هل تصلح الديمقراطية لكل زمان.. ومكان؟. هذا السؤال يعيدنا إلي المربع الأول الذي عرفت فيه مصر في العصر الحديث معني الديمقراطية.. ولا جدال أن الديمقراطية تحتاج وقتاً ملائماً.. وبيئة صالحة لتنمو وتترعرع هذه الأفكار التي جعلت كل الفلاسفة والساسة يصفون الديمقراطية بأنها «حكم الشعب.. بالشعب.. لصالح الشعب..».. وليس كما حاول البعض تطويع هذه الكلمة الساحرة لما يحقق للبعض أحلامهم في الجلوس علي كراسي الحكم.. وقمة السخرية ممن ادعوا الديمقراطية وقدموها لشعوبهم لكي يقفز هؤلاء إلي السلطة.. وأيضا باسم الديمقراطية. ** وليس غريباً أن كل دول أوروبا التي سيطر عليها الفكر والفعل الشيوعي كل هذه الدول حملت اسم «الديمقراطية» بل وأيضاً الاشتراكية، تماماً كما وجدنا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية أي الشرقية «شرق ألمانيا» بعد أن تم تقسيم المانيا «النازية» إلي دولتين غربية تسيطر عليها أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. وشرقية تتحكم فيها الشيوعية، وتدار في الغالب، من موسكو، وكان نظام حكمها وهو يحمل اسم الديمقراطية ويرفع أعلامها من أشد نظم الحكم بشاعة في العالم ولم يكن أي مواطن يملك أن يغادر مدينته.. دون أن يخطر السلطات بذلك.. فالمواطن لم يكن يملك قراره.. وكانت هناك دول عديدة كذلك في أوروبا!! وفي دول أفريقيا وجدنا دولاً ترفع راية الديمقراطية.. بينما كان شعبها واقعاً تحت أبشع النظم الدكتاتورية. وكذلك بعض الدول العربية، حتي ولو كانت تقع في أقصي جنوب غرب الجزيرة العربية. ولم تتحرك وتتحرر هذه الدول من هذه الديمقراطية الزائفة إلا بعد أن دفعت ثمناً رهيباً.. ولسنوات طويلة. ** وتحضرني هنا واقعة طريفة هنا في مصر ودفع أشهر ديمقراطي مصري ثمن «ديمقراطيته»، فقد رشح استاذ الجيل وأشهر صحفيي بدايات القرن العشرين أحمد لطفي السيد نفسه في الانتخابات، وهو أول من تحدث عن الديمقراطية بل وترجم لنا أمهات كتب الديمقراطية.. وهو أول من تحدث عن «مصر للمصريين».. وكان نجاحه في هذه الانتخابات أمراً مؤكداً.. فماذا فعل منافسه في نفس الدائرة. لقد أشاع منافسه أن لطفي السيد يؤمن بالديمقراطية.. وهذه الديمقراطية تسمح أن يتزوج الواحد امرأة غيره.. بل وكما أن هناك مبدأ تعدد الزوجات، هناك في الديمقراطية، تعدد الأزواج.. وقال المنافس للناس إذا لم تصدقوني اسألوا لطفي السيد سؤالا واحداً هو «هل أنت ديمقراطي؟».. ولم يكذب الناخبون خبراً وذهبوا إلي لطفي السيد في سرادق أقامه للناخبين وسألوه: هل أنت ديمقراطي؟، ووقف لطفي السيد مزهواً ويرد بكامل قوته.. نعم أنا ديمقراطي!! وكانت النتيجة أنه سقط في الانتخابات سقوطاً مروعاً.. ** ولم يكن السبب في الديمقراطية.. ولكنه كان فيمن يمارس هذه الديمقراطية وفي الجو العام الذي يسود البلاد.. وهل يعرف الناس المعني الحقيقي لهذه الكلمة.. نعم حتي نمارس الديمقراطية علينا أن نواجه المشاكل الأخطر التي تسيء إلي الممارسة الديمقراطية.. وإلي استخدامنا لهذه النعمة الديمقراطية.. وفي مقدمة هذه المشاكل يأتي: الفقر.. ويأتي الجهل.. ويأتي المرض.. نقصد أن مصر تعاني نسبة كبيرة من الجهل.. ومن الأمية.. حتي وإن قال البعض انهم يفهمون كل شيء.. والفهلوة جزء أساسي من الشخصية المصرية.. وللأسف لا أريد أن أقول إن حكام مصر يرون أن حكم شعب فيه هذه النسبة العالية من الجهل أسهل عليهم من أن يحكموا شعباً متعلماً.. فهل تعمد حكام مصر عدم مواجهة مشكلة الجهل وأن عليهم إزالة وصمة هذا العار.. بمقاومة الأمية.. ** والمشكلة الثانية التي تؤخر إقامة نظام حكم ديمقراطي حقيقي هي مشكلة الفقر.. فما أسهل أن تؤثر علي من يعاني كثيراً من الفقر ومن عدم حصول المواطن علي حقه في الحياة.. ولهذا نجد في كل انتخابات تجري في مصر أن المناطق التي تصوت مع «النظام»، أي نظام، دائماً ما تكون تلك التي تزداد فيها نسبة الأمية.. وترتفع فيها نسبة الفقر والفقراء.. بدليل أن نتائج الاستفتاءات خصوصا هذه الأخيرة، جاءت في صالح من خدعهم أي النظام الإخواني.. جاءت كلها من محافظات ومدن وقري يعاني أغلب سكانها من الأمية.. ومن الفقر وما أسهل أن يقال لهم انتخبونا حتي لا تدخلوا جهنم.. أو تخدعهم زجاجة زيت وكيس سكر، وكيلو مكرونة. ** ومن هنا فان المعركة الحقيقية التي تواجه مصر هي في القضاء علي الأمية وفي مواجهة الفقر والجوع.. حتي تتحقق الديمقراطية الحقيقية.. ولكن كل ما نراه الآن لن يجعلنا نكفر بالديمقراطية.. أو نتطلع إلي الدكتاتورية.. فقط علينا معالجة مشاكل الجهل والفقر.. لنواجه أي دكتاتور.. ** أبداً لن نكفر بالديمقراطية.. رغم ما نقوله الآن: كم من الجرائم والخطايا ترتكب باسم هذه الديمقراطية!!