لا يكاد الإنسان يمسك عن الطعام والشراب لساعات معدودة، حتى يشعر بشيء من الضعف، ويذهب عنه إفراطه في الحركة.. ولعل هذا المعنى هو أحد المعاني الكبرى للصيام؛ فهو يذكر الإنسان بضعفه، وبأنه ليس بالقوة التي يتوهمها، أو التي يزينها الشيطان له! إن بضع لقيمات تُمنع عن الإنسان لساعات، كفيلة بأن تجعله هادئًا ساكنًا، لا يمشي مختالاً فرحًا بذاته وبما تمتلكه يداه.. ولو أنصف المرء نفسه لعلم أن كل ما يفتخر به- من قوة في البدن، أو غنى في المال، أو شرف في النسب- إنما هو من فضل الله وتكرمه: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل: 53). إن القرآن الكريم يلفتنا إلى معنى مهم، وهو أن حالة الضعف هي الأصل في الإنسان، وأن حالة القوة- أو ما يظنها قوة- إنما هي استثناء وطارئ، ثم يكون المصير إلى الضعف مرة أخرى. تلك هي دورة الحياة: يولد الإنسان فيحتاج إلى من يقوم على خدمته، ثم يصير شابًا فتيًا، ثم يصير إلى الشيخوخة، فيرتد مرة أخرى إلى الضعف الذي به بدأ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةًۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (الروم: 54). والإنسان إذا أدرك هذا الضعف من نفسه، فعليه أن يتذكر في مقابل ذلك: ما يجب لله تعالى من الكمال والقوة والغنى.. فلا ينسى الله، ولا يغتر بما مُنِح من نعم.. بل يمشي على الأرض هونًا، ويؤدي شكر النعم، ويعترف لله بالعبودية. وهل شقي الإنسان المعاصر إلا حين اغتر بقوته، وظنها قوة أبدية دائمة!! وإلا حين نسي الله وغفل عن أنه سبحانه له الكمال الأسمى والصفات العليا.. أما الإنسان فهو الضعيف مهما بدت عليه مظاهر القوة!