يحتفل المصريون اليوم، بانتصار حرب أكتوبر المجيد اليوم، حيث إن ما تملكه الدولة من مقومات بشرية واقتصادية أصبح علي المحك ورهن الاختبار، ومن بعدها إما إلي الصعود والنمو أو إلي الهلاك. وفي حرب السادس من أكتوبر عام 73، شهدت الدولة المصرية تحولات اقتصادية كبيرة في فترات ما قبل الحرب وبعده، فكان منطق الإعداد للحرب هو السائد والغالب علي الوضع الاقتصادي في تلك الأوقات، من أجل تسخير وتعبئة كافة الموارد المتاحة لتمويل الحرب على خط المواجهة العسكرية، ولكن كيف مرت تلك الأيام علي المواطن المصري الساعي لتلبية احتياجاته اليومية والثأر لاسترداد الأرض. أبرز المراحل الاقتصادية التي مرت بها مصر مر الاقتصاد المصري بنقط تحول وتحديات كبيرة قبل حرب 73، حيث خرجت مصر من حرب 67 بخسائر اقتصادية كبيرة نتجت عن حالة لا سلم ولا حرب قدرت بنحو 635 مليون دولار، من بينها عائدات قناة السويس التي توقفت والسياحة في سيناء، بالإضافة إلي الإيرادات البترولية التي تعدت المليار جنيه في 5 سنوات، انخفض معدل النمو إلي "-3" ، وتراجع معدلات نمو القطاع التجاري إلي -4. وبعد حرب 67 تم تخصيص ما يقرب من 20% من الدخل القومي للتسليح، وتعبئة مليون جندي على خطوط القتال ل 5 سنوات متتالية، وهو ما يعزز الضغوط على الاقتصاد المصري المحاصر في ذلك الوقت، ولكن سرعان ما ارتدت مؤشرات الاقتصاد المصري نحو الارتفاع مرة أخري، عن طريق تعويض خسائر الاقتصاد من حصيلة الضرائب والجمارك، حيث ارتفعت الحصيلة الإجمالية للضرائب بنسبة 19.17% في الفترة من عام 1970 وحتى 1973. وخلال السنوات الثلاث، ارتفع معدل النمو الصناعي إلي 4.9%، وسجل عام 1970 نسبة 28% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، بينما حقق القطاع الزراعي ثباتا لاعتماد تمويله علي رأس المال المجتمعي والأهلي بشكل كبير، بينما لم يتأثر القطاع التجاري كثيرا وبلغ ذروة النمو إلي 33% عام 1973. وتعد حرب أكتوبر هى نتيجة عمل إبداعى خليط بين الإدارة العبقرية والعمل العسكرى العظيم وعلم تم تطبيقه لخدمة أهداف المعركة واقتصاد وطنى كافح وصامد بأقل الإمكانيات، حيث تم إعادة توطين وتنمية مدن القناة وسيناء بجانب تشجيع الاستثمارات الأجنبية والصناعات الوطنية وفتح فرص أمام بناء مدن صناعية جديدة ما كانت لتبنى على طريق الإسماعيلية مثل العاشر من رمضان وفتح فرص لبناء مجتمعات عمرانية جديدة فلولا حرب أكتوبر لتغيرت الخريطة الاستثمارية فى مصر فالصناعات الوطنية ساهمت فى زيادة التصدير والاكتفاء الذاتى من المنتجات وساهمت فى خفض نسب البطالة وارتفاع مستوى المعيشة وبانتهاء حرب أكتوبر حافظت مصر على الموارد البشرية. حكى الدكتور جلال أمين فى كتابه "قصة الاقتصاد المصرى" تفاصيل هذه الفترة وملابساتها، حيث ترتب على هزيمة 1967 انخفاض شديد فى موارد العملات الأجنبية، مما جعل الاستمرار فى معدل نمو مرتفع مع تحمل أعباء الإنفاق العسكرى استعدادا لحرب جديدة أمرا فى حكم المستحيل. بقيام الحرب فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر فى المتوسط سنويا 164 مليون دولار فى السنوات ال7 قبل الحرب، وإضافة إلى ذلك انخفاض كبير فى إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلا عن الإنفاق الذى فرضه تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس، والتكلفة الاقتصادية الضخمة. القرار الذي اتخذة الرئيس الراحل كان أمام الرئيس جمال عبدالناصر، كما يروى جلال أمين، واحد من بدائل ثلاثة، إما أن يضحى بالإنفاق العسكرى ويقبل الهزيمة والصلح وأى عرض للتسوية، فى سبيل الاستمرار فى التسوية، أو أن يضحى ب"التنمية والحرب"، فى سبيل رفع معدلات الاستهلاك، أو أن يضحى بالاستمرار فى التنمية مع السماح بالحد الأدنى من الزيادة فى الاستهلاك، فى سبيل الاستعداد للمعركة المقبلة، وهو الخيار الذى لم يكن لسواه بديل، ولا لغيره ملجأ أو طريق. ولم تكن الدول الغربية لتقبل بالعودة لسابق عهدها بمد مصر بالقروض والمعونات التى تحتاجها، إذا لم تقبل مصر سلاما غير مشرف مع إسرائيل، والتخلى عن سياسة حماية الصناعة المصرية وتقييد الواردات. وواجهت مصر فى أعقاب 67 ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة والخطورة، وحتى المعونات والمنح العربية المقدرة ب286 مليون دولار سنويا، كانت تضيع فى خدمة الديون على مصر التى حان موعد استحقاقها، والبالغة أقساطها المستحقة الدفع سنويا نحو 240 مليون دولار، وكان من الطبيعى أن ينخفض معدل النمو فى الحرب إلى 3 %، وتتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، ويتراجع مستوى المعيشة وتنخفض الأجور، ويتدهور ميزان المدفوعات، ورغم ذلك فإنه حتى وفاة عبدالناصر لم تتجاوز ديون مصر المدنية 1 مليار و300 مليون دولار، وهى نسبة لا تتجاوز 25 % من الناتج الإجمالى القومى.