قد نتفق على توصيف الحالة المصرية الراهنة بأنها حالة من «التوهان» أو عدم الاتزان التي تصيب أغلب الدول التي تتعرض إلى أزمات أو تخوض ثورات، وهي حالة تسبق مرحلة «التعافي» إذا تغلبت المصلحة العامة على منفعة الفصائل والتيارات، ويظل الوصول إلى مرحلة «التعافي» مرهون بمدى الرضا بين قطاعات الشعب على معطيات الثورة ومكتسباتها للجميع، أما اذا طغت سياسة «الفرز والتجنيب» على علاقات القوى المتنافسة، في مقابل سيطرة لغة التخريب على المهمشين، كما هو الحال لدينا فسيظل الشارع المصري «يعافر» دون أن يصل إلى أهدافه. في البداية كنا نقول لدينا ثورة بلا قائد، واليوم عندنا قائد ولكننا نختلف على الهدف، وما لم تتقارب الرؤى وتتحد الجهود سندخل مرحلة «شيطنة» الثورة المصرية، وهي المرحلة التي تراهن عليها إسرائيل. والمعروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى جاهدا إلى إثارة مخاوف العالم من توابع ثورات الربيع العربي ولم يكتف بالتّحذير من مخاطر وصول الإسلاميّين إلى الحكم، بل إنّه حاول إعطاء الانطباع بأنّه حريص على بروز تيّار «ديمقراطيّ» منافس لهم؛ فدعا إلى تأسيس صندوق دوليّ لدعم خصوم الإسلاميّين في العالم العربيّ، مشبّهًا هذه الخطّة بخطّة «مارشال» التي نفّذتها الولايات المتّحدة في أعقاب الحرب العالميّة الثّانية لدعم أوروبا الغربيّة. وقد أرسل نتنياهو عيران ليرمان، مساعد مستشاره للأمن القوميّ إلى الولايات المتّحدة لبحث هذا المقترح مع قادة الكونجرس الأمريكيّ. كما تسعى جنرالات إسرائيل إلى شيطنة ثورات التّحوّل الدّيمقراطيّ في العالم العربيّ، وتأليب العالم عليها؛ كما يقول الباحث العربي صالح النعامي في رصده لمعطيات هذا التحول، حيث اقتفت النّخب الإسرائيليّة أثر نتنياهو، وحرصت على استدعاء متلازمتيْ إيران وحركة «حماس»، والإيحاء بأنّ العالم بات على موعدٍ مع تكرار هاتين التّجربتين. فهناك من اعتبر أنّ ما حدث في مصر «انقلاب وليس ثورة»، وشدَّدوا على أنّه لا يوجد في مصر أيّ ميل نحو التّحوّل الدّيمقراطيّ والحرّيات، بل العكس تماما. ويمارس جنرالات تل أبيب ضغوطا غير مسبوقة على الادارة الامريكية في محاولة لابتزازها مدّعين أنّ الرئيس أوباما عاد إلى «الخطأ» نفسه الذي وقع فيه الرّئيس الأميركيّ الأسبق جيمي كارتر الذي «تخلّى» عن الشّاه، ما أدّى في النّهاية ليس فقط إلى سقوط الحكم الإمبراطوريّ في طهران، ولكن أيضا إلى تغيير جذريٍّ في المنطقة بأسرها. باختصار، هناك حالة من عدم الارتياح داخل تل أبيب حيال التغيرات التي حدثت في مصر والمنطقة، فإسرائيل ترفض أي تحول ديمقراطي في العالم العربي من شأنه أن يحدث نهضة عربية شاملة تمثل منطلقا لتغيير موازين القوى في المنطقة، وهذا الانزعاج لن يقف عند مرحلة العواطف، لأن إسرائيل تعتبر نفسها في حالة حرب، بل وتوهم الغرب بأنه مستهدف من انقلاب الاوضاع في الشرق الاوسط، ولعلنا نلمس الهرولة السريعة من قبل مرشحي الرئاسة الامريكية لإرضاء إسرائيل طيلة الايام الماضية. وقد يتحقق رضاء إسرائيل بانفراط عقد دول الجوار حتى تظل لها الهيمنة، وهو ما يلمح له بعض المحللين اليهود بأن الثورات العربية ربما تكون رافعة لحل مشاكل إسرائيل السياسية والديموجرافية المتفاقمة، ويراهنون على أن مجرد ثورة فى (الأردن) والقضاء على عرشها ,وتفتيت المنطقة لعدد من الدويلات كفيل بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتحقيق الوحدة بين الضفة الغربية والأردن. ولكن أيا ما كان الأمر – فإذا كانت إسرائيل ستعيد ترتيب مواقفها الأساسية الاستراتيجية بعد زوال مرحلة الالتباس الثورى العربى, فإنه علينا كمصريين أن نفطن الى طبيعة التحركات الاقليمية والغربية الراهنة ووضع الأطر المناسبة للتعامل معها قبل فوات الأوان، وعلينا قبل كل ذلك أن نبتعد عن نقاط الفرقة في الداخل ونتلمس طريقنا بعيدا عن دوامة «التوهان» التي تحاصرنا، فإذا لم نصنع طريقنا بأيدينا فسنكون فريسة سهلة لأعدائنا. ويكفي للتدليل على ذلك أن صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية تتوقع حدوث صدام بين الإخوان المسلمين والسلفيين. وقالت: «الصدام بين الجماعتين قادم لا محالة، فمع أن الاهتمام الإعلامى سيظل منصباً على الصراع بين الإسلاميين و(العسكرى) من أجل الهيمنة على الأوضاع، إلا أن المعركة السياسية الأهم فى القاهرة ستكون حول أى نوع من الإسلام ستنتهجه مصر».