صدر الاعلان الدستوري المكمل في مصر في 17 يونيو الماضي عن المجلس الاعلي للقوات المسلحة ، الحاكم الفعلي للبلاد ، استنادا لشرعية استثنائية ، ولدتها الظروف الاستثنائية ، التي صاحبت ثورة 25 يناير المجيدة ، ووفقا لكاتب المقال ، فقد اكتسب المجلس الاعلي للقوات المسلحة شرعيته الاستثنائية ، منذ لحظة انعقاده و لأول مرة منذ عام 1968 و دون قائده الاعلي السابق ، الرئيس المخلوع " حسني مبارك " القابع الان في سجن طره ، تنفيذا لحكم جنائي صدر عن محكمة جنايات شمال القاهرة في شهر يونيو الماضي . و بمجرد صدور هذا الاعلان ، كيلت الانتقادات و الاتهامات للمجلس العسكري ، متهمة المجلس بتشبثه بالسلطة ، و تقييد رئيس الجمهورية القادم بعد صدور الاعلان ، حتى أطلق البعض علي الاعلان تسمية " الاعلان المكبل " ، و أصبح الاعلان الموضوع الرئيس لكافة وسائل الاعلام المختلفة ، و تباري الكثيرون من الفقهاء و الشراح المتخصصين ، و غيرهم من المهتمين بالشأن العام و الهم الوطني ، و تناولوا مسائل دستورية مهمة ، خاصة في الفترة الانتقالية الحرجة التي تمر بها البلاد . و قبل الخوض في التأويل و التأصيل لمسألة واحدة بعينها ، و هي مسألة اعلان حالة الحرب ، بموجب ذلك الاعلان الدستوري المكمل ، أنبه القارئ العزيز لمسألة جديرة بوضعها في الحسبان ، أري أن البعض قد تغافل عنها ، و هي أن ذلك الاعلان ليس إلا مجرد وثيقة دستورية مؤقتة لمجابهة ظروف طارئة ، تم اعدادها لتجاوز مرحلة معينة انتقالية من تاريخ مصر ، و يبدأ و ينتهي الاعلان لأجلين مسميين ، لذا يطلق عليه البعض " الدستور الانتقالي " أو " دستور الازمات السياسية " . لقد اشترطت اتفاقية لاهاي لعام 1907 لمشروعية الحرب ، أن تسبق الحرب بإنذار مسبق و غير غامض ، و لقد نحت الدول ذلك المنحي القانوني ، حين تنعقد ارادتها السياسية للجوء للحرب ، و التي كانت وسيلة مشروعة في هذه الحقبة لتسوية النزاعات الدولية ، بيد أن ميثاق الاممالمتحدة الذي صدر في العام 1945 ، أنهي هذه الاعراف الدولية التي سادت قبل انشاء منظمة الاممالمتحدة ، و حظر الميثاق اللجوء للقوة المسلحة لتسوية النزاعات بين الدول ، حتى أن الميثاق ذاته لم يذكر في مواده كافة كلمة الحرب ، تأكيدا علي نبذها و اعتبارها شرا مستطيرا يهدد المجتمع الدولي . بيد أن سائر الدول لا تزال تعتبر أن " اعلان الحرب " يعد أحد أهم مظاهر سيادة الدول في محيط العلاقات الدولية ، و أن الدولة التي لا تتمتع بهذه الاهلية ، تعد دولة منقوصة السيادة ، و يحفل التاريخ الحديث بعديد من الدول و قد انتزعت منها هذه المكنة القانونية ، بموجب معاهدات دولية ، و دساتير وطنية ،. جلي أن مشروعية أي عمل لا تأتي من المشروعية الصرفة للسلطة التي قررته ، بيد أنها تتصل ايضا بالموضع الذي تمت فيه المناقشة و الانتهاء للقرار الصائب السديد في أمر من الامور قد يعرض بقاء الدولة ذاتها للزوال ، فالإجازة البرلمانية بإعلان حالة الحرب لم تكن الحل للوصول الي اتخاذ قرار أكثر ديمقراطية . فالأمر يستوجب اشراك البرلمان في مجمل السياسية الخارجية و قضايا الامن الوطني و الدولي ، فالمداولات البرلمانية لمناقشة أو المصادقة السابقة أو اللاحقة ، و بموجب نظمها الدستورية ، لإعلان حالة الحرب ، أو لإرسال قوات الدول للخارج ، للمساهمة في عمليات حفظ السلام الدولية ، أو غيرها من العمليات العسكرية ، لا تختلف عن المداولات التي تجري في أروقة مجلس الامن في منظمة الاممالمتحدة ، حين يتخذ مجلس الامن قرارا بموجب الباب السابع من ميثاق الاممالمتحدة ، وفقا لنظام الامن الجماعي ، يتضمن عملا عسكريا معينا . ان الفضل يرجع للدستور الفرنسي الصادر في 3 سبتمبر عام 1791 ، و الذي منح البرلمان سلطات واسعة تبدأ من اندلاع القتال و حتى وقفه ، ووزعت سلطة فعل الحرب بين الملك و البرلمان ، إلا أن دستور الجمهورية الرابعة في فرنسا منح صلاحية استثنائية لرئيس الجمهورية تسمح لع بأن يتخذ قرار الحرب منفردا عندما يوجد تهديد لسلامة البلاد . و في ذات الحقبة سجل الدستوريون الامريكيون انضمامهم لهذا المبدأ بمنح سلطة اعلان الحرب للكونجرس ، الجهة التشريعية في النظام الدستوري المعتمد .و هنا صار التأكد بحظر اعلان الحرب إلا بعد تصويت مباشر لممثلي الشعب ، يشكل ضمانة جوهرية للمواطنين . طبيعي أن تسند للجسم التشريعي للدول سلطة التشريع و الرقابة في امور حيوية خطيرة تتعلق بأمن البلاد و منها ارسال قوات عسكرية خارج حدود الدولة ، و تنظم دساتير الدول هذه المسألة التي اثارت الخلط و الجدل الكثيرين في مصر ، رغما أن معظم دساتير الدول قد نظمت و حددت هذه المسألة منذ قرون خلت كما أوضحنا سالفا . لقد صوت الكونجرس الامريكي علي العديد من القرارات المتعلقة بعمليات عسكرية أمريكية في الخارج : في فرموزا عام 1955 ، الشرق الاوسط عام 1957 ، برلين و كوبا عام 1962 ، و كان رد فعل الكونجرس الامريكي أكثر حيوية و نشاطا منذ حرب فيتنام عام 1964 ، باعتماد القرار حول صلاحيات الحرب .، و حين أصدر الرئيس الامريكي الاسبق " نيكسون " في منتصف السبعينات قرارا سريا بقصف كمبوديا ، ووجهت التهمة الجنائية للرئيس الامريكي ، بزعم أنه اتخذ مثل ذلك القرار منفردا ، و دون اعلام الكونجرس ، أوقف رئيس هيئة الاتهام تحريك الدعوي الجنائية ضد الرئيس ، بزعم أن بعض أعضاء الكونجرس قد علموا بالأمر بصورة سرية . و بعد انتهاء حرب " الماليون " بين بريطانيا و الارجنتين عام 1982 ، قدم وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينجتون استقالته ، حين وجه البرلمان المسئولية البرلمانية للحكومة ، و ذلك لعدم اخطار البرلمان البريطاني بعزم الحكومة علي الحرب ضد الارجنتين ، ان الاحكام الدستورية المتعلقة بالحرب و السلام في الديمقراطيات الحديثة ، لا تختلف كثيرا عن ذات الاحكام في الديمقراطيات القديمة ، و لا يتسع المقام لحصر الكثير من دساتير الدول ، التي تتطابق مع الاعلان الدستوري المكمل ، في شأن تنظيم اعلان حالة الحرب ، ففضلا عن الامثلة السابق ذكرها ، فإننا نحيل الي دساتير ألمانيا , و اليابان ، و رومانيا ، و ليتوانيا ، و كرواتيا ، و أسبانيا ، و البرتغال ، و ايطاليا ، و الدانمرك ، و غيرها من الدول . و ختاما ، فقد غفل المنتقدين للإعلان الدستوري المكمل عن أن قرار الحرب أو ارسال قوات مصرية مسلحة خارج الوطن ، يعد من أخطر القرارات التي تتطلب التشاور و البحث ، و اتخاذ القرار وفقا لأسس دستورية ديمقراطية ، و ليس وفقا لنزعات انفرادية انفعالية ، تخسر و لا تكسب ، خاصة و قد جربت مصر مثل هذه القرارات العنترية التي أرهقت البلاد و العباد . : أستاذ القانوني الدولي