ستون عاما مرت منذ ثورة جيش مصر علي الملك فاروق ووعدها بتحقيق الديمقراطية، تسعة وخمسون عاما بالتمام، وقعت فيها مصر تحت رحي حكم الفرد العاتي، ذاقت فيها مرار الظلم والنهب والسلب، خاصة في نصفها الثاني. حكم فرد دكتاتوري عاتٍ، وزوجة حيزبون، وأولاد أعمي الطمع عيونهم، وحزب عصابة لصوص وبلطجية، كابوس كتم علي أنفاس مصر ثلاثين سنة ولكن إرادة الله، بثورة شبابها وحماية قوات مسلحة شريفة. ركلة واحدة، انجلي الكابوس. بزغ فجر الديمقراطية يشرق علي مصر وتحقق حلم المصريين الأول. فهل يتحقق الحلم الثاني وهو خروج مصر من نكبتها الحضارية وعودتها إلي رونقها وثرائها وكرامتها ومكانتها التي تستحقها بين الدول؟.. تعود مصرنا المحروسة، بلدا جاذبا ليس طاردا مهاجرا إليه وليس منه. وهذا، لا ولن يتحقق إلا بسواعد أبنائها وهم لا يعرفون المستحيل عند الشدائد، تشتعل قلوبهم بحب مصر ويؤمنون بها وبحقوقها عليهم، يوم حاجتها إليهم، وقد حل هذا اليوم بعد إزالة العقبة الأولي في ذلك وهي حكم الفرد المركزي الطبيعة. مشروع قومي حضاري، تتضافر فيه كل القوي الوطنية من جميع طوائف شعب مصر لتحقيق مصر الحديثة، مصر الكبري. يوم تخرج فيه جحافل الشعب المصري، تهاجر من وادي النيل إلي الصحاري والمناطق النائية يعمرها ويسكنها بملايينه الثمانين وتترك الوادي لمن يزرعه، ليطعمهم ويسقيهم ومعهم من يعمل بالسياحة للاستفادة من الثروة العقارية القائمة. هكذا، الشعب ينقذ الوادي من تآكل أرضه الزراعية حتي الضياع. وضياع الأمن الغذائي معه مما يجعلنا نتسول رغيف العيش ونفقد كلمتنا وقيمتنا، فاليد التي لا تزرع قوتها تشحذه واليد التي تمد، تكسر العين. كذلك الشعب ينقذ نفسه من جميع المشاكل والأزمات المزمنة التي يعانيها بسبب التكدس وضيق المكان وضيق السكن وضيق النفس وقلة المجال الحيوي مثل الزحام، الإسكان، المواصلات، التموين، الغلاء، العشوائيات، الفوضي وغيرها من نتائج الكثافة السكانية الرهيبة. بل تصبح زيادة النسل نعمة ومطلبا عندما تكون علي كل مساحة مصر الشاسعة. هذا لا يمكن أن يتحقق إلا تحت نظام حكم محلي كامل شامل لكل إقليم حكم مستقل لا حاجة لسكانه للعاصمة المركزية لقضاء حاجياته وأموره، فمن يسكن العريش أو مرسي مطروح أو واحة باريس لا حاجة له ولا مطلب من القاهرة فكل حاجياته الحياتية بلا استثناء تقضي في عاصمة إقليمه. كما أن تعمير الأقاليم لا يكون بالزراعة، بل بمحاور التنمية الحضارية الحديثة بعيدا عن الصناعات الملوثة والضارة بالبيئة واستخدام الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح وغيرها هكذا نبني مصر العظمي صانعة الحضارات في تنافس حضاري اقتصادي بين الأقاليم. مصر الكبري دولة تتكون من خمسة أقاليم مستقلة إداريا: وادي النيل، سيناء، البحر الأحمر، الشاطئ الشمالي، الصحراء الغربية. لكل إقليم رئاسة ومجلس نيابي وحكومة بالانتخاب العام بين سكان الإقليم تتولي السلطة الإدارية بالكامل للإقليم بصفة مستقلة عن باقي الأقاليم تخضع جميعها لسلطة سياسية عامة مقرها القاهرة العاصمة ويمكن الاستفادة من التجارب القائمة في بعض دول أوروبا. مثل ألمانيا وسويسرا وغيرها مع تغيير نظام رئاسة الدولة. مجلس الرئاسة يكون من رؤساء الأقاليم الخمسة لمدة خمس سنوات، رئاسة المجلس سنة واحدة بالتوالي فيما بينهم، قرارهم بالأغلبية، يمثل مصر أمام العالم، يفصل بين السلطات سلطة الحكم أقل ما يسمح بها في جمهورية برلمانية. بهذا النوع من رئاسة الدولة يكون القضاء التام علي عبادة وثن الحاكم التي غرستها آلاف السنين في قلوب المصريين.