الظاهر والله أعلم أن الثورة قد نجحت فى تحقيق معظم أهدافها، لكنها للأسف مثل جميع الثورات فى العالم اجمع قد فشلت في القضاء على ظاهرة الاستنطاع، ونظن أنها لم ولن تقضى عليها، والمتابع جيدا للمشهد السياسي عبر وسائل الإعلام المختلفة يتضح له أن الفترة الماضية أفرزت مجموعة لا بأس بها من الأنطاع الجدد الذين يحملون ملامح الفترة وثقافتها وأدواتها وآلية تفكيرها، والنطع كما خبرناه هو ابن عصره وابن لحظته، ويمتلك قدرة وموهبة مدهشة على التنطع والاستنطاع. فى القواميس النطع هو المتشدق فى الكلام، وفي الحديث: هلك المتنطعون، وهم المتعمقون المغالون فى الكلام، وهم الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: إن أبغضكم إلى الثرثارون المتفيهقون. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: لن تزالوا بخير ما عجلتم الفطر ولم تنطعوا تنطع أهل العراق أي تتكلفوا القول والعمل. ومنه حديث ابن مسعود: إياكم والتنطع والاختلاف، والنطع أيضا: هو بساط الجلد الذى يقتل عليه المحكوم عليه بالإعدام. فى المفهوم الشعبي هو الذى لا يمتلك أية مواهب سوى الوقوف على الأبواب، والنطع هو المتلطع والمتنطع الذى يفرض نفسه كخادم على الأثرياء وعلى الحكام لكى يقتنص حق غيره. قبل شهور حاولت أن أعثر على علاقة بين النطع فى المفهوم القاموسى اللغوى وبين النطع فى المخيلة الشعبية، واتضح أنه من الشخصيات التى تبيع نفسها وتسخر قدراتها لكى تحقق مصالحها، والطريف فى عملية البحث هذه أنني اكتشفت أن أهم ما يجمع بين النطع فى المعنى القاموسي والمعنى الشعبي هو الاستنطاع، حيث يمكنك تقسيم الأنطاع ما بين نطع يستنطع وبين نطع مستنطع، النطع الأول هو الإنسان الذى لا يمتلك ما يعينه على العمل أو الإضافة أو تقديم أى فائدة للآخرين ويعيش عالة على المجتمع وزملائه، وخطورة هؤلاء أنهم ينجحون فى الحصول على ما لا يستطيعون الوصول إليه بقدراتهم العقلية والوظيفية، والذى يلتفت يمينا ويسارا فى أى مؤسسة أو مصلحة أو هيئة سوف يرى حوله بعض الأنطاع يقفون على الابواب ويفوزون بما كان لغيرهم، وكلما جاء رئيس للعمل وقفوا على بابه يستنطعون ولا يتركون الباب سوى إلى باب آخر ورئيس آخر ومصلحة أخرى، وهؤلاء الأنطاع تجدهم فى كل مهنة حتى فى المهن التى تحتاج إلى مواهب وقدرات خاصة، مثل الفن والسياسة والاعلام والصحافة، ومثل سائر المهن يفوز النطع بما هو أكبر من قدراته ومواهبه، لأن المسئولين فى الغالب يحبون الأنطاع ومن يتنطع عليهم، لأسباب عديدة منها استخدامهم فى تحقيق سياساتهم وبرامجهم، كما أنهم من خلال الانطاع يفرضون سيطرتهم على المؤسسات وعلى الرعية. المستنطعون هم النوع الثانى من الانطاع، وهم البسطاء من الناس أو هم غير المتنطعين الذين يقوم المتنطعون باستنطاعهم، وعملية الاستنطاع التي يقوم بها الأنطاع تتم من خلال القفز فوق حقوق الآخرين بالتنطع كما قلنا على أبواب المسئولين والحكام، وفى كل العصور يفوز الأنطاع بنصيب كبير من الكعكة، ويحصلون على حصص كانت لآخرين، وقد اقتنصوها بعد أن نجحوا فى تحويل الآخرين إلى مجموعة من المستنطعين، يشاهدون الأنطاع يتنطعون ويسرقون حقوقهم ويصمتون عجزا أو ترفعا أو خوفا أو جهلا. المشهد السياسي ازدحم بالأنطاع القدماء الذين لقبوا بالمتحولين، والجدد الذين يسعون لإزاحة القدماء أو التوافق معهم، هؤلاء الأنطاع تجدهم فى الميادين والفضائيات يخطبون ويناقشون ويهتفون ويحرضون، وفى المساء يتنافسون على البقاء داخل المشهد واقتناص جزء من الوطن، وللأسف الشديد الأنطاع نجحوا فى السيطرة على غالبية المشهد، بين أعضاء اللجنة التأسيسية، وفى توزيع المناصب والحقائب، وفى ترتيب المشهد وتجهيزه، وفى صياغة الرأي العام، وفى تأهيل المستنطعين إلى قبول القسمة كما حكموا. الأنطاع نجحوا بمهارة فى شغلنا بمعارك هامشية وبهتافات وشعارات حنجورية: يسقط يسقط حكم العسكر، ثوار أحرار هنكمل المشوار، يا مشير قول الحق مرسى رئيسك ولا لأ"، ووسط صراخنا انسلوا إلى الشوارع الخلفية بالميدان وقاموا فى الكواليس بتجهيز التورتة وترتيب الحفلة باسم الثورة، وباسم دماء الشهداء، وباسم جروح المصابين، وباسم الفقراء الذين خرجوا لقوت عيشهم، وغدا أو بعد غد سنشاهدهم (ونحن نهتف ثوار أحرار) وهم يتسلمون أنصبتهم من الثورة، وعيش، حرية، عدالة اجتماعية. .com.Alaaalaa321@hotmail