ليس الأسد وكتائبه العسكرية والأمنية ومن يدعمهم وبخاصة إيران وروسيا هم المسؤولون فقط عما يحصل في سوريا من تدمير لبناها التحتية، وما يتعرض له شعبها من مجازر وحشية وتهجير وترويع، بل ينضم إلى هذه القائمة الغرب المنافق الذي لم يكتف بعدم فعل أي شيء إزاء جرائم الأسد الإنسانية كواجب أخلاقي، بل أسهم من خلال تصريحات قياداته السياسية والعسكرية بتوفير غطاء له، وتشجيعه ضمناً كي يواصل بطشه وفتكه بشعبه الأعزل. والغريب أن هذه التصريحات الغربية جاءت متزامنة مع اشتداد وطأة وحشية النظام وارتفاع فاتورة الخسائر في أرواح المدنيين خلال الشهر الأخير، بفعل الحمم التي يصبها من خلال قصف طائراته وراجماته (براميل المتفجرات، والقنابل العنقودية الانشطارية)، والمجازر الجماعية، والإعدامات الميدانية، بعد أن عجز النظام على مواجهة شعبه والجيش الحر على الأرض، ولجوئه إلى القصف للانتقام من شعبه، نتيجة يأسه من الانتصار على الثورة. إذن يعاني النظام السوري من مأزق كبير مؤخرا بسبب سلسلة العمليات النوعية للجيش الحر، وأخذ الأخير لزمام المبادرة، منتقلا من الدفاع للهجوم، كإسقاط الطائرات وسيطرته على عدد من المنافذ الحدودية وعدد من الثكنات العسكرية المهمة، ومحاولاته السيطرة على المطارات، فيما لا يسيطر الجيش النظامي سيطرة فعلية سوى على ثلاثين بالمئة من الأراضي السورية في أحسن الأحوال. ويتضح أن تغيير الموازين على الأرض لصالح الثورة السورية، مرهون بالحصول على أسلحة مضادة للطائرات، أو قيام المجتمع الدولي بحظر جوي على سلاح طيران النظام، لكن الواقع يشير إلى أن الغرب الذي يدّعي مجاهرته في العداء لسياسات الأسد، وحق شعبه في الحرية والثورة عليه، وينتقد مجازره المروعة، لا يفعل شيئا إزاء رائحة الموت التي تزكم الأنوف، بل إنه فضلا عن ذلك يشجع النظام بتصريحاته المُعلَنة على مواصلة قتل شعبه. أهم هذه التصريحات الغربية ما قاله وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ من أن الدول الأوروبية لا يمكنها تقديم أي مساعدات عسكرية للثوار السوريين، بسبب الحظر الأوروبي على تصدير الأسلحة لسوريا، ونفي الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندرس فوغ راسموسن أي نية لدى الحلف للتدخل العسكري في سوريا. وفي حين يصرّ الروس على موقفهم من الأزمة السورية والمتمثل بما يعتبرونه انتقالا سياسيا لا يتضمن تنحي الأسد فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها ترغب في العمل مع موسكو حول قرار بشأن سوريا في مجلس الأمن، ولحفظ ماء وجهها حذرت من أن بلادها ستزيد من الضغوط للحصول على دعم من أجل تغيير نظام الأسد إذا لم يؤد الإجراء إلى نتائج، وجاء موقف الاتحاد الأوروبي متناغما مع هذا التوجه حينما وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في قبرص على فرض مزيد من العقوبات على دمشق فقط. ما هو أسوأ من هذه المواقف والتصريحات الغربية المخزية هو محاولة تبريرها إما بإلقاء اللوم على الحلقة الأضعف كالمعارضة والجيش الحر لعدم توحيد صفوفهما، أو تقديم تفسيرات غير مقنعة لها، كما فعل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) حينما أشار إلى أنه لا يمكن المقارنة بين حالتي ليبيا وسوريا، معتبرا أن تدخل الناتو في ليبيا تم بعد موافقة الأممالمتحدة وبدعم الدول المجاورة. ولكن ما لم يقله أن هذه الدول إذا أرادت احتلال بلد أو رغبت بمساعدة معارضته لسوّغت ذلك لنفسها بألف طريقة وطريقة، ومن غير مجلس الأمن، وعلى حد تعبير أحد الكتاب فإن أمريكا التي احتلت العراق بشبهة وجود سلاح كيماوي، تتجنب التدخل في سوريا بسبب وجود السلاح الكيماوي، وأمريكا ذاتها التي أغرقت الأنظمة القمعية بالسلاح، تمنع دخول السلاح النوعي للثوار السوريين الآن. النتيجة المستخلصة بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على ثورته المباركة فإن على الشعب السوري ألا يثق بشرق أو غرب، وأن يعتمد على نفسه بعد التوكل على الله، لقد بات واضحا أن عدم سماح الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في وصول السلاح المضاد للطائرات لأيدي الثوار يعدّ خيانة للضمير الإنساني لأنه يعني ببساطة سقوط مزيد من الضحايا تحت مرأى ومسمع ومباركة هذه الدول والسبب واضح لأنه سيسرع في حسم المعركة لصالح الثورة، بينما المؤامرة تقضي بإنهاك الدولة السورية ثوارا وجيشا لتبقى حطاما، وهو ما سيحتاج إلى سنوات من البناء لسوريا المحررة، ويجعل القيادة القادمة تحت رحمة مساعدات الإعمار الغربية في السنوات القادمة، وأكثر انشغالا عن التفكير بهموم الأمة، وانصرافا عن المشاريع الإسرائيلية في المنطقة. لقد بات واضحا للعيان أن سقوط النظام قادم لا محالة بحول الله، وأن الثوار الذين صاروا يبدعون في عملياتهم النوعية مؤخرا بما في ذلك إسقاط الطائرات، بيدهم حسم الأمور في نهاية المطاف، وليس بيد الآخرين، ولكن الثمن الذي يترتب على عدم قيام الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بواجبهم الأخوي والأخلاقي، هو إطالة عمر النظام المجرم، ووقوع مزيد من الضحايا بسبب سطوة بطشه، مما يجعل من الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي شركاء آخرين للنظام في تدمير سوريا وقتل شعبها الحرّ. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية