كل أعداء مصر في الخارج ضعاف رغم قوتهم إذا ما قورنوا بأعدائها في الداخل ... كلهم قلة مهما بلغ عددهم إذا ما أحصي عددهم وقورن بأعدائها في الداخل كذلك . كما أن آثامهم وأخطاءهم سوف تبدو ضعيفة القيمة محدودة التأثير أمام أخطار وآثام من في الداخل أيضا . . فمن هم أعداء الداخل إذن ؟ والجواب سهل . إنهم أبناؤها المنخرطون - تنظيمياً أو عشوائياً – في خلايا الشر ودوائر الفساد معلنا كان أم غير معلن وأولهم هذه الجماعات المتفاقمة من المجهولين أو المغمورين الذين قذفت بهم ثورة يناير العظيمة إلى حياتنا، وكأنهم زبد البحر فانتهزوا الفرصة وأصبحوا محترفين للسياسة يبيعونها – أو بالأحرى يبيعوننا - في كل مناسبة ؛ ويتقاضون علينا أمام أي ميكروفون ؛ ويتاجرون بهمومنا أمام أية كاميرا ؛ ويزايدون عليها في أية قناة تلفزيونية ؛ ويفضحوننا في أي اجتماع أو مؤتمر داخلي أو خارجي يظهرون أنفسهم فيه وكأنها واجباتهم اليومية التي يتغذون عليها ومصادر أرزاقهم التي يتكسبون منها مهما أوجعونا وآلمونا وأهانونا بالتحليلات المضللة والأحاديث المستفزة أو المحرضة ؛ والكتابات المتربصة التي تعمى عن أن ترى إنجازا أو تعترف بتغيير أو تطوير أو تقدم . وهم أيضا المسئولون عن المنابر الإعلامية الخاصة والصحف التي لا تبرز سوى من يدافع عن مصالحها ولا تقدم غير من يتبنى وجهة نظر أصحابها أو القائمين عليها، حتى ولو أحدث ذلك هيجانا في الشارع أو اضطرابا أو تسريبا لشائعة أو نشرا لفوضى . فإذا كان لدى أولئك عذرهم « غير المقبول بالطبع» في أنهم يدافعون عن تلك المصالح وأن ذلك أمر بديهي ومنطقي، رغم كونه لا يصب في مصلحة الوطن ولا يدعم أمنه أو استقراره ؛ كان الذنب أفدح إذا ما حدث وتكرر حدوثه في تلفزيون الشعب وعلى منابر المواطنين - المسماة بالحكومية – حيث تجري إعادة غسيل وتقديم كثير من وجوه العهد البائد القديمة الفاسدة . وحيث يتم تركها – عن جهل أو عن تعمد – تبثّ سموم التشكيك - الماهر المدرب المستتر أو الفاضح المكشوف دونما خشية أو حرج - في جدوى الثورة ومستقبل الوطن بعدها وما آلت إليه أحوال الأمن والسياحة والغاز والدعم على سبيل المثال مقارنة بما كانت عليه من قبلها . كذلك هم المسئولون الذين يصرون على مواصلة انتقاء خلفائهم وتابعيهم من الذين ليست لهم أية كفاءة سوى معرفة و إجادة أصول الخدمة وفنون التبعية والنفاق، كما أجادوها . رغم تأكدهم من أنهم كما باعوا أنفسهم لهم اليوم سوف يبيعونها – مثلهم تماما - لسادة الغد تربصا وانتظارا ليومهم الموعود حين يأتي دورهم فيتربعون على مقاعد السيادة فيديرون شئون البلاد والعباد كما أداروها بغير نزاهة ودونما عدل ودونما ضمير ! وهم أيضا أساتذة الجامعات من أباطرة الكتب المسروقة والأبحاث المنقولة والدروس الخصوصية والابتزاز بكل أنواعه خلقيا كان أم ماديا ! ذلك لأنهم جميعا حصاد هبوط معيار القيمة وغياب القدوة وانعدام الشرف . مثلما هم إفراز بيئات يصدق عليها القول الحكيم « لا تؤتوا أولاد السفلة العلم ؛ فإن علمتوهم فلا تولوهم». والذي هو قول صدق لو حللناه وتفهمنا مغزاه فعلا . لأن التعليم في حد ذاته عمل إيجابي غالبا ما يسفر في مجمل ثماره المتوقعة عن ناتج إيجابي كذلك . وهو مفيد لصاحبه – قبل غيره – مبدئيا وفي الدرجة الأولى . أما الولاية أو تعليق مصالح الخلق في أيديهم – وهم أبناء السفلة – فعائدها متوقع كذلك – بل ومؤكد بالقطع – لم تسفر التجربة عن غيره من الظلم والفساد والحقد وكل ما يفقس من شرور وآثام في غيبة من الضمير الذي هو نتاج «حسن التربية» وطيب الأصل والمنشأ كذلك دونما اعتبار لفقر أو غنى ذلك، لأنه مرتبط بالخلق مؤسس على القيمة مدعم بالدين والمعرفة الحقة والعلم الحقيقي الذي تعلمه «البيوت» ولم تعد تدرّسه المدارس أو تلقنه الجامعات . وهم كذلك رجال الأعمال والتجار الجشعون من مستغلي الأزمات كبارا وصغارا : أصحاب المحطات الذين يهربون البنزين والسولار وأنابيب الغاز كي تجد طريقها في السوق السوداء قهرا للمواطنين البسطاء ومحدودي الدخل وتحديا للسلطات ووطئا للقوانين . كما أنهم أولئك المترفون الغارقون في حفلات الاستهتار ومناسبات البهجة الحلال والحرام المصورة والمنشورة التي يهدرون فيها الملايين في أعراسهم التي ستهدي مصر ورثة من أمثالهم؛ وأعياد ميلادهم التي تطمئننا على صحتهم ودوام بقائهم واستغلالهم وسرقاتهم وتحكمهم . والتي تفرد لها صحف تسمي نفسها «معارضة» مساحات رحبة مدفوعة الثمن بالطبع في تحدٍّ سافر للبسطاء الذين يدفعون ثمنها متلهفين أن تطمئنهم بأخبار مؤكدة عن بقاء دعم خبزهم وزيتهم وسكرهم وغازهم وتعليم أولادهم! وهم بعض منتجي الفن وفنانيه المليونيرات الذين يعيشون بمعزل عن أحلام الناس فيصورون لهم حياة رغدة محرمة عليهم وخطايا فاحشة لم يرتكبوها . كما يعذبونهم بأحزان وهمية زيادة على أحزانهم ؛ ويفرحونهم بروائح طعام لم يتذوقوه ؛ ويهيجون مخيلاتهم بمتع ربما تسعدهم بها الأحلام في مضاجعهم البائسة. وهم كذلك المسئولون الذين يبددون أكثر من نصف وقتهم «الثمين» في افتتاح المهرجانات ومصافحة الفنانين والفنانات ومتابعة صورهم وأخبارهم في الصحف والتلفزيونات، رغم امتداد حالة الحزن على شهداء الشرطة ورغم دماء الشهداء التي جفت وتحجرت معها دموع ذويهم قبل أن يؤخذ بثأرهم أو يحصلوا على ما يستحقونه من تعويضات لا تساوي نظرة في عيونهم . وأخيراً – وليس آخراً – هم المتنطعون في الدين والمتاجرون به . وهم المتعصبون والمتزمتون والمكرِّهون الناس في حياتهم والمحرمون عليهم ما أحل الله . مثلما هم المنحرفون المستهترون بالقيم الداعون – في تزمت مقابل وتعصب مضاد – إلى التحلل والتسيب من الذين تصيبهم كلمات «الدين» .. أي دين « بالارتكاريا . والفضيلة بالهوس ..والأخلاق بالجنون، فيصورون ذلك كله على أنه تخلف وأنه رجعية وارتداد. ولا تزال هناك بقية في قائمة الأعداء يأتي ذكرها بعد حين .