قالت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إنه حينما أراد المفسرون توضيح قول الله تعالى لسيدنا آدم: «اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ» اختلفوا على قولين: أحدهما أنها جنة الخلد، والثاني: أنها جنة أعدها الله تعالى لهما وجعلها ابتلاء وليست هي جنة الخلد التي جعلها دار جزاء. وأوضحت شاهين في تصريح ل«صدى البلد»، أن العلماء اختلفوا أيضا في مكان جنة آدم على قولين، الأول: أنها في السماء لأنه أهبطهما منها وهذا قول الحسن، والثاني: أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار وهذا قول ابن بحر. وأشارت إلى أن هناك قولا ثالثا فقال بعض المتكلمين كان بستانا جعله الله تعالى له امتحانا ولم يكن جنة المآوى ولا جنة الخلد ولكنه بستان يحمل صفات الجنة فوق السماء السابعة، لافتا إلى قول رابع توقف عن أن يتفق مع أى قول ورأى أصحاب القول الرابع: أن الكل ممكن والأدلة متعارضة فوجب التوقف وترك القطع والذى أذهب إليه ما يبدو من قول الله تعالى في سورة البقرة: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}. وكشفت أستاذ العقيدة، عن أن هذا يدل على أن هبوطهم كان من الجنة إلى الأرض من وجهين أحدهما من لفظة اهبطوا فإنه نزول من علو إلى سفل والثاني ولكم في الأرض مستقر عقب قوله اهبطوا فدل على أنهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرض ثم أكد هذا بقوله في سورة الأعراف {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} ولو كانت الجنة في الأرض لكانت حياتهم فيها قبل الإخراج وبعده. وتابعت: قالوا وقد وصف سبحانه جنة آدم بصفات لا تكون إلا في الجنة فقال: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} وهذا لا يكون في الدنيا أصلا فإن الرجل ولو كان أطيب منازلها لا بد أن يعرض له شيء من ذلك وقابل سبحانه بين الجوع والظمأ والعري والضحى فإن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر والظمأ حر الباطن والضحى حر الظاهر فنفى عن سكانها ذل الظاهر والباطن وحر الظاهر والباطن وذلك احسن من المقابلة بين الجوع والعطش والعري والضحى وهذا شأن ساكن الجنة. واستطردت: وقالوا أيضا فلو كانت تلك الجنة في الدنيا لعلم آدم كذب إبليس في قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} فإن آدم كان يعلم أن الدنيا منقضية فانية وأن ملكها يبلى، مضيفة أنهم قالوا أيضا هذه القصة في سورة البقرة ظاهرة جدا في أن الجنة التي أخرج منها فوق السماء فإنه سبحانه قال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} فهذا إهباط آدم وحواء وإبليس من الجنة فلهذا أتى فيه بضمير الجمع ورأت أنها جنة خلقها الله لابتلاء آدم وحواء ليس هو جنة الخلد التى هى دار خلود وجزاء وليست هى جنة المأوى وهذا ليس ببعيد على قدرة الله وعدله وصدقه. ونوهت بأنه حقق فى هذه الآراء كلها وجمعها وجمع أدلة أصحاب كل رأى فيها وما ذهب إليه وكذلك الردود عليه من أصحاب الرأى الثانى ابن قيم الجوزية فى كتابه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) وكتابه (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) وقد نقل كل ما قيل فى المسألة.