والعنوان أعلاه، هو فيما أظن، أحد الأمثال التى يحلو كثيرا للزميل العزيز «إبراهيم عيسى» استخدامه حين تختلط الأمور فى بلادنا، وتدلهم، ويدخل الحابل فى النابل، وتصبح الأمور كما يجرى الآن فى الساحة السياسية «سمك لبن تمر هندى» أو «كسكسى على حمصى» والتى لا أجد كلمة أبلغ منها لوصف مسودة الدستور الأخيرة التى يجرى تداولها، التى تحفل بالتناقضات بين موادها، وتمتلئ بالصياغات المهلهلة الركيكة والملتبسة واللئيمة التى تشى بانعدام الخبرة والكفاءة، وتظهر أقل مما تبطن، وتقيد حريات الرأى والتعبير والصحافة، وتعتدى على استقلال القضاء، وعلى اختصاصات المحكمة الدستورية بتقليص دورها، و تجعلنى مع كثيرين غيرى ننادى بأعلى الصوت: لبيك دستور 1971! وبعيدا عن حملات ميليشيات الاخوان داخل الجمعية التأسيسية وخارجها للغلوشة، والتنطع، وكيل الاتهامات للمعارضين لما يجرى داخلها، وما أسفر عنها حتى الآن، فقد تلقت الجمعية التأسيسية، ومسودة دستورها، أقوى اعتراض على عملها من داخلها هذه المرة، حيث تنتهى غدا - الأحد - المهلة، التى أعلنتها مجموعة من أعضاء الجمعية التأسيسية، قاطعت الاجتماعات فيها منذ يوم الثلاثاء الماضى، احتجاجا على أسلوب العمل، وطريقة إدارة الجلسات، وسعى التيار الإسلامى داخل الجمعية، لسلق مسودة الدستور، وإصراره على تشكيل لجنة مصغرة لمراجعة الصياغة النهائية، تضم المنتمين إليه وحدهم، واعتراضا على الجدول الزمنى المقرر لإنهاء عمل الجمعية، وقد حددت المجموعة الى يتراوح عددها بين 20 و30 عضوا بينهم الدكتور السيد البدوى «وعمرو موسى» و«جابر جاد نصار» و«سعاد كامل» «وحسن نافعة» و«د. وحيد عبدالمجيد» و«محمد السعيد ادريس» و«عبدالجليل مصطفى» «وحمدى قنديل» و«أيمن نور» و«وفؤاد بدراوى» «وجورج مسيحة» يوم غد الاحد لإعلان موقفها النهائى من الانسحاب من الجمعية التأسيسية، إذا لم تتم الاستجابة لمطالبها بإعادة تشكيل اللجنة المصغرة للصياغة بشكل متوازن ومحايد، والعودة لمناقشة المواد التى تم تمريرها بشكل متعجل غير مدروس، ووقف أسلوب الفوضى والشوشرة والتهريج الذى تستخدمه الاغلبية الاسلامية داخل الجمعية لمواجهة أى اعتراض ومقاطعة كل معارض، وتنظيم إقرار المواد الخلافية بالتوافق وليس بالتصويت، ووقف التسرع فى إصدار الدستور، الذى لا يستهدف سوى السباق مع حكم المحكمة الدستورية فى الثانى من ديسمبر القادم، بشأن الطعن على القانون الذى شكلت بموجبه الجمعية التأسيسية. يحدث هذا وسط مبارزات كلامية لا تناقش وجاهة وجدية الأسباب التى تطرحها مجموعة الملوحين بالانسحاب، بل تسعى الى التقليل من شأنها على الرغم من أنها تضم رموزا من قيادات العمل الحزبى والوطنى، ومن الخبرات الاعلامية والقانونية والسياسية. وبلهجة تنقصها اللياقة - ولا أقول الأدب - ومفعمة بالغرور والاستعلاء والاستقواء، والغطرسة، انبرى أقطاب حزب الحرية والعدالة الحاكم، وأنصارهم من التيار الاسلامى ومن خارجه، لوصف هذه المجموعة بأنها مجرد أقلية محدودة» واللى عايز يمشى.. يمشى مش حيفرق مع الجمعية، أما القطب الإخوانى «صبحى صالح» فأضاف الى حالة الاستخفاف بالملوحين بالانسحاب «إنهم سوف يحرمون انفسهم من شرف كتابة أعظم دستور فى التاريخ» وهو حكم نعرف مقدما نتيجته الكارثية لمن سبق له أن شارك فى سلق التعديلات الدستورية، ورفض مطالب القوى السياسية بكتابة الدستور اولا قبل اجراء الانتخابات البرلمانية لتسير المرحلة الانتقالية على رأسها بدلا من قدميها، وهى التعديلات التى استولت بموجبها جماعة الاخوان المسلمين على سدة الحكم، فى انتخابات برلمانية ورئاسية مشكوك فى ديمقراطيتها! مسودة دستور تقنن الاتجار بالبشر، وتستخف بالحريات التى يصونها توقيع مصر على الاتفاقيات الدولية والتى تحترم المساواة بين الرجل والمرأة، وتحفظ حقوق الطفل، وتعترض علي عمالة الاطفال، وتحظر مصادرة الصحف، وتصون استقلال القضاء و حرية الفكر والابداع وحق ممارسة الشرائع الدينية، ثم ترى فيمن يعترض على ذلك مجرد اقلية محدودة، هذا فضلا عما تنطوى عليه المسودة من افتئات على دور الدولة وعلى سلطة القانون حين تمنح الافراد والجماعات حق صيانة الاخلاق والآداب العامة! لسنا فى حصة للغة العربية لكى يتحجج قادة حزب الحرية والعدالة بأن لجنة صياغة الدستور تضم فى عضويتها رئيس مجمع اللغة العربية واساتذة لغويات، ردا على ما تجمع عليه مجموعة الثلاثين الملوحة بالانسحاب بأن مسودة الدستور مليئة بالركاكة التى لا تعرفها النصوص الدستورية التى تتسم بالرصانة والاحكام. ولا يصلح فى هذا المقام ان توصف مجموعة الثلاثين بانها «ديكتاتورية الاقلية»، إذ واقع الامر ان الاقلية الحقيقية داخل الجمعية التأسيسية، هى المجموعة السلفية، التى لا تحوز سوى على 17 مقعدا داخلها، لكنها لا تتوقف عن ابتزاز الجميع وإرهابهم بمن فيهم الاخوان، بطرح شعارات متزمتة، فيما يتعلق، بموضوع تطبيق الشريعة، والمزايدة عليهم واتهامهم برفض تطبيقها، واتهام غيرهم من القوى الديمقراطية بأنهم ضد الشريعة وضد الإسلام، لأنها تسعى الى تطبيق المذهب السلفى الفقهى بالتظاهر والابتزاز و بالعنف والإرهاب وفرضه على الجميع! وللمرة الألف، فإن كتابة الدساتير لا تخضع لمعايير الأقلية والأغلبية، انما تخضع لمعيار وحيد هو التوافق الوطنى العام، وإذا صدر الدستور برأى تيار واحد فسوف يفقده ذلك الرضاء الشعبى من جانب، وسوف تصنف مصر عالميا،ولدى الدول والمنظمات الدولية باعتبارها دولة غير ديمقراطية، وغير دستورية، وهو امر بالغ السوء، سيكون له آثاره السلبية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية فى مصر. لهذا ولغيره نريد – كما تريد مجموعة الثلاثين - دستورا لكل المصريين، وليس دستورا «كسكسى على حمصى» للجماعة وأنصارها!