فى لحظات مؤثرة يعجز اللسان عن وصفها انفجرت أم بالبكاء والصراخ وهى تهرول على أحد شواطئ الإسكندرية تبحث عن جثة نجلها «هاتولى ابنى حى أو ميت بس أشوفه وأطمئن عليه ومش معترضة على أمر ربنا». بكت أم أحمد بدموع أغرقت البحر على فلذة كبدها الذى اختطفه القدر فى لحظة، لم تصدق حتى الآن ان هذه الأمواج سرقت نجلها «طبيب المستقبل» الذى كانت دائما تحلم ان تراه يرتدى زى التخرج من كلية الطب ليحقق طموحه الذى عاش طوال حياته القصيرة يؤكد لى اضيع تعبك يا أمى وسوف أصبح أشهر طبيب جراج وكان دائمًا يقول لى أنا بحلم أكون مثل الدكتور «مجدى يعقوب» ولكن شاء القدر ان تبتلعه أمواج فى لحظات. بكت الأم قائلة أحمد لم يمت بكورونا رغم أنه اصيب بالفيروس اللعين من أحد المرضى أثناء تدريبه فى المستشفى وتغلب عليه وشفى منه تمامًا وأصر على العودة لاستكمال تدريبه وأيضًا يحاول علاج مرضى كورونا مجددًا فلم تثنه إصابته عن مواصلة عمله وكان دائمًا يقول لى هذا واجبى يا أمى خدمة المرضى ومساعدتهم. وفى يوم الحادث الأليم أبلغنى أحمد انه سوف يذهب للتنزه قليلا مع أصحابه على شاطئ البحر حتى يرتاح بعض الشىء من ضغط العمل والاطمئنان على أصدقائه الذين لم يرهم منذ شهور منذ ظهور جائحة كورونا.. طلبت منه مراعاة التباعد ولبس الكمامة واستخدام الكحول كلما تطلب الأمر والعودة مبكرًا.. وكان رده لا تقلقى يا أمى.. سأعود مبكرًا وسأحضر لكى البسبوسة التى تحبينها.. أغلقت الهاتف معه.. وانتظرت عودته تأخر فى العودة.. قلبى ينفطر من فرط قلقى عليه ولكنى لم اتصل به حتى لا أسبب له حرجًا بين أصحابه وحدثت نفسى انه سيعود قريبا. انه يعرف انى لا أستطيع الصبر على غيابة وعدت بذاكرتى أقلب فى ذكرياتى مع فلذة كبدى. كم هو حنون طيب مراعى لمشاعرى وأمومتى.. مصر على تحقيق حلمى فى ان يصبح طبيبًا مشهورًا أتفاخر به وأنا فى غمرة ذكرياتى مع طفلى الكبير منذ ولادته سمعت صوت هاتفى أسرعت لأعاتب أحمد على التأخير.. كيف يفعل ذلك بى؟ ولكن الصوت القادم ليس هو انه صوت باكى يبلغنى ان ابن كبدى طبيبى سقط فى البحر أثناء التقاطه صورة سيلفى مع أصدقائه احتفالا بنجاته من فيروس كورونا وانه أقوى من الوباء وإعطاء المصابين أملاً فى الشفاء وجرفه التيار ويبحثون عنه. صرخت لا تقول ابنى سقط فى البحر. ابنى على وشك العودة.. نعم عائد.. جئت إلى هنا إلى حيث يقبع أحمد.. أنتظر خروجه.. أنتظر نظرات الاعتذار عن التأخير.. انتظر ان يكون البحر رحيما بى ويعيده إلى.. كانت كورونا رحيمة بى ونجا منها.. فهل مات أحمد فى مياه البحر.. وبقيت الأم شاردة تنادى فلذة كبدها تأبى أن تترك المكان دون العثور عليه حياً أو ميتاً.