قال لي صديقي: هل يمكن للإنسان أن يتوقف عقله عن التفكير وهو علي قيد الحياة؟!.. قلت لصديقي إن علاقتي بالطب لا تتعدي حصولي علي مسكن الأسبرين عندما يصيبني صداع وظن صديقي أنني أسخر منه، فهو يعلم تماماً أنني لست طبيباً ولا أعرف شيئاً عن الطب وحتي دراستي كانت أدبية.. وأدركت علي الفور أن صديقي العزيز، يمر بأزمة خانقة وأنه يعبر عن آلامه ومتاعبه وأنه أمام مشكلة عويصة عجز فكره الثاقب أن يجد لها حلاً.. قلت لصديقي أنا رهن السمع وكل آذاني صاغية لك.. صديقي العزيز لم أتعود منه أن يشكو أو أن تواجهه مشكلة ما ويعجز عن إيجاد حل لها، فقد كنت دائماً ألجأ إليه في «الملمات» والمصائب وأجد حلولاً لكل ما يؤلمني لكن هذه المرة أصابتني الدهشةلأنه هو الذي يشكو ويتألم!! قال لي صديقي إن مشاكله الحياتية تحاصره من كل جانب، وأنه اكتشف فجأة، أنه عاجز عن إيجاد حلول، رغم أن الجميع من كل المخالطين والعارفين به يطلقون عليه «حلال المشاكل» وإمعاناً مني في الإنصات والاهتمام قلت له: ما هي المشكلة وكانت المفاجأة أن صديقه العزيز أنه يري من يحبهم قد تعرضوا للأذي، فهذا بيت كاد أن يتخرب بسبب خلافات عائلية، وآخر تعرض صاحبه لأزمة خانقة في ديون كثيرة وأطفال بدون أب أو أم يواجهون مصيراً غير معلوم الملامح رغم وجودهم في أرقي المدارس. وصديقي العزيز الذي اعتاد كل من حوله أن يجد لهم حلولاً لمشاكلهم وجد نفسه أسيراً للحزن والآلام، لأن أصحاب هذه المشاكل من دمه، وفوجئت به يردد قصيدة نزار قباني «كيف أهرب من دمي»، «لم أعتد من صديقي أن يكون ضعيفاً أو عاجزاً ولم أعهد في صديقي أن تحاصره الآلام والأحزان بهذا الشأن، وأخذت أذكره، بمواقفه الرائعة والرائدة في إيجاد حلال لمشاكل أشد وطأة من ذلك.. لكنه فاجأني بما هو أهم أن سبب حزنه الشديد هو الأطفال الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها أنهم بدون أب أو أم، ليس لأن الموت اختطف أحدا منهما، ولكن لأن تصرفاتهما هي السبب في ذلك. صحيح أن الذي يفعله الآباء والأمهات يجنيه الأطفال، وسبب مشاكل الدنيا كلها هي تصرفات حمقاء من الأبوين اللذين يخرجان نبتاً غير صالح في المجتمع، وصحيح أن معظم الأطفال الذين تعرض أهلهم لمصائب أصيبوا بأمراض نفسية كثيرة.. وقاطعني صديقي قائلاً: إنه لن يتخلي عن هؤلاء الأطفال وسيتولاهم برعايته وسيعاملهم مثل أولاده، لكن هذا وحده غير كاف، فالطفل يحتاج إلي أبويه حتي ينشأ تنشئة صحيحة، فليس المال وحده يكفي للأطفال، إنما يحتاجون إلي حب ومشاعر فياضة لن يجدها أي طفل إلا من والديه. حزنت علي صديقي الذي قضي العيد حزيناً، مكتئباً وقلت له «لا تيأس من رحمة الله، فإن رحمة الله وسعت كل شئ، وذكرته أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نشأ يتيماً وكفله الله برعايته، ولا يمكن أبداً أن يتخلي الله عن هؤلاء الأطفال الصغار، ويكفي يا صديقي العزيز أنك تشعر بآلامهم، فقد وضع الله في قلبك هذه الرحمة وتلك الرأفة حتي ترعاهم برعاية الله وعطفه، وقد يعوضهم الله بك خيراً من أن يتربوا في كنف أبوين غافلين عنهم أو شغلتهم الدنيا بزينتها عن الاهتمام بهم. وقلت لصديقي علي الفور اعتبرني من المساعدين لك في رعاية هؤلاء الأطفال، حتي أنال كرم الله معك في هذا الموقف النبيل.. ألم أقل إنني أتعلم يومياً النبل والأخلاق الكريمة من صديقي الذي أعرفه منذ ستة عشر عاماً أو يزيد قليلاً، وقد نهلت من فيض كرمه وعلمه وإنسانيته الكثير.. بارك الله فيه وأكثر من أمثاله، الذين يسعون إلي الخير والبر والشعور بأحزان وآلام الآخرين في زمن سادت فيه الأنانية المطلقة في كل شئ!!!