من النعم المغبون فيها لمن يصلي الفجر في المسجد صلاة جماعة هي نعمة البقاء في المسجد بعد الصلاة إلى طلوع الشمس، وإنّ فضل الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر هو فضلٌ عظيم لمن يبتغي الأجر ويتحرّاه أينما كان، فقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال في الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه: "من صلى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعُ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ. قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ". فإنّ المسلم بعد أن يصلّي الفجر في المسجد جماعة ثمّ يجلس يذكر الله -تعالى- إلى طلوع الشمس، ثمّ يصلّي ركعتين بعد ذلك -وهي ركعتا الضحى- كان له من الأجر كأجر حجة وعمرة تامّتين،[6] ولا شكّ فهذا الفضل عظيم للمسلم الذي يبتغي الدار الآخرة ويسعى لها سعيًا محمودًا، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أنّ الأجر المذكور في الحديث السابق لا يناله سوى من صلّى في جماعة المسجد، ثمّ جلس يذكر الله إلى شروق الشمس ثمّ صلّى ركعتين، وإذا فعل المرء ذلك في البيت فإنّه يُرتجى له ثواب كبير ولكن ليس كالثواب المذكور في الحديث؛ إذ ظاهره يدلّ على المصلّي في المسجد، ولكن إن كان المرء قد منعه مانع من أداء صلاة الفجر في المسجد كالمرض أو الخوف أو نحو ذلك وصلّاها في بيته ثمّ جلس في مصلّاه يذكر الله أو يقرأ القرآن أو يفعل ما يُعدُّ من العبادة ثمّ بعد شروق الشمس صلّى ركعتي الضحى فإنّه ينال ذلك الأجر -إن شاء الله- كونه صلّى في البيت لعذر.[7] ومن فضل الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر كذلك ما ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "المَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دامَ في مُصَلّاهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". فكذلك تستغفر الملائكة لمن يجلس في مصلّاه ويذكر الله بعد الصلاة مُطلقًا، أيًّا كانت الصّلاة، ولا شكّ أنّ هذا الحديث يُعاضد الحديث السابق من حيث البقاء في المصلّى؛ إذ ذهب كثير من العلماء إلى أنّ الرجل إذا صلّى في المسجد وأراد أن يكسب ذلك الأجر العظيم فلا بأس إن تحوّل عن مكانه ما دام ما يزال داخل المسجد ولم يخرج منه، ولهم في ذلك أدلّة كثيرة من السنة النبوية، وألحَقَ العلماءُ المرأة بهذه الأحاديث إن بقيت في مصلّاها تذكر الله حتى شروق الشمس ثمّ صلّت ركعتين فإنّها تنال أجر الحجة والعمرة التامتين، والله أعلم، وهذا ما يمكن قوله باختصار عن فضل الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر.