بعد 24 ساعة من الترخيص قانوناً بأول حزب "ذي مرجعية إسلامية" في أكثر بلد عربي يوصف بالعلمانية، سعت حركة النهضة التي تعبر عن إخوان تونس لطمأنة التيارات العلمانية والمدنية بالتأكيد على خطابها الذي صاغه زعيمها د. راشد الغنوشي، أستاذ الفلسفة السابق، في منفاه. بعد حظر امتد ثلاثة عقود، ومع الترخيص، أول مارس الجاري، للنهضة كحزب سياسي تتوخى الحركة نهجا حذرا في الجدل السياسي الدائر، مثل المناقشات التي يشهدها المجلس الأعلى لتحقيق أهداف الثورة الذي يضم هيئات المجتمع المدني وقوى شبابية شاركت في الثورة إلى جانب أحزاب سياسية. لكن صمت الحركة عن بعض القضايا مثل استخدام خطباء سياسيين للمساجد، أثار شكوك أوساط علمانية تشدد على فصل الدين عن السياسة، والتي عبرت عن مخاوفها من "الخوانجية".. وهي التسمية التي يطلقها التونسيون على الإسلاميين أو "الإخوان". لكن الغنوشي، الذي يعد أحد أبرز مفكري جماعة الإخوان عامة، كان حاسما، إذ أصدر بياناً فور الترخيص له بالحزب شدد فيه على ان حركة النهضة "تجدّد تمسّكها بمبادئها المعلنة واحترامها للتنوّع والحق في الاختلاف ورفضها للوصاية علي الإسلام وتمسّكها بالعمل المشترك على قاعدة النّضال لتحقيق الانتقال الديمقراطي وتجسيد مبادئ الثورة (التونسية) وتحقيق مطالبها". بهذه العبارات التي وردت في بيان أصدره راشد الغنوشي زعيم النهضة يوم حصولها من وزارة الداخلية على قرار ترخيص بتأسيس حزب سياسي، طمأنة المتشككين في نوايا حركته. الغنوشي شدد، وفق موقع "دويتشه فيله" الألماني، على أن النهضة تعتبر تركيا "خلاصة ناجحة للجمع بين الإسلام والحداثة"، وأن"المجتمع التونسي يعتبر تركيا مثالاً يقتدى به"، مذكرا بأن تركيا "بدأت في بداية القرن 19 عملية إصلاحات للمواءمة بين الإسلام والحداثة" وأن "حزب العدالة والتنمية (الحاكم في تركيا) ضامن لتواصل هذه الحركة الإصلاحية". رسائل التهدئة التي بعثها قياديو الحركة عبر وسائل الإعلام للمجتمع التونسي، اتفقت مع ما رآه د. أعليّة العلاني أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية من أن النهضة غيرت خلال السنوات الأخيرة "خطابها السياسي بالكامل"، حتى أصبحت "مفردات الديمقراطية والتعددية والتسامح والتعايش مستعملة بكثرة في أدبياتها" مستدلا بكتاب "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" الذي أصدره زعيم النهضة راشد الغنوشي سنة 1993. وفي نفس السياق وصف ماهر تريميش، باحث الاجتماع السياسي، النهضة بأنها "من أكثر الحركات الدينية "تقدّميّة" في تونس مقارنة بتيارات إسلامية أخرى متطرفة مثل حزب التحرير الذي يدعو إلى إقامة دولة خلافة إسلامية. واعتبر الباحث أن فرار عدد من قياديي النهضة إلى أوروبا بداية تسعينيّات القرن الماضي من اضطهاد نظام بن علي و"احتكاكهم بديمقراطيّات الغرب" كان له دور هام في "تطوير قراءة الحركة للنص الديني" و"مراجعة قناعاتها الدينية".