الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني يعتبر نتائج الانتخابات المحلية ليست كارثية    النجوم يتوافدون على السجادة الحمراء لحفل جوائز إيمي ال 77    والتن جوجينز يتألق بقلادة خضراء فاخرة على سجادة حفل إيمي 2025    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    الحوثيون: هاجمنا مطار رامون في إيلات وهدف عسكري في النقب بأربع طائرات مسيرة    تفاصيل جديدة عن حياة المتهم بقتل الناشط الأمريكي تشارلي كيرك    خبير سياسي: القمة العربية الإسلامية رسالة بوحدة العرب في مواجهة عربدة إسرائيل    وزير الخارجية الألماني يقترح إرسال منظومات دفاعية إلى الجناح الشرقي للناتو    استئناف محاكمة عنصر إخواني بتهمة التجمهر في عين شمس| اليوم    غلق 34 منشأة طبية خاصة وإنذر ل 42 آخرين وتحرير 5 محاضر بالبحيرة    المنيا تنظر أولى جلسات محاكمة المتهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 15 سبتمبر    أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025    توقعات الأبراج اليوم الاثنين 15-9-2025.. حظك اليوم برج السرطان: أمامك فرص لتحسين وضعك المالي    94.2 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات بداية الأسبوع    عمرو أديب: صندوق النقد يفرض وصفة "صعبة المذاق" على مصر بشروط جديدة    ترامب: فنزويلا تُرسل لنا مخدرات وعصابات وهذا غير مقبول    القانون يضع شروط لترقية الموظف في قانون التعليم.. تعرف عليها    "عم عموم الناس".. عصام الحضري يرد على إشادة محمد أبو تريكة به    أشخاص يحق لهم إدخال المريض النفسي المصحة إلزاميًا.. تعرف عليهم    ألبوم "KPop Demon Hunters" يتصدر قائمة بيلبورد 200 للمرة الأولى منذ "Encanto"    ميج ستالتر تظهر ببنطال جينز على السجادة الحمراء لحفل إيمي (فيديو)    آمال ماهر: محبة الناس وصلتني لما قالوا عليا صوت مصر    برشلونة يدهس فالنسيا بسداسية تاريخية في الدورى الإسباني    كأس الإنتركونتيننتال.. موعد مباراة بيراميدز وأهلي جدة السعودي    مجموعة الصعيد.. نجوم مصر يواجه المنيا والبداري يلتقي الألومنيوم بالقسم الثاني «ب»    «لا يستحقون الفانلة الحمراء».. مجدي الجلاد ينتقد لاعبي الأهلي برسائل لاذعة    مصدر يكشف حقيقة إشارة تريزيجيه لجمهور الأهلى ب"الصمت"    5 مصريين يتأهلون لربع نهائى بطولة مصر المفتوحة للاسكواش    الجيزة تُعلن إعادة تشغيل مدينة الطلبة بإمبابة لاستقبالهم للعام الجامعي المقبل    مدير تعليم القاهرة: لا تهاون في الصيانة واستعداد كامل لاستقبال الطلاب    رسميًا بعد الارتفاع الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 15 سبتمبر 2025    سعر الطماطم والبطاطس والخضار في الأسواق اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2025    بالأسماء.. إصابة 4 من أسرة واحدة في البحيرة بعد تناول وجبة مسمومة    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    السيطرة على حريق داخل دار رعاية لذوي الاحتياجات الخاصة بأكتوبر دون إصابات    الشاشة وقوة البطارية والإمكانات.. مقارنة بين «آيفون 17 برو ماكس» و«سامسونج جالاكسي S25 ألترا»    ب50 ألف جنيه رسميًا.. آخر موعد حجز شقق الإسكان الاجتماعي 2025 لمحدودي الدخل    تظاهرات حاشدة من أجل فلسطين تربك مدريد وتغضب تل أبيب    الرئيس الأوكراني: قمة ترامب مع بوتين أضعفت العقوبات على روسيا    (حماس) توجّه رسالة مفتوحة إلى قمة الدوحة .. ماذا لو شارك أحد قادتها فعاليات الاجتماع الرئيسي؟!    الذهب الأبيض.. انطلاق حصاد القطن بالقنطرة شرق بالإسماعيلية    منتخب مصر تحت 20 عامًا يبدأ تدريباته في تشيلي استعدادًا ل كأس العالم    «تركيز الناس قل».. حمزة نمرة يكشف أسباب طرحه ألبوم «بالتقسيط» (فيديو)    ريهام عبدالغفور في أحضان والدها بمساعدة الذكاء الاصطناعي    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيامه وعيد الفطر المبارك    لا تقترب من السكر والكربوهيدرات المكررة.. 5 أطعمة تساعدك على التخلص من ترهل الذراعين    إليك هم النصائح لنوم منتظم يساعد الأطفال على الاستيقاظ بنشاط وحيوية    كيف يؤثر داء السكري من النوع الثاني على الكبد؟    ما حكم عمل المقالب في الناس؟.. أمين الفتوى يجيب    5 مشروبات دافئة تقوي المناعة وتخفف أعراض البرد    شركة مياه الشرب تعلن عن وظائف جديدة بمحافظات القناة    تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 284 ألف مواطن ضمن "100 يوم صحة" بالمنيا    جامعة قناة السويس تُكرم فريق المتطوعين بمركز خدمات الطلاب ذوي الإعاقة    الصحة: إيفاد كوادر تمريضية لليابان للتدريب على أحدث الأساليب في التمريض    هل يجوز أن أنهى مُصليًا عَن الكلام أثناء الخُطبة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    «الإفتاء» تواصل عقد مجالسها الإفتائية في المحافظات حول «صلاة الجماعة.. فضائل وأحكام»    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين ظاهر الإنسان وباطنه‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 12 - 2010

ما من آدمي إلا وله ظاهر وباطن‏,‏ الفارق بينهما أن الظاهر هو الجانب المعلن الذي لا يخفيه أو لا يسعي لإخفائه‏,‏ وقد يميل إن لم يحرص علي كشفه وإبرازه‏, لأنه إن شئت الجانب الطيب الخصب الطاهر النظيف المستقيم الخير المشرق المعطاء الصادق السليم الوضاء‏,‏ وليس هذا هو علي الدوام حال الباطن‏,‏ أو حال المخبوء المستور الذي يحرص الآدمي علي حجبه وستره وإخفائه عن عيون النفس‏,‏ وقد يتجاهله ليستره حتي عن عيون نفسه حتي لا يزعجها بما يكدر صفو الجانب الطيب الذي يريحه أن يطمئن إليه وأن يجعله ظاهرا للناس إن لم يحرص علي إبرازه وربما المباهاة به‏!‏
وكلما اقترب الباطن من الظاهر‏,‏ دل ذلك علي السواء وعلي تصالح الإنسان مع نفسه‏,‏ وثقته في نظافة وطهارة وصدق ما يضمره مثل ما يظهره‏..‏ فهو قد يخفي الخير أو الصدقة أو المعروف سترا لأمرها أن يكون مباهاة أو استعراضا أو كشفا لما ينبغي ستره من احتياج الآخرين الي ما يقدمه لهم‏..‏ وقد يواريه إمعانا في التواضع والزهد والإخبات‏,‏ بيد أن الباطن المخبوء أو المحروص علي إخفائه‏,‏ ليس لدي كل الآدميين أو في كل الأحوال كشأن الظاهر في السواء والنظافة والاستقامة‏,‏ فقد يحتوي الباطن علي نقائص ونقائض مشوبة بالشر والخبث والضعة والخيانة والأنانية والأثرة وسوء الطبع والالتواء والحقارة وشهوة الإيذاء وحب الشماتة والرغبة وربما الفرح لما يصيب الآخرين أو يضنيهم أو يعريهم أو يكدرهم‏..‏ وقد يصيب الباطن كثيرا أو قليلا من هذه الاسقام‏,‏ وهي أسقام لا يقبل العاقل علي إظهارها إلا ان يفلت منه ظهور أو انكشاف بعضها للحمق أو قلة الحرص أو لضغط الظروف التي تجبر أحيانا علي كشف المستور‏..‏ وهذا المستور له في الغالب رصيد من الهفوات أو الزلات أو الآثام والخطايا التي يحرص المقارف لها علي الاستتار بها وتجنب افتضاحها‏!!‏
من الأدعية المأثورة‏,‏ طلب الستر في الدنيا والآخرة‏,‏ الستر في الآخرة امر غايته معروفة‏,‏ هي طلب الرحمة والمغفرة وتجنب أو تخفيف العذاب‏,‏ أما الستر في الدنيا فهو بطلب حجب واحتجاب مالا يحب الإنسان ان يظهر من أمر ما فرط منه وزل فيه ومن أمر ما طوي عليه باطنه من نقائص ونقائض ومخبوءات كريهة بذل جهده وحرص الحرص كله علي إخفائها ويخيفه أن ينكشف سترها ويفتضح أمرها فينال من نظرة الناس إليه ورأيهم فيه ما يصغر من شأنه ويجرح صفحته وصورته وكبرياءه ومكانته‏!‏
لقد أخبرنا القرآن الحكيم أن الإنسان مفطور علي الخير وعلي الشر‏,‏ فقيل في الذكر الحكيم‏:‏ ونفس وما سواها‏.‏ فألهمها فجورها وتقواها‏(‏ الشمس‏7.8),‏ وقال عز من قائل‏:‏ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم‏.‏ ثم رددناه أسفل سافلين‏(‏ التين‏4.5),..‏ وهو غير ذلك علي أحوال‏,‏ قد يغلب فيها الجحود والجزع والنكران‏,‏ علي العرفان والتطامن والشكر والحمد علي ما شمله من نعم‏,‏ أو علي الصبر علي ما أصابه من ضر‏!‏
عن هذه الأحوال التي تعتري الانسان‏,‏ وتراوده بين العرفان والجحود‏,‏ أو بين الشكر والإنكار‏,‏ أو بين الصدق والانتهازية‏,‏ تحدث القرآن الحكيم‏..‏ فالله جل شأنه يعلم من أمر كل إنسان ما يظهره ويبديه‏,‏ وما يسره ويبطنه ويخفيه‏..‏ ويخبر القرآن الحكيم عما يتداول عليه من أحوال حتي مع خالقه عز وجل‏..‏ فمن الناس من ينكر حتي نعمة الله عليه‏,‏ وفيهم تقول الآية‏38‏ من سورة النحل‏:‏ يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون‏..‏ وهم في ذلك علي أحوال وصفها القرآن المجيد فقال‏:‏ وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون‏.‏ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون‏(‏ النحل‏45,35)..‏ وفي سورة يونس‏:‏ وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلي ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون‏(‏ يونس‏21)..‏ وفي التأرجح في استقبال ما يلاقيه الإنسان من خير أو شر‏,‏ جاء بسورة المعارج‏:‏ إن الإنسان خلق هلوعا‏.‏ إذا مسه الشر جزوعا‏.‏ وإذا مسه الخير منوعا‏.‏ إلا المصلين‏.‏ الذين هم علي صلاتهم دائمون‏.‏ والذين في أموالهم حق معلوم‏.‏ للسائل والمحروم‏.‏ والذين يصدقون بيوم الدين‏(‏ المعارج‏91‏ 62)..‏ وجاء بالآيتين‏94.05‏ من سورة فصلت‏..‏ لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط‏.‏ ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة‏..‏ ثم تقول الآية التالية‏:‏ وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض‏(‏ فصلت‏15)..‏ وجاء بسورة الإسراء‏:‏ وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا‏(‏ الإسراء‏38)..‏ وجاء بسورة الروم‏:‏ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون‏(‏ الآية‏33)..‏ وتصور سورة يونس هذا الجحود والعناد والنكران‏,‏ فتقول‏:‏ وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا‏...(‏ يونس‏12)..‏ هذا المكر والجحود والعناد ليس حال الظاهر والباطن حين تلم النوازل أو البلايا‏..‏ فجاء في سورة الزمر‏:‏ وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل‏...(‏ الزمر‏8)..‏ وتعاود الآية‏94‏ من نفس سورة الزمر تعاود التذكير بهذا التأرجح بين العرفان والجحود فتقول‏:‏ فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته علي علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون‏(‏ الزمر‏94).‏
هذه الآفات التي تتراوح بين الهلع والجزع والجحود والنكران‏,‏ موجودة ايضا في صلات وتعاملات الناس بعضهم ببعض‏,‏ وهي في الغالب الأعم مستورة مخفاة في دهاليز الباطن‏,‏ وقد تظهر عفوا أو حمقا أو اغترارا‏!‏ واتساع الفارق بين الظاهر والباطن‏,‏ آية خلل‏,‏ ولكنه يقبل الرتق بل الإصلاح‏,‏ وقد رأينا القرآن المجيد في سورة المعارج‏.‏ يستثني المصلين المداومين علي الصلوات الذين يجعلون في أموالهم حقوقا للسائلين والمحرومين ويصدقون بيوم الدين‏.‏ ونري في القرآن أنه قد وصف بالبر والتقوي‏,‏ الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس‏,‏ الذين ينفقون في المعروف في البأساء والضراء‏,‏ فجاء بالآية‏771‏ من سورة البقرة في وصف البر والأبرار‏:‏ والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون‏,‏ وجاء بالآية‏431‏ من سورة آل عمران في وصف المتقين الموعودين أنهم الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين‏.‏
والسوي هو الذي يثري ما فيه من الخير وحبه‏,‏ ويقاوم ويجأ مايلم به من الشر وإيثاره‏..‏ والصراع بين الخير والشر كما هو دائر في الدنيا‏,‏ فإنه ناشب في نفس الإنسان‏,‏ يتأسي السوي بما عليه الملائكة من خير محض‏,‏ وبما فطر عليه الرسل والأنبياء والصديقون‏,‏ وبما ترتاح وتطمئن إليه النفس‏..‏ ففي الحديث أن الخير ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب‏,‏ وأن الإثم هو ما حاك في الصدر وكره الانسان أن يطلع عليه الناس‏,‏ وإن أفتاه الناس وأفتوه‏!‏
وطلب الستر في الدنيا علامة صحة‏,‏ لأن الموغل في الشر المطبوع عليه المحب له الراغب فيه‏,‏ لايعنيه ستره‏,‏ وهو إن أخفاه فلتجنب العقوبة أو الجزاء‏!..‏ والصحيح السوي هو الذي يأمل الستر لا طلبا للاستمرار فيما طوي عليه باطنه من نقائص‏,‏ وإنما أملا في إصلاح الفاسد المعطوب فيه‏,‏ وتهذيب ما انفلت منه أو ساء من طباعه‏,‏ والتصالح مع السواء ومع نفسه ليكون علي ما ترضاه النفس السوية ويقره الدين والقيم والأخلاق‏!‏
علي أن الأكثرية الغالبة لا تفطن إلي هذه المفارقات بين الظاهر والباطن‏,‏ ولا يعني غير الأقلية وربما النادرة بإصلاح ما يكدر الباطن ويشوبه أو يعيبه‏,‏ والاقتراب به من الظاهر المعلن المكشوف في السلوك وفي التعامل‏..‏ وقد يجد البعض أن إخفاء الباطن والتمويه علي المضمر يدخل في باب الحذق والشطارة والمهارة‏,‏ ويحسب لصاحبه كضرب من ضروب المخاتلة التي تليق بالنبهاء وأصحاب الحيلة الذين تقاس قدراتهم بمقدار هذه المكنة علي التجمل والمخاتلة لحجب المعيب المخبوء في باطنهم عن عيون الناس‏!!‏

المزيد من مقالات رجائى عطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.