«الخط لليد لسان وللخلد ترجمان».. مقولة تراثية عظيمة، فالخط العربى فن جميل ساعدته لغة الضاد بما تتمتع به من مرونة وطواعية وقابلية للمد والاستدارة والتشابك والتداخل والتركيب على حفظه من الاندثار. بدأت مسيرة الخط العربى منذ أربعة عشر قرناً، فقد بدأ بسيطا ونشأ نشأة عادية وبسيطة، ثم تطور مع تطور العلوم وتدوين القرآن الكريم بعد الإسلام، حيث تناوله الخطاطون بالتحسين، وأضفوا عليه من إبداعهم جماليات لم تخطر على بال فنان سابق، لما صبوا فى الحرف العربى من قواعد ثابتة، وأصول يجب على الخطاط أن يلتزم بها ليكون خطاطا، واستطاع الخطاطون العرب ابتكار خطوط جديدة ولدوها من الخطوط القديمة، من خطوط أخرى فتطور الخط وتشعبت أنواعه بعدها. وفى هذا الحوار التقت «الوفد» مع أحد أبرز فنانى الخط العربى وهو الخطاط الكبير مظهر حسين، مسئول فريق «طموح» للكنوز البشرية وهذا نص الحوار معه: بداية ..نود إعطاء نبذة للقراء عن الفنان الخطاط مظهر حسين؟ - أنا من مواليد 1969م بقرية كفر الشرفا التابعة لحى المرج بالقاهرة، حصلت على درجة البكالوريوس فى الزراعة ودبلوم الخط العربى ودبلوم التخصص فى الرسم والتذهيب (بترتيب الأول على القاهرة، السابع على الجمهورية). عضو نقابة الخطاطين، وعضو الجمعية المصرية للخط والزخرفة. وعملت كخطاط حر، وفى المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية، وكذلك فى مشروع حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حتى عام 2010م، كما أعمل مستشارًا للخط العربى بالاتحاد العالمى للمدارس العربية والإسلامية، وموجهًا للخط العربى بإحدى المدارس الخاصة، وأستاذا لخط الرقعة ب(معهد الفنان محمد عبدالقادر للخطوط العربية)، بالإضافة إلى أننى مسئول الخط العربى بفريق طموح للكنوز البشرية، ومؤلف سلسلة (حسن خطك بنفسك - معلم الكتابة) لتحسين الخط العربى التى كتب الله لها الانتشار على مستوى العالم، ما كان دافعًا للكثيرين كى يطلقوا علىّ لقب (رائد تحسين خط الطلبة). هل من الممكن إعطاؤنا نبذة عن نشأة فن الخط العربي؟ - فن الخط العربى من الفنون التراثية العظيمة، وظهر الاهتمام به منذ القرن الأول الهجرى، حينما أرسل سيدنا عثمان بن عفان -رضى الله عنه- المصحف إلى الأمصار، فتفنن الخطاطون وأبدعوا فى كتابة القرآن الكريم، ابتغاء الثواب. متى بدأ اهتمامكم بالخط العربى؟ - بدأ اهتمامى بهذا الفن الأصيل عندما كتب أستاذى فى المرحلة الثانوية نصا شعريا بعنوان (ظلام) للشاعر إبراهيم ناجى بخط الثلث، فجذب انتباهى لروعة وجمال هذا الفن، ثم ازداد تعلقى به على يد عمى حسين قسيط -رحمه الله- الذى شكل ثقافتى ووجدانى وأضاف إلى شخصيتى وعلمنى الكثير، مما ظهر له أعظم الأثر فى حياتى فيما بعد. ما أهم مدارس الخط العربى التى تنتمى إليها؟ - لكل مدرسة جمالها ورونقها وأسلوبها، فالمدرسة التركية -وعلى رأسها الأستاذان الكبيران: محمد شوقى وعزت أفندي- تعلمت منها الكثير فى النسخ والثلث والرقعة، والمدرسة البغدادية مازالت تنجب الأفذاذ، وقد تعلمت من الأستاذ هاشم البغدادى الكثير، وكذلك المدرسة الشامية والمصرية التى أحب فيها الديوانى الغزلانى، والذى طوره وأضاف إليه الأستاذ محمد عبدالقادر -رحمه الله-، فأصبح مشهورًا بالديوانى المصرى. مَن قدوتك من الخطاطين الكبار؟ - بلا جدال قدوتى الأستاذ الكبير خضير البورسعيدى الذى أضع كتاباته ذات الروح العالية نصب عينى، خاصة كتاباته التلفزيونية المشهورة فى البرامج المختلفة، كالعلم والإيمان وخواطر الشيخ الشعراوى.. إلخ، فكنت أنتظر هذه البرامج، حتى أمتع عينى بهذه الخطوط الرائعة. ما أبرز المعوقات التى تواجه فنانى الخط العربى من وجهة نظركم؟ - عدم إقامة ملتقيات ومسابقات تنظمها الدولة وينفق عليها رجال الأعمال كما فى الفنون الأخرى، فهناك مهرجان الموسيقى ومهرجان القاهرة السينمائي... إلخ، وهى تستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام باختلاف أنواعها، المقروءة والمسموعة والمرئية، فمتى نجد هذا الاهتمام الكبير بفن تراثى عظيم كالخط العربى؟! هل ترى أن الخط العربى أخذ حقه من الاهتمام مثل بقية الفنون؟ - للأسف لا، فأتمنى أن تكون لدينا قنوات وبرامج تلفزيونية للخط العربى، وفى الوقت الذى تخصص فيه قنوات كثيرة للطبخ ألا يمكننا تخصيص قناة واحدة -لا أقول عدة قنوات- للخط العربى برعاية الدولة؟!! ما أبرز الجوائز التى حصلت عليها فى مجال الخط العربي؟ - تم تكريمى من نقابة الخطاطين ونقيبها الأستاذ/ خضير البورسعيدى، وكذلك من عدة مدارس ومعاهد، لكن الجائزة الكبرى التى حصلت عليها هى حب الناس، حيث أهتم بتعليم الأطفال الخط العربي. ما أهم مقترحاتكم لتطوير فن الخط العربى؟ - إعداد مناهج لجميع المراحل التعليمية، بدلاً من المناهج الرديئة الموجودة حاليا، وأقترح أن يتم هذا الأمر فى صورة مسابقة بين الخطاطين، مع التشجيع المادى والمعنوى لمن يخرج أفضل عمل يمكن تدريسه لأبنائنا، وقد أكرمنى الله بوضع عدة مناهج تعليمية للخط العربى فى عدة مدارس بمصر، وقمت بتأليف كتب كثيرة فى هذا المجال. هل ترى فارقا بين خط اليد وخطوط الحاسب الآلي؟ - طبعاً، هناك فارق كبير جدا يتمثل فى الروح والحياة المصاحبة للخط اليدوى، ولا شك أن خطوط الحاسب الآلى تفتقد كثيراً منها. حدثنا عن أهم المبادرات التى تقودها الآن لتحسين خط الناشئة. - بفضل الله تعالى دشنت مبادرة (تحسين خط المجتمع) فى 2017م، وقد نالت -بحمد الله- القبول، وتخرج على يدى عدد كبير شمل جميع فئات المجتمع، الطلبة والخريجين وأولياء الأمور والموظفين والمعلمين... إلخ، بل تخطت هذه المبادرة كل الحواجز لتشمل الأطباء والمهندسين أيضاً، ما كان له أثر عظيم فى نفسى، وأعطانى باقة أمل فى غد أفضل لفن الخط العربى ومحبيه ودارسيه. كما تمت إقامة دورات تدريبية متعددة بكثير من المدارس الخاصة والحضانات ودور تحفيظ القرآن الكريم. بالإضافة إلى إقامة عدة معارض للأطفال ببيت السحيمى بالقاهرة ومكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، تشجيعا لهم. أما الآن فقد دشنت مبادرة (الزم بيتك وحسن خطك)، من خلال فيديوهات تعليمية مبسطة على اليوتيوب، وقد من الله على بأنها لاقت قبولاً مؤثرًا واستجابة واسعة واستحساناً كبيرًا من قبل محبى الخط العربى. هل هناك علاقة بين الاهتمام بالخط العربى وتحقيق الإبداع والتميز؟ - نعم، لأن تعلم الخط العربى يربى كثيراً من القدرات والمهارات، ومنها الانتباه الجيد وحسن الملاحظة ودقة الحكم على الأشياء، كذلك فإنه ينمى القدرة على النقد والتذوق الفنى، بالإضافة إلى أنه يكسب صاحبه عدداً من المهارات اليدوية، وكثيراً من العادات ومكارم الأخلاق، كالنظام والترتيب والصبر، وكما قالوا: «الخط الحسن للفتى جمال، وللفقير مال، وللأمير كمال». ما أمنياتك التى تود أن تتحقق لفن الخط العربى؟ - أن تتم الاستعانة -فى يوم من الأيام- بخريجى معاهد الخطوط، كى يقوموا بتعليم الخط العربى للطلاب فى المدارس، أو إقامة دورات لمعلمى اللغة العربية، تأهيلاً لهم للقيام بهذا الأمر على الوجه الصحيح، كما أتمنى إعداد مناهج تعليمية تليق بمكانة مصر التى خرجت المبدعين فى شتى المجالات، ما يحافظ على تراثنا وهويتنا.