القارئ الجيد للمشهد الاقتصادي يمكنه رصد رغبة وهجمة كبيرة للاستثمارات القطرية على الاقتصاد المصري مقارنة بأي دول خليجية ....فحسب تقرير البنك المركزي ارتفع حجم الاستثمارات القطرية التي دخلت مصر بمعدل 74% خلال الربع الثالث من عام 2011/2012 بنحو 9.8 مليون دولار لتصل إلى 13.2 مليون دولار مقابل 3.4 مليون دولار في الربع السابق عليه، من اجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة للداخل خلال الربع الثالث والمقدرة بنحو 3.13 مليار دولار، مقابل خروج استثمارات بنحو 2.49 مليار دولار. ورغم تصدر استثمارات الإمارات العربية المتحدة، لقائمة الدول العربية، الاانها شهدت تراجعا مقارنة بالربع الثاني، لتتراجع من 186 مليون دولار إلى 176.9 مليون دولار، تلاها المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية، وإن كانت هي الأخرى تراجعت مقارنة بالربع السابق لتصل إلى 79.6 مليون دولار مقارنة 109.2 مليون دولار، تلاها الاستثمارات الكويتية في المرتبة الثالثة بنحو 17.3 مليون دولار مقابل 15.5 مليون دولار في الربع الثاني، تلاها الاستثمارات القطرية، والتي شهدت قفزة قوية بنحو 9.8 مليون دولار لتصل إلى 13.2 مليون دولار مقابل 3.4 مليون دولار. كما يمكننا رصد الاصرار القطري علي بسط هذه الهيمنة والسيطرة في اقصر وقت من خلال عمليات التفاوض التي تتم حاليا لإتمام العديد من الصفقات مثل صفقة الاستحواذ علي ثلاثة مصانع متوسطة للبلاستيك بقيمة تقترب من 500 مليون جنيه وقد جاء هذا التوجه نتيجة للدراسات التي اجرتها وزارة الصناعة القطرية والقائلة بتخلف مصر في مجال اعادة تصنيع وتدوير المخلفات البلاستيكية رغم انها من الصناعات الواعدة كثيفة العمالة! وصفقة انشاء اكبر مؤسسة اعلامية قطرية في مصر برأسمال 5 مليارات جنيه وهي الصفقة التي يتوسط لاتمامها حاليا الشيخ القرضاوي!! ولايمكن تجاهل صفقة «كيو انفيستمنت» لشراء هيرمس القابضة التي رأي البعض انها طريق لتهريب اموال بعض رموز النظام السابق والحقيقة ان هذه الصفقة اظهرت ذكاء ودهاء رجال الاعمال المصريين الذين ادركوا رغبة قطر الجامحة في السيطرة علي الاقتصاد المصري بأي ثمن فظهرت فجأة شركة مساهمة مصرية تبدي رغبتها الشديدة في شراء هيرمس واخذت تروج لذلك في وسائل الاعلام ودخلت معركة وهمية مع الرقابة المالية والقائمين علي هيرمس رغم بساطة الامر لمن يعرف ان مساهمي الشركة المصرية مجموعة من رجال الاعمال اصدقاء اعضاء مجلس ادارة هرمس وعلي رأسهم حسن هيكل شقيق حسين الذي أراد ان يرفع مزاد التنافس علي هيرمس لمصلحة اخيه والتي هي بالطبع مصلحة الاسرة كلها وقد كان.. حيث شعرت «كيو» القطرية بضرورة ارساء العطاء عليها باي سعر وتمسكت بالصفقة وبالقطع كان رد الفعل المقابل للقائمين علي الشركة بنفس القوة مؤكدين تمسكهم بالصفقة وزاد سخاء العرض القطري.. وفجأة ومع اقتراب اكتمال الصفقة اختفت الشركة المصرية بكل بساطة !!! وهكذا تثبت الأرقام المدعمة بالتصرفات الرغبة في الهيمنة الاقتصادية لحكومة قطر علي الاقتصاد المصري باعتبار انها الوسيلة الاسرع للتدخل في شئون اكبر دولة عربية في المنطقة وأكبر دولة سنية ايضاً والتي قد تكون نهاية للغزل القائم بين مصر وإيران والواضح منذ الثورة ومحاولات التقارب بينهما. وقد تبدو قصة المال القطري لدى البعض ضرباً من ضروب المؤامرة أو مايسمى الطرف الثالث لكن الشواهد والدلائل أكدت منذ بداية الثورة الهدف القطري فجميعنا يذكر الحقائب المحملة بملايين الدولارات التي ضبطها رجال الجمارك المصرية قبل دخولها مصر خلال فترة تولي الدكتور سمير رضوان لوزارة المالية.. وبعد فوز الدكتور مرسي بالرئاسة ظهرت رغبات قطرية في مجال الاستثمارات الاقتصادية في مصر وبقوة حيث تسعى لأن تفرض نفسها في الوطن العربي ومن المتوقع ان يزداد الدعم الذي تقدمه قطر للاقتصاد المصري بعد هذا الفوز لمرشح جماعة الاخوان فهم حريصون علي تدعيم التيار الديني وعلي تواصل العلاقات المصرية القطرية بعد حالة التوتر التي شهدتها خلال عهد مبارك. وهكذا ورغم اعتبار البعض لكلمة «المال السياسي» من الكلمات غير المحببة للساسة والاقتصاديين الا ان تاريخ هذا نوع من المال وقذارته الشديدة وقدرته على اعادة رسم الطريق وتحويل مسار الاحداث إلا ان طريق المال السياسي بعد الثورات في المنطقة العربية اتخذ كل الاشكال القديمة والجديدة ولعب على كل الحبال لوصول كل القوى إلى ضالتها والحصول على مكانة ومركز سياسي واقتصادي في دول الشرق الاوسط فلم يعد عبارة عن رشاوى وأموال مجهولة فقط بل تحولت الاستثمارات الآن إلى «مال سياسي» يهدف الي تغيير خريطة القوي في الوطن العربي.