لم استطع أن أمنع نفسي من الكتابة مرة ثالثة حول التعليم والطلاب والمعلمين بالرغم من انقضاء الأسبوع وحلول الأسبوع الجديد الذي يفترض أن نبدأ فيه من جديد هل نستطيع أن نبدأ في التعليم من أول ومن جديد؟ قلنا أن مشاكل التلاميذ من الممكن حلها إذا قمنا بتغيير الأنظمة وفتح البحث والحد من الحفظ ولكن التساؤل هو: هل يستطيع القائمون علي التعليم تنفيذ هذه السياسة؟ تكمن مشكلة المعلمين في عدة مستويات أولها أن العديد منهم قد درس وذاكر وتخرج في الكلية علي طريقة الحفظ والتلقين وتقديس المذكرات والكتب وبالتالي صار من الصعب علي هؤلاء أن يكتشفوا مواهب تلاميذهم أو يشجعوا البحث لأنهم لم يتعلموا هم أنفسهم أن يبحثوا ولا اكتشف أحد مواهبهم ليقوموا بتنميتها. والمستوي الثاني من المشكلة هو ضعف الرواتب ليس للمعلمين فحسب بل لكل شرائح المجتمع المصري وبالتالي يبحث المعلم عن زيادة دخله بالدروس الخصوصية وتأتي المدرسة في المرتبة الثانية بعد الدخل الخاص والدرس الخاص، ومحترفو الدروس الخصوصية يقومون بتقوية أنفسهم كما ذكرنا قبلا في تشريح المنهج واختصاره وقلبه وعدله وتيسيره بحيث لا يقوم الطالب سوي بحفظ المنتج الأخير للمدرس الخصوصي ثم يقوم المدرس الخصوصي ببناء بنك أسئلة عامر بعشرات الأسئلة لكل سطر من الكتاب المدرسي وليس علي الطلاب سوي حل الأسئلة عدة مرات بحيث لا يمكن أن يخرج امتحان حتي لو كان واضعه عالم من العلماء عما قام المدرس الخصوصي بإنتاجه. ونعود للسؤال الذي سألناه بخصوص الطلاب من قبل ولكن هذه المرة نسأل السؤال بخصوص المعلمين: هل نصلحهم أم نستبدلهم؟ كيف نحول مسار المعلمين من قائمين علي حشو المعلومات في أدمغة التلاميذ في الدرس الخصوصي إلي مكتشفين للمواهب وسائقين للأفكار وعاصفين للأذهان ومبدعين يساعدون مبدعين وكل هذا في المدرسة؟ كيف يتحول دور المعلم بالرغم م ن أنه من الأسهل والأيسر حالا أن يظل كما هو: يحفظ ويقوم بالتلقين ويكسب أموالا؟ المعادلة صعبة وحلها ليس يسيرا ولن يتم في ليلة وضحاها مهما تعدلت القوانين لأن تراكمات عشرات السنوات لن تنمحي بسهولة والسبيل إلي هذا التغيير لابد أن يدرسه المتخصصون هل يكفي تغيير المناهج؟ هل نضيف إليه تغيير فكر الكتاب الواحد؟ هل نبدأ بإيجاد فقرات في الامتحانات الشهرية وآخر الفصل الدراسي تسمي «unseen» كما في امتحانات اللغات في العالم كله ما عدا اللغة العربية عندنا والتي يوجد فيها كتاب قراءة ويأتي النص المقروء منه؟ هل يكفي أن يدخل المعلمون في دورات تدريبية مكثفة لا لاكتشاف مواهب الأطفال فحسب بل لاكتشاف مواهبهم هم أولا وتنمية مهاراتهم التعليمية؟ أم أن الحاجة هي أم الاختراع والتمويل هو العامل الأساسي لنمو العملية التعليمية ووضع نهاية للدروس الخصوصية؟ ومن أين يأتي المال للتعليم؟ هل حان الوقت لإعلان الخصخصة داخل المدرسة بدلا من خارجها؟ هل يتحول مسار الانفاق علي التعليم الذي يبذله الآباء ويتحول إلي المدرسة بدلا من الدروس الخصوصية ليصب في المصلحة العامة ويزيد دخل المعلم ولكن بطريقة شرعية استفادة تعليمية؟ وماذا عن الفقير؟ ألا يمكن أن ترعاه الدولة داخل المدرسة المجهزة مثل معظم دول العالم؟ هل سيمحو هذا النظام شعار «التعليم كالماء والهواء»؟ لا بل سيثبته لأن ما وصلنا إليه لا يعد تعليما وطالما ستكون هناك ضمانات لتعليم الكل فقيراً كان أم غنيا فستثبت المقولة.