد تؤهل الطالب لهذا السوق بجميع مستوياته التقنية ، والصناعة في مصر في معظمها تقوم على التجميع والتلفيق والتلقين ، والعملية التعليمية مثل الصناعة نسبة المحلى به تعادل نسبتها وجودتها في المصانع . ماذا لو كان الهدف من تطوير التعليم هو أخونة المناهج أو كما يدعى البعض موافقتها للشريعة؟، يجب ان نفرق بين العلوم الشرعية والعلوم غير الشرعية، الأولى وهى مرتبطة بالديانة ويتم تدريسها فى المدارس والجامعات الخاصة بها وهى الأزهر، اما العلوم غير الشرعية أو غير المرتبطة بالشرع فهى لا يمكن تطويعها لأنها تبحث فى المستقبل، تحاول اكتشاف الغائب الذى يساعد على النهوض بالواقع، وأخونة التعليم التى ينادى بها البعض والذى سعي إليها بالفعل فى وضع مادة بالدستور لتعريب العلوم، هذه الدعوى كما سبق وذكرنا فى مقالات سابقة سوف تجمد تيار المعرفة المتدفق من البلدان المنتجة له، وسوف تعيدنا لعصور التخلف لأنها ببساطة قطعت همزة الوصل بين المواطن المصرى وبين المعرفة، وهمزة الوصل هذه هى اللغة، البلدان التى تعيش على استيراد المعرفة والعلم عليها أن تتحدث بلغة صناعة المعرفة.