الله يرحم زمان، وتعليم زمان.. ومصروفات تعليم أيام زمان.. أقول ذلك بمناسبة مظاهرات طلبة الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، اعتراضاً علي زيادة مصروفات الدراسة بالجامعة.. ولهم كل الحق فيما فعلوا!!. فقد أغلق الطلاب أبواب الجامعة بالسلاسل لأن الجامعة زادت مصروفات الجامعة بنسبة 7٪، ففي كلية ادارة الأعمال قررت ادارة الجامعة زيادة المصروفات بالكلية من 94 ألف جنيه إلي 114 ألفاً.. كما زادت مصروفات الدراسة بكلية الهندسة من 50 ألف جنيه إلي 200 ألف جنيه في العام بالذمة ده اسمه كلام، اللهم إلا إذا كانت الجامعة تقدم مع شهادات التخرج قراراً بتعيين الخريجين في اليوم التالي للتخرج.. وسبحان مغير الاحوال.. وزمان لم يكن يلتحق بالجامعة الامريكية إلا الطلبة الفاشلون الذين لم يحصلوا علي المجموع الكافي للالتحاق بجامعة القاهرة.. أو ابناء الجاليات الأجنبية الذين كانوا يأنفون من الالتحاق بجامعات مصر الحكومية.. الراقية.. وأسأل هنا: ماذا تقدم الجامعة الأمريكية من علم وأدب لطلبتها.. وهل تسقيهم العلم بالشاليموه.. أم تدفعه في عروقهم بالحقن التي لا توجع!! واتذكر أنني لم أتكلف طوال تعاليمي من المدرسة الأولية إلي المدرسة الابتدائية إلي الثانوية.. وكذلك الدراسة بكلية الآداب جامعة القاهرة - أم جامعات العرب وأفريقيا - إلا جنيهات معدودات لا تتعدي المائتي جنيه.. علماً أن الحكومة كانت تقدم لنا - مع العلم - وجبات غذائية ساخنة من لحوم وخضر وأرز وخبز وفواكه، وكانت هذه المدارس الحكومية تصرف لنا كل مستلزمات الدراسة من كتب وكراسات وحتي المساطر وريش الكتابة ودوايات الحبر، كل ذلك مجانا، فضلاً عن نشاط رياضي مكثف داخل ملاعب مجهزة وصالات رياضية.. أما عن المعامل المدرسية والتعليم بالسينما والشرائح الملونة المتحركة وقاعات السينما والفنون والأشغال.. كل ذلك كان بالمجان، ولهذا كان الواحد منا يجتهد لكي يدخل المدرسة الاميرية، وكانت ابتدائية سنوات الدراسة فيها أربعة.. وثانوية وكانت الدراسة فيها خمسة نحصل بعدها علي التوجيهية التي تؤهلنا لدخول الجامعة.. جامعة فؤاد الأول «القاهرة» الجامعة أم قبة. وفي هذه الجامعة - التي تشرفت بالدراسة فيها - كان كل من يحصل علي تقدير جيد يحصل علي المجانية، وكانت المدينة الجامعية فيها تقدم وجبات غذائية لمن يطلبها بثمن زهيد هو ثلاثة قروش للوجبة من لحوم وخضار وأرز وخبز وحلو وسلاطة.. فاذا جاء شهر رمضان زاد ثمن الوجبة قرشاً إضافياً إذا كانوا يقدمون لنا كوبا من خشاف رمضان وقطعة كنافة أو قطعة قطايف.. وكان التعليم العام - ابتدائي وثانوي - أفضل ما يكون بل كان هو جنة التعليمه، ومن يفشل في دخوله بسبب ضعف مجموعه كان يلجأ إلي التعليم الخاص، الذي كان يلجأ إليه فقط الفاشلون من الطلبة والطالبات.. وكان هذا التعليم يقدم لنا كل شيء.. وكان المدرس يقدم كل ما عنده للتلاميذ بأخلاص.. ويخصص الاسابيع الاخيرة لإعادة الدروس مجانا، أما الفاشلون - وحدهم - فكانوا هم الذين يلجأون إلي تعاطي الدروس الخصوصية.. وبالمناسبة كانت حصة الرياضيات بعشرة قروش بأسعار عام 1950 وكذلك اللغة الانجليزية. تري ما سبب هذا التغير.. وكيف نلجأ الآن إلي المدارس الخاصة التي يدفع فيها الاباء ألوف الجنيهات.. أو يلجأون إلي الجامعات الخاصة التي تتقاضي الآن مئات الألوف من الجنيهات، عن أي سنة دراسية واحدة.. ولقد حاولت أن أحسب كم تكلف تعليمي الذي استمر 16 عاماً فوجدت انها لا تتعدي 200 جنيه لكل هذه المدة.. ولا تقول لي إنها انخفاض قيمة الجنيه وان التضخم هو السبب.. أو أن الحكومة رفعت يدها عن الانفاق علي التعليم.. فمازال هذا التعليم يحصل علي الحصة الأكبر من ميزانية الدولة.. ويا ليت كل ذلك يأتي بنتيجة ايجابية.. بل يدفع هذا النظام إلي سوق البطالة أكثر من مليون متعلم متعطل كل عام. وعودة إلي اضراب طلبة الجامعة الأمريكية فنقول ما الذي رفع المصروفات فيها وفي كل الجامعات الخاصة الأخري.. هل السبب هو اقبال الطلبة علي الدراسة فيها إلي هذا الحد.. أم بسبب جودة المواد والعلوم التي يدرسونها بها.. أم السبب هو الجو الدراسي الذي يوفر للطلبة ظروفاً ومناخاً أفضل مما يجده الطالب في الجامعات الحكومية.. التي عندنا منها والحمد لله 19 جامعة حكومية.. أم هي السمعة الطيبة التي تتمتع بها الجامعات الخاصة أجنبية أو خاصة يعني أمريكية وكندية وألمانية وفرنسية وبريطانية وغيرها. لقد اصبح التعليم الجامعي عبئاً رهيباً علي العائلات المصرية بل واصبح دخول الجامعات الخاصة وسيلة للتفاخر والتباهي بين الأسر.. فماذا يفعل فقراء المصريين بل وحتي ابناء الطبقة الوسطي الذين هم عماد المجتمع المصري.. والله يرحم الأميرة فاطمة بنت الخديو إسماعيل وأحمد لطفي السيد أول مدير للجامعة المصرية واستاذ الأساتذة.. قولوا: آمين يا رب العالمين