«الفيروس بالنسبة لنا حرب، ونخوضها بكامل إرادتنا وبكل قوة».. كانت هذه أول كلمات للدكتور محمد محمود يوسف، طبيب مقيم جراحة التجميل والحروق بمستشفى إسنا التخصصى، المخصص للحجر الصحى لمصابى كورونا، والذى طلب أن يُدرج ضمن أول فريق تصدى لمواجهة الفيروس بالمستشفى، معللًا اختياره أن يُكمل العزل للفترة التالية لخدمة المصابين بوحدات الرعاية المركزة وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم. الطبيب المتطوع بالحجر الصحى كان أول من استقبل أول حالة إصابة بفيروس كورونا، التى وطئت أقدامها المستشفى فى منتصف شهر مارس الماضى بمجرد تخصيص مستشفى إسنا للحجر الصحى لمصابى الفيروس، ورغم أنه لم يكن عمله مختصًا بالطوارئ، إلا أنه آثر استقبال هو الحالة طالبًا من د. إلهام محمد مدير مكافحة العدوى حينها توجيهه وإرشاده خلال نقل الحالة. يقول يوسف: أن أول حالة إيجابية للفيروس كانت لأمريكية، استأذنت من الدكتورة إلهام مسئول مكافحة العدوى، وتابعتنى للحفاظ على إجراءات الوقاية السليمة، رحبنا بالمصابة وطمأناها لكونها كانت غير مستقرة حالتها، وتم تسجيل تاريخها ثم وضعت بالعناية المركزة، وتعامل الدكتور شريف موسى مع الحالة طبيًا، وبدأت رحلتها مع العلاج. عُرف الدكتور محمد محمود بين رفاقه والطاقم الطبى بالمستشفى بالطبيب المترجم أو المرشد، نظرًا لكونه أول من استقبل مصابى فيروس كورونا من جنسيات أجنبية مختلفة كطبيب بالرعاية المركزة بالحجر الصحى، وعلى رأسهم مسنون إيطاليون فكانت البداية ليبذل جهده على ناحيتين؛ هما تقديم الرعاية والاجتهاد فى التو اصل مع المصابين الذين لم يتقنوا لغة تواصل سوى لغة بلادهم. روح الإرادة التى سيطرت على طبيب جراحة التجميل وزملائه من فريق العزل جعلته لم يستسلم أمام تحديات أول يوم عزل لمسنين طليان وصلوا من مرسى علم والغردقة إلى الحجر الصحى بإسنا، فالفريق المصرى لا يوجد بينهم من يتحدث الإيطالية، والمصابون الطليان لم يدركوا حتى الإنجليزية للتواصل مع المصريين، فما كان من الدكتور محمد محمود والذى عرف بالطبيب المترجم إلا أن يتحايل على الوضع بالرسم والإشارة. يضيف: «استقبلنا فى اليوم الأول من الحجر الصحى، 8 حالات إصابة بالفيروس لإيطاليين مسنين إلى جانب الأمريكية، فكان علينا قبل وضع بروتوكول العلاج للمريض، الاستفسار عما إذا كان يعانى من أمراض مزمنة أو خضع لعمليات جراحية فى وقت سابق، أو إذا كان المصاب يتناول أدوية بعينها، لوضع ذلك بالحسبان ووصف العلاج بما يتوافق مع وضعه الصحى الحالى للسيطرة على المرض الأساسى الذى يعانيه من جهة حفاظًا على مناعته، وللسيطرة على الفيروس من جهة أخرى». ويتابع: افتقدنا فى البداية لفهم التواصل الجيد نظرًا لاختلاف اللغة ولعدم تحدثهم الإنجليزية، لكن كان لزامًا أن نتغلب على هذا العائق بشكل سريع. رسمت كبسولة وحقنا فتجاوب المسنون الطليان معى وقاموا بإخراج الأدوية التى يتناولونها من حقائبهم لتساعدنا على فهم الحالة الصحية لكل مصاب منهم، ومن هنا بدأنا فى تطبيق البروتوكول العلاجى طبقًا لكل حالة.. يصف الطبيب بداية الصعوبات التى تغلبوا عليها فى اليوم الأول. روح التعاون بين الفريق الطبى وبمتابعة الدكتور شريف موسى مدير العناية المركزة بالمستشفى ساعدتنا فى النجاح بمراحل تعافى المرضى وحتى خروجهم من الحجر الصحى، كما أن روح الود التى وجدها الإيطاليون مع الفريق الطبى كانت أحد أسباب استجابتهم السريعة للعلاج لكونهم فى دولة أخرى غير دولتهم. فترات الراحة استغلها الطبيب محمد محمود يوسف، فى تقديم الرعاية الطبية للمرضى الأجانب الذين كانوا أول من وصلوا الحجر الصحى بالكورونا. يستكمل د. محمد حديثه ل«الوفد»: «استعنت بالإنترنت لترجمة الكلمات الهامة المقرر استخدامها فى التواصل مع المصابين الإيطاليين، وقمت بتدوينها فى 4 ورقات تضم الأساسيات اليومية التى يحتاجونها لأغراض الطعام والمعيشة، وأخرى طبية تُسهل على الفريق المسئول عن رعايتهم التواصل الفعال، واستمر هذا الوضع على مدار أيام متواصلة». الاهتمام الذى وجده الأجانب من سعينا لمحاولة فهمهم والتواصل معهم، جعلهم يشعرون بالألفة داخل المستشفى ورغم كبر أعمارهم إلا أنهم تجاوبوا مع العلاج وتعافوا من الفيروس وغادروا لبلادهم متعافين تمامًا، هكذا يرى طبيب الحجر الصحى بإسنا. يبدو أن ما يحاربه الأطباء ليس فقط الفيروس، بل تراجع الحالة النفسية التى تسيطر على المصاب مع بداية دخوله مستشفى الحجر الصحي؛ يقف حجر عثرة يستلزم من الأطباء الوقوف فى المواجهة على مسافة واحدة من المرض والحالة السيئة للمريض كذلك. «أصعب ما نواجهه هو تراجع الحالة النفسية للمصاب وسيطرة روح اليأس عليهم طبقًا لحالة الفزع عن صورة الفيروس المتجسد بأذهانهم، وهو ما يحتم علينا محاربته أولًا بأول بدعم المرضى بطاقة إيجابية تساعدهم على المقاومة»، هكذا علق د. محمد محمود على التحديات التى تواجههم داخل العزل خلال تعاملهم مع مصابى فيروس كورونا، عاكسًا الصورة الذهنية عن الفيروس لدى نسبة كبيرة من المصابين، وطريقة تعاملهم كطاقم طبى مع مثل هذه الحالات، موضحًا أن بعض من المصابين كانوا يتمتعون بمناعة قوية ضد الإحباط وهم قلة قليلة إلا أن ذلك كان عاملًا مساعدًا لدى الاطباء فى متابعة الحالة ومدى استجابتها واكتساب مناعة ضد الفيروس بشكل أسرع وأقوى. عدد من الأجانب الذين تعافوا من الفيروس وغادروا لبلادهم أرسلوا رسالات شكر للفريق الطبى بإسنا، يقولها د. محمد محمود مؤكدًا بها أن ما يحدث الآن هو تأكيد أن الطبيب المصرى جدير بالثقة، قد تنقصنا الإمكانيات، لكن عقول أطباء مصر جديرة بالاحترام، موجها كل شكره لوالدته الذى فقدها منذ شهور قليلة: تعبت لأجلى كثيرًا كنت أتمنى أن تشهد مثل هذه اللحظات. واستدل طبيب جراحة التجميل بقول الطبيب الإيطالى، ديفيد ماجد طبيب صحة عامة إيطالى، يتحدث العربية، والذى تواصل مع طاقم العمل بالمستشفى لاستكمال باقى أيام العلاج، بقوله: بدأتم فى مصر إجراءات الوقاية مبكرا قبل إيطاليا وهذا سبب الكارثة فى إيطاليا، موجهًا محمود شكره للطبيب الإيطالى لمساعدتهم خلال تلقى المرضى علاجهم بالمستشفى.