لم يكن مستغرباً المحاولات المتكررة من جانب النظام السابق لإفشال ثورة الشعب المصري التي اندلعت علي أثر الانتفاضة الشبابية يوم 25 يناير الماضي.. تلك الثورة البيضاء التي أبهرت شعوب العالم وقادتها وقد بدأت تلك المحاولات التدميرية بقرار سحب جميع قوات الأمن من الشوارع علي طول الوطن وعرضه وتعريض الأمن القومي وأمن المواطنين إلي أخطار بعيدة المدي، خاصة في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ الوطن بدلاً من تدعيم الأمن وتأكيد سلامة المواطنين أمام الأخطار التي قد يتعرض لها خلال تلك الفترة الحاسمة ولإشاعة الفوضي الهدامة في أرجاء الوطن علي طوله وعرضه واستمرت السلطة في مخططها التدميري لمصالح الوطن بفتح السجون وإطلاق سراح الآلاف من المحكوم عليهم ومن الخارجين علي القانون وتزويدهم بالأسلحة ودفعهم إلي زعزعة الأمن ونشر الذعر في أرجاء الوطن وكذلك الاعتداء علي مقرات الأمن وأقسام البوليس هنا وهناك وإحراق عدد غير قليل منها تحقيقاً للهدف نفسه ولإلقاء المسئولية علي الثورة البيضاء التي قادها شباب الوطن مطالبة بالعدالة الاجتماعية وبالكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك من المبادئ النبيلة التي تطالب بها الشعوب المظلومة والمغلوبة علي أمرها. ونذكر جميعاً ما تبع ذلك من خطوات وتصرفات غير مسئولة من جانب رجال السلطة والحزب الحاكم وكبار رجال الأعمال المرتبطين بالنظام والذي تمثل في واقعة الجمل المعروفة ومحاولات الاعتداء علي شباب الثورة البيضاء والمتجمهرين في ميدان التحرير في مظاهرة سلمية مطالبة بالتغيير وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ونشر حقوق الإنسان وغيرها من المبادئ التي تنادي بها الثورة والتي أعلنت عنها منذ انطلاقها!! الأمر الذي أدي إلي سقوط أعداد غير قليلة من الضحايا تحت رصاص القناصة ومثيري الشغب التي جاءت بهم السلطة والحزب الحاكم لاختراق الثورة السلمية التي دعا إليها شباب المجتمع رجالاً ونساء. إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهيه السفن وأسفرت تلك المعارك علي انضمام الآلاف بل الملايين من أبناء الشعب شمالاً وجنوباً. وزادت شعبية هذه الخطوة الشبابية وتحولت إلي ثورة بيضاء تعبر عن مصالح وآمال الشعب المصري الذي ظل يرزح تحت النظام الدكتاتوري الفردي للحزب الواحد والحاكم الواحد لأكثر من ثلاثين عاماً.. وكان من الطبيعي أن ينكشف هذا المخطط الإجرامي وأن تسرع هذه الأحداث إلي نهاية الحكم الاستبدادي وأن تنسحب السلطة بكاملها من الساحة السياسية وأن يقف الجيش إلي جانب الثورة بدلاً من أن يهرع إلي إنقاذ السلطة من السقوط. وعلي الرغم من مرور قرابة الشهر علي اندلاع هذه الثورة المباركة التي انبهر بها العالم وتحدث عنها زعماؤه ورؤساؤه، إلا أن محاولات إفشال هذه الثورة لاتزال تتكرر بصور أخري أكثر خطورة وأكثر انفعالاً ولعل آخرها محاولات تعطيل دولاب العمل في مناحي الحياة العامة وفي المصانع والشركات وغير ذلك من مؤسسات الدولة. إن الإضرابات الفئوية ومطالبات العمال بحقوقهم وتعديل شروط عملهم وغير ذلك من الاحتجاجات بإشارة ليست من عمل شباب 25 يناير المطالبين بحقوقهم وحريتهم وكرامتهم بل هي من أعمال نقابات العمال التي يسيطر عليها رجال السلطة حتي يومنا هذا وتستخدمهم لإحداث الفوضي الهدامة في المجتمع ومحاولات إفشال الثورة البيضاء التي قام بها شبابنا. إن ما يطالب به أبناء الثورة منذ 25 يناير الماضي مطالب طبيعية وعادية، فعلي ما يبدو أننا قد أغفلنا الحقيقة بأن ما قام به شباب الوطن هي ثورة وليست انقلاباً أو انتفاضة وللثورات عبر التاريخ مطالب أكثر شراسة وأكثر حدة ولعل ما حدث في كثير من دول شرق أوروبا وفي البلقان في السنين الأخيرة لدليل واضح علي مدي رقي وتمدين ثورتنا البيضاء التي اندلعت في 25 يناير الماضي. ولا ريب أن تحرك المسئولين عن الحكم بعد انسحاب النظام السابق وتجاربهم مع مطالبهم العادية مع تغيير الحكومة واختيار رئيس الوزراء بعيداً عن السلطة وليس من عباءتها تعتبر خطوة إيجابية نحو عودة الحياة الطبيعية للوطن مرة أخري في فترة قصيرة.. إن أهم ما أسفرت عنه الثورة هو كشف الفساد الذي كان يسود المجتمع وعدد الفاسدين الذين استولوا علي ثروات الوطن من أراض وأرصدة وأموال البنوك وغير ذلك من مظاهر الفساد التي بدأت تتكشف في الأيام القليلة الماضية والمعروف أن النظم الدكتاتورية الفاسدة تفرز علي مرور الوقت طبقات لا حدود لها من الفاسدين ومن المستفيدين من السلطة ومن المستغلين لها.. هذا في الوقت الذي تزداد فيه مظاهر الفقر والجهل والمرض وتنتشر المناطق العشوائية وسكان المقابر وأطفال الشوارع وغير ذلك من مظاهر التدهور في مؤسساتنا التعليمية والصحية والخدمية وغير ذلك في الوقت الذي تتراكم فيه الثروات بالمليارات في أيادي أعداد قليلة من المستفيدين ومن المستغلين ومن المطالبة للسلطة عبر السنين. إن قيام الشباب يا سادة بإعادة تنظيم وطنهم في ظل غياب سلطات الأمن والسهر علي أمن وسلامة الوطن إن دل علي شيء فهو دليل علي المعدن الأصيل الذي يمثل الشعب المصري بتاريخه الطويل وحضارته الممتدة عبر التاريخ. ومن هذا المنطلق لم يكن مستغرباً أن تعرب الشعوب المحيطة بنا شرقاً وغرباً عن إعجابها وتقديرها لما حدث في مصر خلال الفترة القصيرة الماضية.. إن مسئولية حماية الثورة والحفاظ عليها تقع علينا جميعاً ومن الخطأ أن نترك خفافيش الظلام والعودة إلي الوراء أن تجرنا إلي الخلف وأن تنجح في مخططها في تدمير ثورتنا الشابة وفرحتنا التي عمت جميع القلوب وجميع العقول فهل نحن قادرون علي ذلك أم أننا سنغفل عن هذا العمل الوطني الذي دعينا إليه؟!