قبل 12 عاما - بالتمام والكمال - تم تسجيل هذا الحديث مع الراحل د. صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب الأسبق ومستشار الرئيس الراحل أنور السادات.. باح لنا من خلاله بالعديد من الأسرار والذكريات التى كان يصعب نشرها قبل الثورة وظلت حبيسة الأدراج حتى جاءت الساعة التى كسرت حاجز الصمت واستطاع الجميع أن يتكلم ويعلو صوته دون الخوف من أحد هى ساعة ثورة 25 يناير العظيمة. وانتظرنا لمدة عام كامل وبمناسبة افتتاح أول برلمان بعد الثورة.. باعتبار أن د. صوفى من أشهر البرلمانيين فى مصر لنشر تلك المذكرات التى تكشف عن أسرار عديدة منها أسباب إنشاء مجلس الشورى؟ ولماذا أراد الرئيس السادات أن تكون نقابة الصحفيين ناديًا شعبيًا وأن أزمة سبتمبر 1981 والتى اعتقل فيها السادات العديد من المعارضين له قد بدأت بصدور كتاب «تجربتى» للمهندس عثمان أحمد عثمان. كما تكشف الذكريات عن أن إسرائيل أرادت أن يترك السادات السلطة لأنها شعرت بأنه ضحك عليها فى بنود اتفاقية السلام واستخدمت - بالتعاون مع أمريكا - عددًا من الإعلاميين والسياسيين لانتقاد السادات بعد الاتفاقية. والذكريات تكشف عن أسرار وحكايات أخرى عديدة خلال السطور المقبلة.فى البداية وبمناسبة انتخابات مجلس الشورى والتى لم تشهد إقبالاً مقارنة بانتخابات مجلس الشعب، بل إن بعض اللجان كانت نسبة الإقبال فيها «صفر»، وفيما عدا ذلك كانت النسب تتراوح ما بين 10 إلى أقل من 20% على أحسن تقدير. وفى نفس الوقت كان هناك جدل دائر.. ومازال بشأن إلغاء مجلس الشورى نفسه، وأنه مجلس لا أهمية له ولا حاجة له.. ناهيك عن ميزانيته السنوية الضخمة. نعود إلى أكثر من اثنى عشر عاما مضت، حيث كان حديث له خصوصية شديدة مع الراحل د. صوفى أبو طالب حيث كشف عن الهدف أو الفكرة التى بمقتضاها أنشأ السادات مجلس الشورى. قال لنا د. صوفى عندما أراد الرئيس السادات إيجاد بديل للجنة المركزية كمجلس آخر بجانب مجلس الشعب لمجرد إبداء الرأى والاستشارة، دون أن يكون له دور رقابى ولا دور تشريعى فى أى موضوع فتحدث الرئيس السادات مع د. صوفى فى هذا، وكان ذلك حوالى عام 1980، وبأنه يريد مجلساً آخر بجوار مجلس الشعب كبديل للجنة المركزية، نظامه يتماشى مع الحزب الجديد الواحد، وليس مع تعدد الأحزاب، على أن يضم كل القيادات سواء كانت معارضة أم حزبًا وطنيًا. المجلس الفرنسى فانتهى تفكير د. صوفى إلى مشروع مضمونه يكون على غرار المجلس الدستورى الفرنسى، وهذا المجلس يضم أشخاصا بحكم وظائفهم ورؤساء الجمهوريات السابقين ورؤساء البرلمان السابقين، سواء مجلس شيوخ أو مجلس نواب ورؤساء الوزراء السابقين، ومجموعة أخرى على مستوى عال سياسياً، وقانونياً، واقتصادياً، ووظيفة هذا المجلس جزء منه تقوم به عندنا المحكمة الدستورية، حيث يكون إبداء الرأى فيما إذا كان أحد مشروعات القوانين يتفق مع الدستور أم كان مخالفًا للدستور، قبل أن يعرض مشروع هذا القانون على البرلمان، فإذا قرر أن هذا المشروع غير دستورى فلا يعرض على البرلمان، فهى رقابة دستورية سابقة على المشروع عكس ما أخذنا به، إنها رقابة لاحقة بعدما يصدر القانون. هذه الفكرة لم يؤخذ بها - على حد قول د. صوفى - لماذا؟.. لأن أشخاصًا بحكم وظائفهم يكونون أعضاء فى المجلس سوف يعطى رقابة على مؤسسات الدولة فى هذا المجلس مما ينتقص من سلطات كثير من المؤسسات وجاء الاعتراض فى ذلك الحين من الحكومة نفسها، لأن وجود المجلس كان سيقضى بإلغاء المجالس القومية المتخصصة، ذلك إن ما كان سيؤديه هذا المجلس المقترح من د. أبو طالب هو نفس دور المجالس القومية المتخصصة، كذلك إلغاء المحكمة الدستورية، لأنه سيقوم بنفس دورها، فهذا المشروع لم توافق عليه الحكومة، وانتهى الأمر إلى إنشاء مجلس الشورى بالشكل الذى أنشئ عليه. وضع الصحافة ومن ثم كان هناك جدل عن كيفية الانتهاء إلى وضع الصحافة المملوكة لمجلس الشورى من الناحية الدستورية، حيث قال د.صوفى أبوطالب: فى ظل النظم الشمولية والاشتراكية الصحف مملوكة للشعب والدولة، وفى النظام الجديد كيف ستكون؟.. فانتهى الأمر إلى الصيغة الموجودة اليوم، وأنها سلطة شعبية لها استقلالها عن السلطات الأخرى، وفى نفس الوقت ليست سلطة من سلطات الدولة الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) وبالتالى تحقق للصحفيين نظرية الاستقلال عن السلطة التنفيذية، وفى نفس الوقت أصبح للدولة قول أساسى فى توجهاتها، لأنها عن طريق مجلس الشورى هى التى تعين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير، وأعضاء مجالس الإدارات وهم المسئولون عن عمل الصحافة. وكان هناك جدل.. هل ستظل نقابة الصحفيين كما هى تتحول إلى ناد؟.. ذلك أنها أصبحت سلطة، ولا توجد نقابة للهيئات القضائية لأنها سلطة.. إذن فماذا سيكون وضع نقابة الصحفيين؟.. هل تبقى نقابة رغم أن الصحافة أصبحت سلطة؟.. والجدل كان كثيرًا والنقاش كان أكثر.. وانتهى الأمر إلى أنها سلطة، ولكنها سلطة شعبية، ومن ثم تظل النقابة قائمة، لأنها سلطة شعبية. وكان لا بد من إيجاد تكييف لبلورة الوضع الجديد، هل يجوز وجود نقابة لسلطة من سلطات الدولة، مثل القضاء؟.. لا يجوز من الناحية الدستورية.. وهل الصحافة سلطة من سلطات الدولة؟.. لا.. إنما سلطة شعبية - إذن فوضع النقابة لم يحل بعد!.. لا نحن نستطيع أن نقول لا تبقى لأنها سلطة من سلطات الدولة، ولا نحن نستطيع أن نقول تبقى رغم وجود السلطة. ونتيجة لأنها سلطة شعبية، قلنا إذا هى ليست سلطة وبالتالى هى تنظيم شعبى، ويجوز أن تنتهى إلى جواز تشكيل نقابة الصحفيين شأنها شأن أية نقابة شعبية أخرى أو أية نقابة مهنية أخرى. وقال المغفور له د. صوفى أبو طالب إن الرئيس الراحل أنور السادات كان يريد تنظيم النقابة فى ضوء القانون الجديد، من حيث تشكيلها واختصاصاتها وسلطاتها، وما هى سلطات نقابة الصحفيين، بعد ما أصبحت الصحف مملوكة لمجلس الشورى؟ ونقابة الصحفيين هل يدخل فيها ملاك الصحف أم لا؟ هل تعين رؤساء التحرير أم لا؟.. هل اختصاصاتها لحماية الصحفيين فى مواجهة ملاك الصحيفة؟.. كل هذه أسئلة طرحت والشائك فيها أنها أصبحت مملوكة لمجلس الشورى.. ومجلس الشورى جزء من الدولة، وجزء من السلطة التشريعية، فكان الجدل بشأن كيفية تنظيم النقابة فى هذا الوضع، وكان هناك اتجاه بألا تكون موجودة، ويكون بدلاً منها ناد، وكان هناك اتجاه آخر يمكن أن تبقى موجودة دون أن نواجه بقضية أنها سلطة لأنها سلطة شعبية، فما كان موجودا فى ذهن الرئيس السادات أنه مادامت سلطة فلا داعى لوجود نقابة وتصبح نادياً، وكل النقابات أصلاً اختصاصاتها اجتماعية وثقافية، ليس لها دخل بالأمور السياسية أصلاً، ونقابة الصحفيين بحكم طبيعتها لا يمكن أن تعمل دون أن يكون لها دور سياسى!.. مستحيل.. فكان كيفية التوفيق بين بقائها كنقابة ودورها السياسى.. وانتهينا إلى الصيغة التوفيقية الموجودة حاليا. تعديل الدستور جدل آخر أثير بشأن تعديل الدستور واعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع.. قال لنا الراحل العظيم د. صوفى أبو طالب: نعم كان هناك جدل حول الموضوعات التى طرحت بشأن تعديل المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع، فكان هناك اتجاه عام بأن تكون المصدر الوحيد للتشريع فانتهينا إلى عملية توفيقية وهى أن تكون المصدر الرئيسى للتشريع وهو نفس المعنى، كونك تقول المصدر الوحيد، فإنك تسلب نفسك سلطة اختيار قانون من بلد آخر أو من جهة أخرى، لن يتعرض له فقهاء الشريعة، ولكن عندما تقول المصدر الرئيسى، فهذا معناه أنى أستطيع أن أستعين بنظم قانونية أجنبية مادامت لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وعما إذا كان ذلك جزءا من مقدمات وبوادر أزمة السادات مع المثقفين والسياسيين من أحزاب المعارضة والكنيسة ورجال الدين الإسلامى إلى آخر كل هؤلاء، وفيما سمى بأزمة سبتمبر 1981. قال د. صوفى أبو طالب: كل ما فات كان بداية المقدمات، ولكن بداية الأزمة بدأت - من وجهة نظر د. صوفى - فى أبريل 1981، يوم صدور كتاب «تجربتى» للمهندس عثمان أحمد عثمان كانت هى المقدمة الحقيقية للأزمة.. وتوالت الأزمات بين السادات وأحزاب المعارضة، وكل (سوابق) سبتمبر 1981، حيث عاد الرئيس السادات من الولاياتالمتحدةالأمريكية وكان خطابه الشهير أمام البرلمان وحملة الاعتقالات الشهيرة. اتفاقية السلام أزمة البابا شنودة كانت مصاحبة لأزمة السادات مع حلف المعارضة وبعد حوالى عام من توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، حيث كان هناك تيار غير راض عن السلام وإسرائيل ذاتها أدركت ذلك.. كان هناك تيار من المعارضة انتهج خطا معارضا ضد اتفاقية السلام، وبدأت أسرائيل تشعر بأنه بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر أن مناحم بيجين (انضحك) عليه أو أن السادات (خدعه).. وأن إسرائيل حصلت على بعض الأوراق مقابل لا شىء!.. ذلك أن التطبيع وما غير ذلك لم يكن له مظاهر.. وتزامن مع ذلك أن الصحف المعارضة لم تكتف بالهجوم على معاهدة السلام، إنما بدأت تتطاول على الرئيس السادات شخصياً وعلى أسرته، وكان يقول دائما - وقتها - إن الهجوم على الأسرة وعلى عثمان أحمد عثمان، ليس هجوما عليهم، ولكنه هجوم عليه شخصياً.. وفعلاً كانت كتابات الصحف وقتها تأخذ هذا الاتجاه.. وضاعف من شراسة المعارضة، والإجراءات التى اتخذها السادات فى مواجهة تيار اليسار، وتيار اليسار كان يسيطر على الإعلام بنسبة 100%.. الإعلام فى مصر كلها سواء فى الإذاعة أو فى التليفزيون أو فى غيرها، كان تيار اليسار هو المسيطر على كل ذلك. كذلك سوء العلاقة الذى نتج ما بين السادات والاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت، بعد اتفاقية السلام، والتقارب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يرض هؤلاء، فأصبحت وفى جبهة واحدة مجموعة تعارضه معارضة شديدة، مدعمة بقوى أجنبية تدعم هذه المعارضة لإسقاط الرئيس السادات، وبالتالى إسقاط معاهدة كامب ديفيد.. إسرائيل نفسها شعرت بأنها (انضحك) عليها، وأصبح من مصلحتها أن يترك الرئيس السادات السلطة، أو يزول من الوجود، وتعود أمورها (تلعب) بها.. كما كانت تفعل من قبل.. أمريكا بالذات، وبعض دول أخرى، خاصة بعد فشل الرئيس الأمريكى جيمى كارتر فى الانتخابات الأمريكية، وتولى الرئيس رونالد ريجان رئاسة الولاياتالمتحدة، تغير التوجه الأمريكى عما كان الحال عليه من قبل. معارضة شرسة فأنا فى تصورى - كما قال د. صوفى - أن أصابع المعارضة سواء المعارضة الإسرائيلية أو المعارضة الأمريكية أو المعارضة العربية، لعب كل ذلك لدى فريق من الإعلاميين وفريق من السياسيين لأجل انتقاد الرئيس السادات شخصيًا وانتقاد السادات تحول إلى نقد مصر ونقد لمصر فى شخص السادات والعكس بالعكس، وكل هذه الأمور جعلت الرئيس السادات يشعر بأنه محاصر من جانب كل هؤلاء، وكان يعتبر أن ما فعله يعد إنجازُا كبيرًا، وينظر له ليس اعترافا بالجميل، ولكن على الأقل عدم مهاجمته فى هذا الشأن حتى تظهر النتائج.. فإذا جاءت النتائج سيئة يتحمل المسئولية بمفرده، ويترك الحكم.. هذا كان فكر الرئيس السادات. لكن أياً من ذلك لم يحدث، لأنهم كانوا على عجالة بشأن إسقاط السادات، وإسقاط المعاهدة، وكان رهانهم على أن إسرائيل لن تنسحب من سيناء انسحابا كاملا.. ولا تنسحب ولاتفك مستعمرة «ياميت».. ولا شىء من هذا القبيل، وكما ذكرت أصبح الرئيس السادات فى ضيق شديد، وزج به فى حصار شبه مفروض عليه من جانب العالم العربى ومن جانب الأمريكان ومن جانب إسرائيل، ومن جانب بعض صحف وأحزاب المعارضة المصرية، ومن جانب تيار اليسار، كل ذلك جعل لتصرفاته رد فعل غير محسوب على خلاف عادته.