تساءلت في مقال سابق لي عن الاهتمام الأمني الملحوظ بالقصر الرئاسي ومحيطه الذي جعل البقعة مقر القصر والمحيط ثكنة عسكرية بأعداد من الجنود والضباط والمخبرين بمختلف الأسلحة والمدرعات الثقيلة وكل ما يحول دون الاقتراب ، ولم أجد غضاضة في ذلك لو كان هذا الاهتمام قد حظي به مبني المحكمة الدستورية العليا التي استمر حصارها حتي الآن!، وكذا مبني مدينة الإنتاج الإعلامي الواقع تحت حصار أنصار أبوإسماعيل، ويعيث حوله الأنصار بأفعال وممارسات جعلت من المنطقة مباءة بالمخلفات التي نشأت عن هذا الحصار، وأذكر أنني في هذا المقال قد وجدت من واجبي أن أنبه إلي أهمية وخطورة حصار المبنيين وكيف أنه لا يجوز سكوت الجهات الأمنية في الدولة علي ذلك، لا سيما وأن هناك تعاوناً في هذا الشأن تبديه القوات المسلحة مع الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، وبينت في المقال علي سبيل التفصيل مخاطر أن يترك المبنيان تحت الحصار وقد أصبحا صورة ثابتة في شاشات تليفزيونات العالم، ولكن الأمر عندي ظل مختلفاً بالنسبة للمحكمة الدستورية عن مبني الإنتاج الإعلامي، فقد كان تحذيري من استمرار حصار الثانية يعرض الرأي العام لبلبلة، فيما لو نجح الذين يحاصرون المبني في اقتحامه والوصول إلي ستوديوهات البث لكي يذيعوا علي الناس ما يريدون إذاعته!، وبصرف النظر عما سيأتي في بياناتهم التي لن تكون بالقطع في صالح الرأي العام المصري. أما مبني المحكمة الدستورية الذي يعني حصاره عاراً علينا كمصريين بعامة!، فإن الذين تركوه رهن الحصار لا يدركون أن مما يحط من قدر مصر كأمة عريقة في نظامها القضائي، وتربطها بالعالم اتفاقيات دولية تجعل حركة السلطات المحلية في مصر حركة حذرة تجاه كل ما يمس أمور الشأن القضائي!، خاصة ما يختص بالمحكمة الأعلي شأناً في مصر وكافة بلاد العالم، ونحن علي أعتاب حياة ديمقراطية تقوم علي حكم القانون والدستور، كل ذلك يجعل من استمرار حصار المحكمة الاتحادية الأمر المرفوض داخلياً ودولياً!، وإذا بالأنباء تأتي لتؤكد أن الدوائر العالمية المعنية بالقضاء قد أبدت قلقها الشديد لما تشهده المحكمة الدستورية في مصر! كما اعتزمت 64 محكمة دستورية علي مستوي العالم تعليق أعمالها خلال الأيام القادمة للتضامن مع المحكمة المصرية، كما أبدي مؤتمر قضائي في الهند انعقد مؤخراً بعضوية 144 دولة قلق أعضائه البالغ لما تتعرض له السلطة القضائية في مصر!، ويبدو أن البعض من الدائرة الحاكمة في مصر يظن أننا وحدنا في العالم!، وأن الاتفاقيات الدولية لا تلزم مصر بأحكامها في شئون القضاء أو غير القضاء!، لكنني أذكرها فقط بواقعة تعود إلي عهد الرئيس الراحل أنور السادات عندما زين له البعض الخلاص من صداع الصحفيين الذين كانوا يجتمعون علي معارضته في نقابة الصحفيين وكنت واحداً منهم، وكان الخلاص بتحويل نقابة الصحفيين إلي نادٍ اجتماعي!، وفزع البعض من الصحفيين، في حين حمل فريق منهم مذكرة إلي المرحوم د. صوفي أبوطالب رئيس مجلس الشعب وقتذاك منددة بالقرار منبهة إلي مغبة ذلك، وتأثير هذا علي سمعة مصر الدولية مما تفهمه د. أبوطالب، والذي كان كريماً محتفياً بمن خفوا إليه من الصحفيين، وقد طمأنهم رئيس مجلس الشعب إلي أن تحويل نقابة الصحفيين إلي نادٍ لن يحدث، وأنه سيبذل قصاري جهده للحيلولة دون ذلك، مما جعل الصحفيين ينصرفون من مكتب الرجل وهم علي ثقة من إدراكه لجسامة ما سيقدم عليه الرئيس!، وقد صدق د. صوفي في وعده فأحبط الكارثة، وهو في قمة علاقته الحميمة بالرئيس الراحل، فهل يخف أحد إلي حكامنا إن كانوا يسمعون لإنقاذ الدستورية!