فاجأنى ياسر المناوهلى عندما طلب منى عدم إجراء هذا الحوار، و«أن نبقى أصدقاء بعيداً عن الصحافة». كان غريباً أن يرفض مطرب فى بداية شهرته الفنية، الحوارات الصحفية التى تزيده شهرة وتروج لاسمه بشكل أكبر. لكن كان مبرره أنه إذا كان لديه مائة أو مائتان من الجمهور يحبونه أو يحترمونه، فهو يريد أن يحتفظ بهم ولا يخسرهم إذا أسىء فهم بعض كلماته. فى النهاية استطعت أن أقنعه بإجراء الحوار على وعد منى أن أنقل كلماته بأقصى دقة ممكنة، وأن أكون سبباً فى محبة جمهوره له وليس العكس. بدأت حوارى معه وأنا أردد كلمات أغنيته الشهيرة «صندوق النقد يا صندوق، سمه فى الشهد مين هيدوق، من غيرك انت عيشة كحيتى» التى كتبها وغناها وانتشرت بسرعة البرق على الإنترنت باسم «صندوق النقد»، والتى تقتحم بجرأة مساحات غير عادية. ريفى بسيط، ومثقف ناضج، أحد أبرز الفنانين الشباب الذين عبروا عن ثورة 25 يناير، ووجه شهير بين الثوار ومرتادى ميدان التحرير، حتى أن رسامى الجرافيتى «خلدوه» فى رسوماتهم. ما الرسالة التى كنت تحاول إيصالها بكلمات هذه الأغنية؟ - كنت ومازلت أريد أن أقول إن هذا الصندوق لم يدخل بلداً فى الأرض إلا وخربها ولا أعرف لماذا نحن «عاملين هبل» رغم علمنا بأن هذا الصندوق لا يأتى من ورائه إلا الخراب، ولذلك لم يتجرأ أحد إلى الآن أن يخرج علينا بالشروط الحقيقية لقرض هذا الصندوق المشئوم. هل ترى أن ثورة 25 يناير كان لها دور كبير فى شهرتك التى اكتسبتها من خلال أغانيك الثورية على الإنترنت؟ - اقترب بوجهه من الورقة التى أكتب فيها كلماته ليتأكد من «أمانة النقل»، وقال: طبعًا مع الأخذ فى الاعتبار أن الشهرة بالنسبة لى وسيلة لتحقيق هدفى. وهل ترى أن الثورة أعطت الكثير لمعظم الناس ومازالت تنتظر رد الجميل؟ - بالتأكيد، والكثير مما أعطته بعضه لمن يستحق والأكثر لمن لا يستحق. كيف ترى الآن ميدان التحرير الذى غنيت له أثناء الثورة؟ - سكت طويلاً وكأنه يستعيد أمامه شريطاً مدته 18 يوماً وقال: أولاً أنا غير موافق على كلمة «أثناء الثورة» لأن الثورة مستمرة وستستمر إلى أن تتحقق أهدافها، وإلا الثورة قامت ليه، واللى ماتوا ماتوا ليه، وارفع راسك فوق دى تبقى إيه وكنا بنهتف يسقط يسقط ليه؟! وأكمل: أما الإجابة سؤالك فأنا أرى الميدان بشكل جديد عما كان عليه فى أيام الثورة الأولى، فالشكل القديم كان الميدان فيه خادماً للهدف القديم لأن هذا الهدف كان واضحاً ومتفقاً عليه من الجميع، أما الآن فلم يتغير الميدان كرمز ملهم وحافز لاستكمال الطريق، أما شكلاً فقد تغير بعض الشيء وأرى أنه فى طور التغيير وإعادة التشكيل بما يتناسب مع المرحلة من حيث وجوب وجود عقل للميدان حتى يتم توجيه الجهود وتوحيدها بما يضمن تأثيرها بشكل أكبر وهذا ما أرى أن بعض المخلصين من غير ذوى المصالح يحاولون الوصول إليه. كل أغانيك كانت مرتبطة بحدث سياسى، ألا تخشى أن ينتهى عمر هذه الأغانى بانتهاء هذا الحدث؟ - عندما قمت بغناء أو كتابة ما غنيت كنت على علم بما تقول وأتفهمه جيداً، لكننى أؤكد لك أن مشاركتى فى هذه الفترة التاريخية التى تمر بها مصر ولو للتعبير عن يوم أو مشهد أو لقطة يكفينى جداً. أنت أحد الذين عاشوا تفاصيل الثورة والميدان، كيف ترى المشهد الآن، كيف ترى نتيجة الثورة؟ - أنا كمواطن مصرى عاش تلك الفترة ومازال يعيشها، أرى المشهد الآن بسواده وبياضه.. هو مرحلة لابد أن نمر بها ولا بد أن نتحمل، فالجراب يحوى الكثير و«البلاعة مازالت لديها الكثير لتخرجه علينا» لأن هذا تراكم سنوات طويلة ولابد أن نجنى ثمار تلك السنوات من الخراب. ماذا تقصد بكلمة خراب؟ - أقصد أن الخراب لم يكن فى صناعة أو زراعة فحسب، وإنما وصل إلى صميم الشخصية المصرية نفسها والتى تم تجريفها بشكل كامل عما كانت عليه أيام «أبويا». وهنا صمت قليلاً ثم قال: «أبويا قالى قبل ما يموت.. انتوا إزاى قابلين تعيشوا كده، انتوا عايشين كده إزاي». وأكمل: الثورة لسه لم تصلح البنى آدم المصرى وإلا مكناش شوفنا الطرطشة اللى عمالة تطرطش علينا دي.. ولكن فى النهاية سوف يظهر المعدن المصرى الأصيل الذى نتطلع إليه بشغف كبير. كيف ترى المستقبل؟ - أرى أن علينا أن ننزل لأرض الواقع وأن نعمل على الانتخابات القادمة لحين أن نرتب أوراقنا، فهناك ما يقرب من 70 فى المائة من الأصوات الانتخابية لم تنزل إلى الشارع وعلينا النزول إليهم وتوعيتهم لأنهم من المؤكد الكفة الراجحة.. وإذا كانت هذه الكفة الراجحة على وعى كاف - وهو ما يجب أن نعمل عليه جميعاً - فإن الطريق إلى مصر القوية سيكون أقصر كثيراً. هل معنى كلامك أن نستسلم للأمر الواقع ونبدأ فى العمل على الصناديق؟ - لم أقل إن علينا الاستسلام ولكن علينا العمل بشكل متواز على الجانبين، جانب الصندوق وجانب استمرار الثورة ولا نكتفى بالأغانى الثورية فى الميادين بل ننزل للناس فى بيوتهم. هل تكره الإخوان؟ - أنا لا أكره أحداً لكنى أكره تحدث أى منهم باسم الرئيس أو باسم الدين، بالإضافة لكرهى لعدم الوضوح والمراوغة وخلف الوعود. بطاقة شخصية ياسر المناوهلى.. ولد فى 24 ديسمبر عام 1966 بالمنوفية وتخرج من إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة القاهرة. متزوج ولديه «وليد» و«على» أشهر أعماله فى التلحين والكتابة والغناء: «قلة مندسة» و«المدفونة تكسر المحرات» و«صندوق النقد» وأغنية «بعد الطوفان» التى غناها فى فيلم «وبعد الطوفان» الذى حصل على أفضل فيلم بمهرجان الرباط السينمائى الدولى بالمغرب. شارك فى حفل افتتاح مهرجان «كرامة» الأخير بالأردن. أحد من قام رسامو الجرافيتى برسمه كرمز من رموز الثورة على حوائط الميدان.