فى عالم الإبداع ستظل نادية لطفى التى رحلت عن عالمنا صباح الثلاثاء الماضى، لها مكانتها الخاصة، التى لا يستطيع أحد الاقتراب منها؛ لأنها « سيدة الاحساس»، الانسانة التى ترى دوما أن افضل ما يجب التمسك به جيدا فى حياتنا هو بعضنا البعض. النجمة الجميلة ذات الطلة المختلفة والابتسامة المشرقة،والقلب الحنون « نادية لطفى » التى كانت دوما زهرة فواحة فى واحتها، إنها من أجمل النساء اللواتى ظهرن على الشاشة؛ ذات سطوع ذهبي تصبح به رمزاً للجمال والأناقة...أدهشتنا بخفة دمها فى أعمالها الكوميدية،وأبكتنا مع كل مشهد دراما أدته،إنها الملهمة،مصدر للوحى والابداع والجمال ورقى الاسلوب.ذات العينين الواسعتين والمثيرة للاهتمام، والتى تتجلى بشخصيتها الحقيقية فى غالبية الأدوار التى كانت تجسدها. الرائعة التى لم تتصنّع الأناقة، ولم تدع الجمال، بل كانت تجمع بين كل هذه المواصفات فى حياتها الطبيعية بعيداً عن الشاشة؛ النموذج الامثل لجمال المرأة الحقيقى، الذى لا يعتمد على الشكل فقط،ولكن روحها تستحوذ عليك إلى أبعد الحدود. بيتها 19 شارع البستان – الدور التاسع.هذا المكان الذى يحوى الكثير من الذكريات فيه دخل ابنها أحمد المدرسة لأول مرة، وشهدت ربوعه تفاصيل معظم أعمالها الفنية. أما غرفتها بمستشفى المعادى العسكرى فمليئة بالذكريات الجميلة ومنها تكريمها عن أحد أعمالها الوطنية والتى ربما لم يحن بعد الإفصاح عنها. لذلك لم يكن تكريم الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، لنادية لطفي، وتقليدها وسام القدس، بمستشفى المعادى العسكري، إلا تقديرًا لمشوارها الوطنى والفنى الطويل؛ ويشهد لها الشاعر الفلسطينى الشهير (عزالدين المناصرة) بأنها كانت امرأة شجاعة عندما زارتهم خلال حصار بيروت عام 1982. وبقيت معهم طيلة الحصار حيث خرجت معهم فى (سفينة شمس المتوسط اليونانية )إلى ميناء طرطوس السورى، والجميل ان التكريم صادف احتفالها بعيد ميلادها. لذلك سيظل العام 1982 محفورا فى تاريخها الوطنى، فرغم انها كانت فى رحلة إلى العاصمة اللبنانيةبيروت، خلال الحرب اللبنانية الأولى، الا أنها انضمت إلى المقاومة الفلسطينية، ووثقت بكاميرتها وأعطتها لمحطات تلفزيون عالمية وللأفلام التسجيلية التى أنتجتها بنفسها، ويقال إن نادية لطفى هى من رصدت مجزرة صابرا وشاتيلا التى نفذتها إسرائيل فى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان. بولا محمد مصطفى شفيق الاسم الحقيقي، والذى ربما تكشف الأيام عما يحويه من اعمال رائعة،المولودة لأب مصرى أخذت منه وطنيتها وإنسانيتها وأم بولندية منحتها هذا الجمال المختلف والوجه الصبوح الندى؛ والمكتشفة من المخرج رمسيس نجيب وهو من قدمها للسينما وهو من اختار لها الاسم الفنى (نادية لطفي) اقتباسا من بطلة نادية فى «لا أنام» للكاتب إحسان عبد القدوس، والذى قدمت من تأليفه أعمالا عدة. نادية لطفى المتفردة التى ترى أن الألم فى حد ذاته يعلم الإنسان أشياء كثيرة عندما يمر بحالة صعبة، وعلينا أن نتعامل بحب مع الأشياء العصيبة من أجل التغلب على الصعاب، لذلك عندما كانت تحجز فى المستشفى تخلق حالة حب مع الجماد والمكان للتغلب على الألم. نادية لطفى إنسانيتها تفوق البشر فإذا كان البعض يعلم كم كانت تحب كلبها وتعتبره صديقا،فقد لا يعلمون أنها كانت من المنضمين إلى «جمعية حماية الحمير» التى تأسست فى 1930 وكان رئيسها الفنان الراحل زكى طليمات، ومعها انضم فنانون وصحافيون وكتاب مشاهير، كطه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم، والسيد بدير وأحمد رجب وغيرهم. علاقتها بالفنانين لها مذاق مختلف، وخاصة أنها لم تعانِ من شائعات تطالها و خاصة مع العندليب، رغم العلاقة القوية التى كانت تجمعهما، ولعل المشهد فى (الخطايا) مع عبد الحليم حافظ حيث كان يضربها بالحقيبة وترد له الضربة، يشبه علاقتهما بالضبط،فلقد كانا يمزحان سويا طيلة الوقت. مشوار نادية لطفى ملئ بالعديد من الأعمال الرائعة ومنها «السمان والخريف» المحول الى عمل سينمائى فى العام 1967، حيث أدت باقتدار شخصية ريرى باعتبارها ضحية اجتماعية، تماما كما سبق أن قدم نجيب محفوظ نور فى صورة الضحية فى «اللص والكلاب»؛ ولكم كانت مبهرة فى تجسيد التصاعد الدرامى لشخصية ريرى عندما آتتها الفرصة للبدء من جديد حياة شريفة بعيداً عن ماضيها الملوث، فتمسكت بالفرصة ولفظت الماضى. إنها فى هذا العمل حولت ما رسمه كاتب السيناريو والحوار أحمد عباس صالح، الى واقع يتحرك على الشاشة لنموذج الضحية للمجتمع الذى ظلمها كما توضح هى ذلك من خلال سردها لحكايتها فى الليلة الأولى لها مع عيسى الدباغ، وعندما يغدر بها عيسى بنرجسيته الطبقية والعاطفية رغم أنها لم تكن تريد سوى حياة عادية. لهذا لم يحل فارق السن دون قبولها بالزواج من رجل يصونها ويوفر لها حياة كريمة، وهى إذ تتحول إلى زوجة ثم إلى أم لطفلتها الوحيدة لتستقيم؛ لتؤكد أن بائعة الهوى من أجل الخبز والمأوى ولكنها فى حمى الزوج استردت إنسانيتها الضائعة وكرامتها المهدرة.. حتى لو كان الزوج شيخا لتزهد فى الاثم .الى جانب أنها وعت الدرس عندما غدر بها عيسى ولم تنس فلما عاد ذليلا صفعته بالكلمة النافذة ونهرته بالاشارة الواعية؛ وكأن نادية لطفى انتصرت للمرأة فى قصة( السمان والخريف). أما فى النظارة السوداء فقدمت نادية لطفى شخصية المرأة التى تفضّل ان تكون جميلة اكثر من ان تكون ذكية لأنها تعلم ان الرجل يرى بعينيه اكثر مما يفكر بعقله،لم تكن تعرف ما هو الحب، وانه اسمى من الجسد..انه الروح.. انه الحنان، انه الفكرة، انه المعنى، انه الانسانية.. لم تكن تعرف أو تفهم شيئا من هذا، ولكنها عندما تحولت الى امرأة أخرى تماما، امرأة كانت تعيش فى محراب الجمال الكامل وهى تحس بتفاصيل هذا الجمال وتستخدمه أسوأ استغلال بأن تجعله بضاعة معروضة،ولكن عندما أحبت تستعيض عن هذا النقص بإشعال عواطفها بالحنان الذى تسبغه على رجلها، وبالذكاء الرقيق الذى تعامله به، وبالليونة الناعمة التى تقنعه بها انه سيدها؛ومعلمها الذى ينير لها الطريق، إنها أمرأة منحها الحب ميلادًا جديدًا،وخاصة أن ماجى فى الرواية أوقعها الحب فى طريق رجل كان دائما من أنصار التقاليد القديمة التى تحرم على المرأة ان تشارك الرجل طعامه حتى لو كانت زوجته، لا لأنها تقاليد تحط من قيمة المرأة، بل لأنها تصون المرأة من ان تبدو أمام رجلها فى شكل منفر.. شكل حيوان يأكل ويلتقط الطعام بشفتيه ويمضغه بأسنانه، فى حين أن الشفتين لم تخلقا إلا للقبل والأسنان لم تخلق إللا للابتسام.ماجى فى هذا العمل أصبحت بمثابة الجوهرة الاكثر قيمة من تكون امرأة تنزه نفسها مما يعاب؛ لتصبح كالمرأة الصالحة التى تتحول الى امنع الحصون التى تحمى حتى الرجل ذاته وتنقذه من الخطيئة. حسام الدين مصطفى هو بلا شك مخرج التحولات فى حياة نادية الفنية، الذى وضعها فى المقدمة بعد نجاحها المدوى لفيلمهما «النظارة السوداء» (1963)،أما فيلم «حبى الوحيد» فكانت نموذجا فى كواليسه للشخصية الرائعة عندما لم تهتم بوضع اسمها على الأفيش قبل عمر الشريف الى جانب أنها قامت ببطولة فيلم أنتجه كمال الشناوى «ايام بلا حب» لأن كمال الشناوى خسر أموالاً كثيرة عندما أصرّ على إنتاج فيلم «طريق الدموع» الذى عرض فى الموسم (1961)، وتمنت أن ينجح هذا الفيلم ويحقّق مكاسب مالية كبيرة؛ وهذا ما حدث. وقدمت شخصية بديعة مصابنى الراقصة الأشهر فى تاريخنا المعاصر، والأكثر إثارة للجدل، قامت نادية لطفى بدور بديعة باقتدار من أحداث خطيرة مرت بها منذ حادثة اغتصابها، وانتقالها إلى مصر، وكيفية دخولها مجال الفن، حيث مارست الرقص الاستعراضى فى السينما والمسرح، من ثم افتتحت كازينو بديعة، وقصة حبها وزواجها من الممثل الكوميدى نجيب الريحاني، من بعد تعرضها للخيانة من ابن أختها، الذى يتلقى أموالاً لقاء إفشال وإفلاس كازينو بديعة. وأخيراً تترك مجال الفن، وتعود إلى بلدها الأم لبنان لتموت. فيلم «المستحيل» لحسين كمال (1965)، من الأفلام المهمة التى عالجت مشكلة اجتماعية نفسية حيث لعبت دور زوجة الجار التى أخذت مكان أختها بزواجها هذا، والذى كان خارجاً عن إرادتها. وتعيش أيضاً حالة نفسية عصيبة. فتلتقى مع جارها كمال الشناوى فى علاقة،وكل منهما يعيش هذا السأم، إنها علاقة عاطفية غير طبيعية، فالمأساة التى يعيشانها هى التى جمعتهما. فكل منهما لم يختر حياته، تلقاها جاهزة ولم يساهم فى خلقها. يحاولان أن يتغلبا على كل هذا إلا أنهما يصدمان بالمستحيل، بالواقع المفروض على كل منهما. وفى «الخائنة» لكمال الشيخ مع محمود مرسى وهو أهم أفلام الدراما النفسية المعتمدة على الشك وأكثرها اكتمالا، لا سيما وهو مبنى دراميا على عمليتى شك مركبتين؛ شك أدته بنعومية وخوف إلهام (نادية لطفي) فى خيانة زوجها أحمد (محمود مرسي) لها، وهو الشك الذى يوصلها للوقوع فى الخطأ، لينقلب الشك داخلها إلى شعور بالذنب، بينما يتصاعد الشك فى نفس أحمد ليدفع الدراما تدريجيا إلى النهاية المأسوية التى يقتل فيها رجل حكيم يحترمه الجميع زوجته فى ثورة جنون. وتبدع فى مشاهد فيلم «قصر الشوق» لحسن الإمام، بالتحول من راقصة الى زوجة لشخص ضعيف الشخصية. وفى «على ورق سيلوفان» الفيلم المصرى إنتاج عام 1975، وقصة يوسف إدريس، وإخراج حسين كمال. تعانى قسمت من زواجها الرتيب، فتلقى بنفسها وسط المجتمع، إلى أن تتغيَّر حياتها تمامًا حينما تتعرَّف على هشام الشاب المتفتح ولكنها لا تقع فى الخطيئة وتعرف الحد الفاصل الذى يمنعك عن الخيانة، وفى الواقع إن نادية لطفى لها علاقة قوية مع الكاتب والاديب يوسف ادريس، حيث تعرفت عليه فى الستينيات وجمعهما حب قراءة الادب، و«الطاولة» معا، وقدمت له عام 1968 فيلم «3 قصص» القصة الثانية «5 ساعات» التى كتبها يوسف ادريس وأعد لها السيناريو والحوار بكر الشرقاوي، وشاركها بطولته محمود المليجى وأخرجه حسن رضا.وبعد هذا الفيلم بستة اعوام، قدمت له قصة جديدة عبر فيلم «قاع المدينة» التى اعدها احمد عباس صالح واخرجها حسام الدين مصطفى. وكان لها دورها المميز مع المخرج يوسف شاهين فى فيلم «الناصر صلاح الدين» حيث أدت دور لويزا الفتاة الصليبية ذات الشخصية المتفردة الرافضة للحروب الصليبية. ولعبت البطولة امام محمود ياسين ونيللي، ثم «على ورق سوليفان» مع المخرج حسين كمال الذى يعد علامة مميزة فى افلام نادية لطفى، وبرعت فى مشهد النهاية بأداء مميز لمعنى الحب الحقيقى؛ وما يحدث لنا عندما نكتشفه، وفى«المومياء» لشادى عبد السلام؛ يكفى حركتها المدروسة فى المكان بالعيون الفرعونية لتكون أحد أسباب عالمية الفيلم. والتقت مع العندليب «عبدالحليم حافظ» فى عملين الأول «الخطايا» ثم فى «أبى فوق الشجرة» ومن المعروف ان علاقتها بحليم كانت صداقة قوية جداً. أهم أعمالها: «على ورق سوليفان - الناصر صلاح الدين - سلطان - حب إلى الأبد - عمالقة البحار - حبي الوحيد - السبع بنات - عودي يا أمي - مع الذكريات - قاضي الغرام - أيام بلا حب - حياة عازب - صراع الجبابرة - مذكرات تلميذة - من غير ميعاد - الخطايا - أبي فوق الشجرة - السمان والخريف..النظارة السوداء..جواز في خطر - سنوات الحب - حب لا أنساه - دعني والدموع - ثورة البنات - حب ومرح ودموع - للرجال فقط - مدرس خصوصي - بين القصرين - المستحيل - الباحثة عن الحب - مطلوب امرأة - الحياة حلوة - عدو المرأة - 3 قصص - الخائنة - السمان والخريف - غراميات مجنون - الليالي الطويلة - عندما نحب - جريمة في الحي الهادئ - أيام الحب - كيف تسرق مليونير - نشال رغم أنفه - سكرتير ماما - الأخوة الأعداء - بديعة مصابني - لا تطفئ الشمس».