التدبر فى كتاب الله من علامات محبة الله سبحانه وتعالى و هناك خلاف بين العلماء فى الجنة التى أسكن الله آدم فيها، وأخرجه وأخرج إبليس منها، هل هى الجنة التى أعدها الله ثوابا للمؤمنين بعد البعث والحساب ، أو هى جنة فى الدنيا أى بستان من ا لبساتين ؟ جاء فى المواهب اللدنية للقسطلانى وشرحها للزرقانى "ج 1 ص 61 " وفى تفسير القرطبى "ج 1 ص 302" أن جمهور الأشاعره قال : هى جنة الخلد ، بل حكى إجماع أهل السنة عليه ، لأن اللام فى قوله تعالى { ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} الأعراف : 19 هى لام العهد، ولا معهود ولا معروف إذ ذاك غيرها، ولقوله تعالى فى وصفها { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } طه : 118 ،119 وذلك صفة جنة الخلد، ولقوله تعالى : {اهبطوا} والهبوط يكون من علو إلى أسفل ، ولا يستقيم ذلك فى بستان مخلوق على الأرض ، ولأن موسى لما لقى آدم عليهما السلام ، وقال له : "أنت أتعبت ذريتك وأخرجتهم من الجنة، لم ينكر ذلك آدم ، وإنما قال : أتلومنى على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق " الحديث صحيح ، ولو كانت غيرها لرد على موسى . وقيل : هى غير جنة الخلد، حكاه منذر بن سعيد، زاعما كثرة الأدلة عليه ، وحكاه الماوردى وابن عقيل والقرطبى والرمانى وغيرهم . واختلف القائلون به ، فقال بعضهم : هى بستان بأرض عدن ، كما فى القرطبى ، أو بأرض فلسطين ، أو بين فارس وكرمان كما فى البيضاوى . وقال الرازى وابن عقيل : ويحمل هؤلاء الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة ، كما فى قوله تعالى { اهبطوا مصرا} البقرة : 61 . وقيل : هى جنة أخرى كانت فى السماء السابعة، وهو قول أبى هاشم ورواية عن الجبائى . قال ابن عقيل : وهى دعوى بلا دليل ، فلم يثبت أن فى السماء غير بساتين جنة الخلد . وقال هؤلاء : إن جنة الدنيا جعلها الله دار ابتلاء لآدم وحواء ، لأن جنة الخلد إنما يدخل إليها يوم القيامة ، وهذه دخلت قبله ، ولأن جنة الخلد دار ثواب وجزاء وليست دار تكليف وأمر ونهى ، ودار سلامة من الآفات والخوف وليست دار ابتلاء ومحن ، ودار قرار لقوله تعالى { وما هم منها نمخرجين } الحجر: 48 وليست دار انتقال ، و آدم وحواء وإبليس انتقلوا منها . وأجاب القائلون بأنها جنة الخلد بأن الدخول العارض غير الدائم قد يقع قبل يوم القيامة، بدليل أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة الإسراء ثم خرج منها ، وأخبر بما فيها وأنها جنة الخلد حقا ، وبأن ما ذكره أهل الرأى الثانى من أن الجنة لا يوجد فيهما وجده آدم من الحزن والنصب و التعب بانكشاف عورته ومحاولة تغطيتها بورق الجنة إنما هو إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإن نفى ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها . يقول الزرقانى : ليس الرأيان متساويين ، فقد قال القرطبى : هى جنة الخلد ولا التفات إلى ما ذهب إليه المعتزلة والقدرية من أنها جنة دنيوية فى عدن ، وذكر أدلتهم وردها بما يطول . ورجح الرمانى فى تفسيره أنها جنة الخلد أيضا، وقال : هو قول الحسن وعمر وواصل . وعليه أهل التفسير . هذه صورة من الخلاف حول الجنة التى سكنها آدم وخرج منها، وهو أمر لا يجب علينا اعتقاده ، والذى يهمنا هو العمل الصالح حتى نعود إلى الله ويمتعنا بجنة النعيم.