في اعقاب موجة الاحتجاجات التي اجتاحت الشارع المصري منذ يوم ال 25 يناير والتي بدأت بصيحة أطلقها الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي علي الانترنت لحشد القوي الوطنية لتحريك الجمود في الحياة السياسية، واستطاعت أن تسمع صدي هتافات الشباب ممن أشعلوا جذوتها في العديد من الميادين بمحافظة القاهرة لتحشد بذلك الآلاف من الجماهير الغاضبة التي خرجت للشارع بمطالب مشروعة منها: القضاء علي قانون الطوارئ داخلياً والقضاء علي مشكلات البطالة والقضاء علي الفساد، وخارجياً إلغاء السياسات الداعمة لإسرائيل؛ لتنقسم بذلك قوي المعارضة والمؤيدة لمبارك وفقاً لجملة مطالبها والأحداث التي أسفرت عنها الانتفاضة. ويرتسم المشهد في 25 يناير بتلبية العديد من جموع الشعب الثائرة لنداءات الاحتجاج والتي ذاع صداها في العديد من المدن والمحافظات المصرية والتي لم تستطع التطويقات الامنية من ردع المتظاهرين أو منعهم في الميادين المختلفة؛ حيث شهدت أرجاؤها في العديد من أحياء القاهرة التي خرجت منها جموع الشعب الغاضبة من الانضمام إلي ذويهم في ميدان التحرير، والمتظاهرون اخترقوا الكردونات الأمنية العديدة، رافعين أعلام مصر وانطلقوا مسرعين لميدان التحرير. وتصف الناشطة د. كريمة الحفناوي هذا المشهد في الأيام الأولي من الاحتجاجات قائلة: "إن عددا كبيرا من المتظاهرين تجمعوا أمام دار القضاء العالي وانضم إليهم حشد من المواطنين كانوا داخل الكردون الأمني وتحركت المسيرة في شوارع وسط البلد في محاولة للوصول إلي دوران شبرا".. مشيرة إلي احتجازها مع الناشطة شاهندا مقلد في ميدان روكسي بمصر الجديدة لمدة نصف الساعة عند محاولتهما تنظيم مسيرة أيضا هناك، وسط جموع الجماهير الثائرة مع مجموعة من الناشطين، واضطر الأمن إلي تركهم بعد التهديد بالوقوف في منتصف الشارع وتعطيل حركة المرور. مشاهد الانتفاضة الشعبية وفي الوقت الذي لم تنجح خلاله الموانع الأمنية من ردع المتظاهرين أو شل حركتهم لعدم الوصول إلي قلب ميدان التحرير الذي كان قد اكتظ بآلاف الغاضبين قامت القوات الامنية بإحاطتهم بداخله، واشتبكت الشرطة مع آلاف المصريين الذين تزايد عددهم في اليوم الثاني متحدين الحظر الحكومي في ذلك اليوم، وواصلوا الاحتجاج علي حكم الرئيس حسني مبارك المستمر منذ 30 عاما. ولم تجد الشرطة بدا من تفريقهم الا باستخدام القنابل المُسيلة للدموع علي الحشود وسحبت متظاهرين بعيداً. وأشعل محتجون النار في الإطارات ورشقوا الشرطة بالحجارة في حين تجمعت حشود في مناطق مختلفة من القاهرة، وقد دعا نشطاء مصريون إلي الخروج للشوارع مجددا يوم الأربعاء بعد يوم من الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي أطلق عليها "يوم الغضب" في أنحاء مصر، وأسفرت عن مقتل ثلاثة محتجين وشرطي. وقال مصدر بوزارة الداخلية إن قوات الأمن اعتقلت نحو 1500 متظاهر خلال الانتفاضة، وقال شهود إن ضباطا كان بعضهم يرتدي ملابس مدنية اقتادوا أشخاصاً وزجوا بهم في عربات فان مدنية . وقال شهود عيان إن الشرطة أطلقت الأعيرة المطاطية علي المحتجين في ميدان التحرير بوسط القاهرة عشية الإحتجاجات، وقام أفراد من الشرطة يرتدون الثياب المدنية بجر محتجين من الحشد وضربهم بالهراوات لترتفع أصوات الثائرين بهتافات: "الشعب يريد إسقاط النظام".. وتعلو بذلك مطالبهم التي كانت نتاج سياسات الحكومة الخاطئة . واضافوا إن الشرطة استخدمت شاحنات مكافحة الشغب لاختراق حشد من نحو ثلاثة آلاف شخص وإجبارهم علي التفرق الأمر الذي فاقم أعداد شهداء الثورة بمختلف ربوع البلاد. وقد اعتمد المتظاهرون علي سياسة "التجمع فجأة وبسرعة دون سابق انذار أو اعلان لمباغتة قوات الامن التي كانت - وفقاً لأقوال شهود العيان في ذلك اليوم - تقوم بتفريق المتظاهرين عنوة باستخدام الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والسير العشوائي والمفاجئ لسيارات الشرطة ليقوم أفراد الأمن المركزي بإحاطتهم في دوائر لاعتقالهم بصورة عشوائية؛ ليزداد حجم الممارسات العنيفة ضد جموع الشعب الثائرة والتي لم تخش عمليات الردع العشوائي لقوات الامن لتتزايد جموع المتظاهرين علي مدار الأيام الأولي من الاحتجاجات التي اضرمت نيرانها بسرعة داخل المحافظات المصرية الأخري بشكل كبير، خاصة في السويس والإسكندرية وسيناء بصورة كبيرة خاصة بعدما سقط العديد من القتلي بلغ عددهم سبعة قتلي واكثر من خمسين مصابا جراء اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة في الأيام الأولي للتظاهر منهم من سقطوا برصاص القناصة . وارتكبت الحكومة بعدها خطأ فادحًا في التعامل مع الازمة المتزايدة بقطع وسائل الاتصالات سواء الانترنت أو التليفون المحمول لمنع التظاهرة الكبيرة التي دعا اليها المحتشدون يوم الجمعة الموافق 28 يناير بعد ان أسموها بجمعة الغضب، والتي خرجت من خلالها جموع الشعب الغاضبة من مختلف انحاء الجمهورية في القاهرة والإسكندرية والشرقية والفيوم وبني سويف وأسوان والمنصورة والغربية والقليوبية وبورسعيد والسويس. وحددت الحملة الشعبية لدعم البرادعي مطالب التغيير المعروفة باسم لازم بالتنسيق مع حركة 6 أبريل في جميع المحافظات بالإضافة للقاهرة لتنفيذ فعاليات ما أطلق عليه جمعة الغضب، وطلب بيان الحملة ممن يرغبون في المشاركة إحداث أي نوع من الضجيج بأي طريقة يرونها وفي أي مكان يفضلون حتي لو كان "بالكونات" منازلهم أو مقار عملهم أو سياراتهم. وشدد البيان الثاني لمطلقي يوم الغضب علي عدم الاحتكاك بالأمن تماماً.. مطالباً المشاركين في حال فوجئ أيهم بحصار أمني بإنهاء الفعالية فورا أو الانتقال لمكان آخر، إضافة إلي المطالبة بالحرص علي وجود كاميرات فيديو أو فوتوغرافيا لتوثيق الأحداث . ولم يسبق لهذه الاحتجاجات المنسقة مثيل في مصر منذ وصول مبارك الي السلطة في العام 1981 ليدفع خلالها المتظاهرون شكواهم من الفقر والبطالة والفساد والقمع ويطالبون بتنحي مبارك مستلهمين الانتفاضة الشعبية في تونس. ويستمر المشهد الاحتجاجي بسقوط القتلي والجرحي ليعقبه الانفلات الأمني بعد انسحاب الشرطة وعمليات السلب والنهب التي اجتاحت القاهرة والمحافظات وروعت الآمنين ليبقي حل واحد أمام الحكومة وهو استقالة الحكومة وتعيين حكومة د. أحمد شفيق واللواء عمر سليمان نائبًا للرئيس مبارك والذي دعا القوي السياسية الي الحوار ومناقشة مطالب المحتجين من الشباب والتي ظهرت في كنفها أيضا العديد من القوي السياسية الاخري التي لم يتغير موقفها أيضا حتي بعد خطاب الرئيس وإعلان نيته بعدم الترشح لفترة قادمة، لتعلو أصواتها بعدة مطالب أخري تعالي سقفها وأولها رحيل الرئيس مبارك الفوري وحل البرلمان بمجلسيه، وضمان مستوي معيشي أفضل والقضاء علي مشكلات البطالة والدعم وارتفاع الأسعار والحرية في المشاركة في الحياة السياسية والقضاء علي الفساد الذي استشري في البلد بمعاقبة المتسببين فيه.. يأتي هذا وسط ردود أفعال متباينة من المجتمع الدولي حيال الموقف في مصر . وبتحليل المشهد الراهن علي الساحة المصرية والسياسات التي اضرم بها النظام المشهد المتأجج والتي نجحت مؤخراً في اسقاط نظام الرئيس مبارك نستعرض اراء الخبراء ومرجعيتهم المؤيدة والمعارضة لما ستعود إلي الثورة الشعبية وأين ستحط رحالها؟ يعقب د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، علي شرعية التظاهرات؛ قائلا: ان ما حدث في الأيام الاولي للتظاهرات السلمية من جرائم بسبب الممارسات الأمنية والتي اشعلت جذوة الثورة، إنما كانت إنعكاسا لسلبية القرارات التي اتخذها النظام السابق والتي ساهمت في تقويضه من خلال محاولات الجهات التنفيذية المتمثلة في الشرطة في تصحيح أعمالها، ولكن بصورة خاطئة لتستمر التظاهرات المنددة بالنظام الحاكم الذي تغافل عن أوزار الحكومة ليطالب الشعب بإسقاطه ويحقق إرادته وكان منطقيا أيضا رفض تعيين حكومة أحمد شفيق والموقف المناهض من الدعوة للحوار التي نادي بها عمر سليمان نائب الرئيس السابق وفي خضم هذه الأحداث لن توجد إشارة ببناء نظام سياسي جديد يرضي جموع الشعب الثائرة في ظل خضوع الأحزاب وغياب القيادة الشبابية. ويضيف د. نافعة: أن الحالة الأمنية المتردية الآن في الشارع المصري إنما هي أيضا جريمة تضاف إلي جرائم والذي كان بسبب انسحاب مليون و700 ألف من أفراد الامن بقرار سبق رجوعهم أيضا بقرار آخر؛ وذلك، لم يكن موفقاً فيه مطلقاً بأن يراهن علي أمان المواطن المصري؛ الامر الذي ادي الي انهياره كلية لدي الشارع بمختلف اطيافه. ويتجاذب أطراف الحديث منه د. عمرو جاد بمركز الاهرام للدراسات الاسترتيجية؛ قائلا: أعتقد أن مطالب الشعب المصري مشروعة، خاصة في خضم الأزمة الراهنة والتي استطاعت أن تعري حقيقة النظام مما جعل جموع المعارضين لمبارك في الشارع المصري يطالبون مباشرة بضرورة الرحيل الفوري لنظامه عن السلطة؛ معلنين عن ثقتهم في المؤسسة العسكرية التي آل إليها حكم البلاد خاصة أنه لا أحد يريد تكرار تجربة حرق مصر. ويضيف: فمن الضروري للخروج من الأزمة الراهنة أن تتولي حكومة "تكنوقراط" حماية مصر وفي غضون أقل من عام تعمل جاهدة علي أن يكون لدينا دستور ومؤسسات وتداول للسلطة بشكل سلمي.. ويشير الي أن أحد السيناريوهات التي كانت مطروحة خلال الأزمة أنه في حال رحيل مبارك فإنه سيمكن التفاهم مع القوي المعارضة علي تشكيل مرحلة انتقالية لوضع نظام يمكنه ادارة دفة البلاد للخروج بها من ازمتها؛ قائلا: أعتقد ان المسألة درس لكل طغاة العالم بأنه لا بديل عن تداول السلطة بشكل سلمي من خلال مؤسسات تحمي الدستور والوطن من خلال توافق وطني مع القوي السياسية باختلاف توجهاتها. وعلي صعيد آخر، يقول اللواء سامح سيف اليزل الخبير الامني: إن الكثير من القوي الشعبية والسياسية عارضت سياسات الرئيس مبارك ولن تقبل بتكرار السيناريو مع أي نظام قادم والتي يري الكثير أنها كانت سبباً في اشعال هذه الازمة التي قادت إلي الديمقراطية فماذا كان المشهد حاليا إذا تم التعديل الوزاري والحكومي واعلان قرار الرئيس نفسه عدم إنتوائه للترشح فترة أخري من الرئاسة أو إعلانه أيضا عن إغلاق ملف التوريث نهائيا؟ ففي هذه الحالة كان من الممكن ان يتقبل الشعب بجموعه الثائرة هذه القرارات دونما أن تجد أي انتقاد من القوي المعارضة أو المجتمع الدولي والذي يرقب كل صغيرة وكبيرة علي الساحة المصرية ويحاول التدخل بطريقة أو بأخري في الشأن الداخلي المصري لتتسع رقعة المعارضة للنظام شيئا فشيئا، الامر الذي يشكل أكبر تهديد للاستقرار السياسي في مصر. وفي سياق آخر يؤكد اللواء جمال أبو ذكري الخبير الأمني رفضه لأسباب اندلاع هذه التظاهرات والتي يستطيع العاقل ان يهتدي اليها من خلال المطالب المصرية وعلي رأسها "قانون الطوارئ" والذي أعلن انه ضده آملاً أن ستجيب المؤسسة العسكرية للبيان الشعبي الذي تضمن هذا المطلب معرباً عن ثقته في توليها أمور الدولة. مشيراً إلي أن قانون الطوارئ أفرغ من مضمونه وأصبح غير قادر علي مواجهة الإرهاب. ويري انه في المقابل لابد من إصدار قانون الإرهاب وذلك لمجابهة أي خطر قد يحيق بالبلاد في الفترة التي أعقبت الانفلات الأمني واعادة الاستقرار مرة أخري في الدولة.. مؤكداً أن الأمن المصري يتمتع بمميزات خاصة تجعله قادرا علي حماية الأمن القومي المصري، ولابد أن يشارك المواطنون بالتعاون مع أجهزة الأمن في كشف أي مخطط إرهابي. ويقول المحلل السياسي د. عمرو الشوبكي: إن الثورة الشعبية المصرية كان لها اكبر الاثر في ان تجتمع قوي المعارضة علي طاولة واحدة للتفاوض من خلال الحوار مع اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق والذي تضمن بعض النقاط الإيجابية وأيضا كان له أكبر الاثر في إعادة تنظيم صفوفها لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة. ولكن يحذر د. الشوبكي من أن هناك تخوفًا من عدم ترجمة هذه الوعود بشكل صحيح، فلا يمكن الاعتماد علي النوايا فقط، لأن الشارع مختلف.. مشيراً في الوقت نفسه إلي الحاجة لمجموعة من الإجراءات للعمل السياسي؛ أولها: محاسبة المتسببين في أحداث الفوضي الأخيرة بميدان التحرير، ففي الوقت الذي دعت فيه القوي السياسية للحوار تم الاعتداء علي الشباب في التحرير. وعتب علي النظام الحكومي بكونه المسئول الأول عن تلك الأحداث.. داعيا الحكومة من جديد لفتح حوار مع الشباب، الذين لا ينتمون إلي أي حزب سياسي.. مؤكداً أن هذه التظاهرات الاحتجاجية انما حركت جمود الحياة السياسية لتخرج بها إلي آفاق جديدة من شأنها صالح مصر وشعبها. وفي سياق آخر، يقول د. السيد البدوي رئيس حزب الوفد، إن سياسة مصر الأن أصبحت مسئولية ضخمة يضطلع بها الجيش والوفد وإن كان يخوض عمليات الاصلاح السياسي التي بدأتها التظاهرات الاحتجاجية في 25 يناير، فإنه ليس له طموح في أي منصب سياسي إنما نريد فقط الوصول إلي نظام مستقر ودستور علي غرار الفترة الماضية يقر إطلاق حرية الاحزاب الضيقة التي لا يفكر فيها اي مسئول سبق للاضطلاع بدورها في الحياة السياسية. ويعرب البدوي عن أمله في أن يتبلور دور في صورة إيجابية كقوي معتدلة ونزيهة ويتم فصل الرئيس عن رئاسته لأي حزب. ولا يمكن أن نتخلي أيضا عن مطلبنا الأساسي في تخلي الرئيس مبارك عن رئاسته للحزب الوطني. ويري د. البدوي أن التدخل السافر لأمريكا وايران في الشأن المصري الداخلي طيلة الفترة الماضية ولما يطرأ من مستجدات لهو أمر مرفوض مطلقاً ولا يعيره أي انتباه لأننا من سيصنع الديمقراطية ولن نسمح لأمريكا أو أي قوي أخري من أن تسطو علي انتفاضة شباب مصر. وعلي جانب آخر من القوي السياسية المعارضة وموقفها من دعوة النظام المصري للحوار. وينوه الفقيه الدستوري يحيي الجمل إلي ضرورة تحقيق إصلاحات حقيقية، وأن الشباب سينزل الشارع مرة أخري إذا لم تتحقق الديمقراطية ولكن يعلن ثقته في الجيش لتحقيق ما نادت به الثورة وعلي مستوي الشأن الخارجي يقول المحلل السياسي إسكندر العمراني: إن القيادة الجديدة ستكون لديها رؤية مختلفة حول السياسات المصرية التي تنتهجها البلاد سواء داخليا أو خارجيا، خاصة فيما يتعلق بدعم إسرائيل بما يرضي ايضا جموع الشعب الثائرة في مصر والمنتهجة لسياسات مبارك الخارجية.. مشيرا الي ان ذلك سوف يؤدي ايضا الي تراجع الهيمنة الأمريكية علي القرار المصري، وازدياد التعاون العربي والإقليمي.