بالطبع هيتشكوك داخل مخيلة عاشقى السينما يعنى الكثير وبالنسبة لى كان فيلميه «نفوس معقدة» و«الطيور» أحد الأسباب التى شدتنى إلى العالم السحرى الذى تجذبك إليه تلك الأعمال الشيقة التى شاهدناها من خلال نادى السينما الذى كان بمثابة النافذة للجميع ليعيشوا داخل العالم الأسطورى للسينما العالمية، ولأن هيتشكوك أهم مخرج مزج الرعب بالتشويق بالجنس بالكوميديا للتأثير فى المتفرج معتمداً على التركيز على النواحى النفسية والمشاعر المختلفة لدى أبطال العمل الفنى، والدوافع الدافعة لارتكاب الجريمة ليصدم المشاهد فى النهاية بالفيلم ويكتشف أن تلك الشخصية مضطربة نفسياً وهذا ما حدث لى عندما شاهدت فيلم «الفتاة».. وانتهيت إلى أن هيتشكوك نفسه معقد نفسياً. ويحكى الفيلم قصة وعلاقة الفنانة تيبى هيدرين بالمخرج العالمى وكواليس تدريبها على يد هيتشكوك والذى سماها «الفتاة» منذ لحظة اكتشافها وتدريبها بأسلوب وتقنية عالية مركزاً على العلاقة الغريبة التى جمعتهما معًا، بل إنه يشير أيضاً إلى علاقة أكثر غرابة مع زوجته. ويركز المخرج فى تترات الفيلم على إصرار هيتشكوك على وجود الشقراوات فى أفلامه، من منطلق اعتقاده إلى أن خطوط الجريمة تبدو واضحة مع الثلج البكر، ويبدأ الفيلم فى جذب المشاهد من أول لحظة بإدخالك فى مناخ فيلم «الطيور»، ثم يأخذك إلى العلاقة الخاصة مع زوجته المؤلفة وهى تطبخ وهو يغسل الأطفال ويتكلم عن أفكاره عن الفيلم الجديد. وفجأة تظهر على شاشة التليفزيون عارضة الأزياء تيبى هيدرين فتلفت الزوجة نظر هيتشكوك إلى ابتسامتها ويتم ترشيحها للفيلم الأمريكى «الطيور» المنتج عام 1963، عن مجموعات من الطيور تهاجم بضراوة على بيوت السكان دون أى سبب واضح، (ومؤخراً اكتشف العلماء أن طعام هذه الطيور كان يحتوى على مواد مثيرة للأعصاب أدت إلى تغير فى سلوك الطيور بشكل مناسب للجرعات التى أصابت جهازها العصبى) وهذا الذى أوحى للمخرج الأمريكى الشهير قصة الفيلم. وأثناء تصوير الطيور The Birds والذى أنتج عام 1963، وفيلم مارنى Marnie فى عام 1964، نرى البعد الخفى فى شخصية هيتشكوك الذى مارس فيه الضغط النفسى على هيدرين لاستغلالها جنسياً وما خلف الستار من عقود الاحتكار التى كان بينهما ومن خلالها تطرق لشخصية وسلوكيات المخرج هيتشكوك مع بعض الفنانات والمشاهير الأخريات، والتى لم يصرحن بأى تصريحات حول ذلك رغم أن هناك إشارة مستترة إلا أنه فعل ذلك كثيراً، وفى الحقيقة أن هيتشكوك يبدو من خلال الفيلم كشخص مصاب بعقد نفسية ناتجة من كونه عبقرياً ولكنه ذو مواصفات شكلية وجسمانية لا تجعله جذباً وهذا ما جعله مع تقدم السن يصبح مهووساً بتلك الفتاة التى أصبحت بطلة لأفلامه رافضاً عدم وافقتها على إقامة علاقة معه، فينتقم منها بشتى الطرق حتى إنه يعيد مشهد مهاجمة الطيور لها 47 مرة مستخدماً طيوراً حقيقية إلى درجة إصابتها بانهيار عصبى، تطلب عرضها على طبيب وللأسف إنه عندما طلب منها الانصياع له جنسياً بعد فيلمها الثانى معه، ورفضت وقالت له إنى أتخلى عن العقد. قال: سوف أحطم صنعتك. وهو ما فعله، فلم يسمح لها بالتخلى عن العقد. ولم تصبح نجمة كبيرة رغم أن الكثيرين كانا يرغبون مشاركتها فى أفلامهم.. بالطبع كانت هناك مشاهد تؤكد هوسه الجنسى بها إلى حد الهجوم عليها بوحشية أثناء تواجدهما فى السيارة. أما العلاقة الأكثر غرابة فهى علاقته الزوجية التى كانت بمثابة لغز لهوليوود، خاصة أنه فى الفيلم يؤكد أنه لم يمارس الجنس إلا مع زوجته وفى نفس يقول إنه تزوجها لأنها طلبت منه ذلك وعندما تتركها يصاب بالاكتئاب. ويقول إنه لا يرى الحياة بدونها! الطريف أن الفيلم ركز على زيارة زوجته إلى هيدرين خلال فيلم «مارني» وقالت لها: «أنا متأسفة جداً من أنك تحملت كل ذلك». فنظرت لها هيدرين وقالت: «ألماً، يمكنك أن توقفى ذلك». فنظرت إلى أعلى واستدارت ثم غادرت المكان. الطريف أن هناك عودة للمخرج الأسطورة ألفر مخرج أفلام الرعب والجريمة إلى عشاقه من محبى السينما خلال فيلم آخر يتناول ملامح من حياته الشخصية والفنية والعاطفية والنساء اللواتى عمل معهن وأيضاً أغرم بهن. وهو فيلم «ألفريد هيتشكوك وصناعة النفس» من إخراج ساشا جيرفازى وبطولة أنطونى هوبكنز فى دور هيتشكوك ويركز على كيف كان المخرج العالمى يتعايش مع عالم الجريمة التى كان يقدمها فى أفلامه، هذا العبقرى الذى انتقل إلى هوليوود ليقدم أول فيلم له (ربيكا) Rebecca الذى ترشح به لجائزة أفضل مخرج فى الأوسكار، واقتبس الفيلم من رواية الكاتب دافنى دو مورييه. وفى عام 1946 قدم فيلم (سيئ السمعة) Notorious عن عميل مخابرات عليه أن يرسل حبيبته للنازيين ليكشف قضية تخابر. فى فيلم (القارب 1944) Lifrboat حكى قصة كاملة فى مكان لا يتغير هو قارب وفى فيلم (الحبل 1948) Rope قدم أول فيلم لا يعتمد على التقطيع، بل هو لقطة واحدة طويلة، إلا أن أعماله الثلاثة التى حفرت اسمه للأبد هى (النافذة الخلفية 1954) Rear window الذى علم المشاهدين كيف يتلصصون على الجيران ثم عاقبهم على هذا، وفيلم (الدوار 1958) vertigo عن خوف المرتفعات، وفيلم (نفوس معقدة 1960) Psycho الذى اشتهر بمشهد القتل تحت مياه الدش وهنا خرق قاعدة أن تظل بطلة الفيلم حية لمشهد النهاية وماتت البطلة فى ثلث الفيلم الأول. قدم فيلم (الطيور 1963) ومن أفلامه الشهيرة الأخرى (خلف الستار الحديدي) و(الشمال من الشمال الغربى 1959) North by Northwest و(توباز 1969) Topaz، كما عاد لإنجلترا ليقدم (جنون 1972) Frenzy، آخر أفلامه كان (مؤامرة عائلية 1976) Family plot حيث لصان يواجهان امرأة تملك قوة نفسية وحبيبهن. ويبقى فى النهاية أن تلك الأفلام تؤكد عبقريته وفى نفس الوقت الخلل النفسى المصاب به، ويبدو دائماً أن كل إناء ينضح بما فيه!