سيواجه رئيس مصر الجديد عدة ملفات شائكة على الصعيد الخارجى، تمثل تحديا سياسيا خارج الحدود وذلك بجانب القضايا الداخلية المعقدة، فعلاقات مصر الخارجية مع دول بعينها، تمثل اهمية كبرى للاستقرار المصرى على الجبهات الخارجية من جهة، ومن جهة اخرى تمثل ثقلا لدعم مصر اقتصاديا وماليا وتحقيق المكانة الدولية المقترض ان تتمتع بها مصر كرمانة الميزان فى المنطقة العربية، وبؤرة الاستقرار فى الشرق الاوسط عامة. ومن اهم الملفات التى تواجه الرئيس المنتخب محمد مرسى، اعادة التفاهم مع دول حوض النيل ، واستعادة الدور المصرى الأفريقي ، فبعد ثورة يناير حاولت القوى الشعبية والسياسية الحزبية اصلاح ما خربته سنوات التدهور التى اصابت العلاقات المصرية الافريقية خاصة مع دول حوض النيل خلال حكم "مبارك" خاصة فى السنوات الأخيرة، فقد تجاهل نظام "مبارك" ان المصالح المصرية التى لا يحققها على ارض الواقع الا النفوذ المصري وليس الانعزال والتجاهل ، وهو التجاهل الذى حدا بدول حوض النيل الى التجمع معا وعقد الاتفاقيات التى تصب فى مصلحتهم بعيدا عن مصر ، حاولت من خلالها دول حوض النيل تقليص حصة مصر من مياة النيل ، الامر الذى سيجعل كل فرد من شعب مصر يتعامل مع " كوته " اقل تخفض من نصيبة فى مياة النيل ، مما سيسبب ازمة لا علاج لها من تدهور زراعى وعجز فى مياة الشرب وفقر عام ، ودول حوض النيل لجأت الى تكريس اتفاقياتها بمعزل عن مصر بايعازات وتدخلات خارجية منها الامركيى واليهودى ، وتتعلل دول حوض النيل بان لديها مشكلات فى المياة ، ولكن الواقع يقول ان لديها مشكلات فى إستثمارات المياة. فدول منبع النيل تعتمد في الزراعة على الرى بالأمطار بنسبة %90 أو 95 % ، لذلك فالاهتمام بالأبحاث العلمية التى يمكن من خلالها مساعدة دول منبع او حوض النيل استغلال هذه المياة واستثمارها ، سيزيل من لديها مخاوف العجز فى المياة ، وبالتالى سينعكس على علاقتها بانصبة الدول الاخرى فى المياة وعلى رأسها مصر ، ومن اللافت للنظر ان مصر ليس لديها ولا مسؤل واحد رسمى سواء فى الخارجية فى الرى كمبعوث لدى دول حوض النيل ، وهو امر مثير للتساؤلات ، ويجب على رئيس مصر الجديد التنبه له بقوة من اجل مصلحة مصر ومستقبلها ، فالأمن المائي والغذائي من أهم القضايا المرتبطة بالأمن القومي لدول حوض النيل، وله دورا كبيرا في وضع تصور لتكامل اقتصادي بين دول الحوض، لاسيما وأن دول الحوض شهدت الكثير من المجاعات، وكذلك فى صراعات بين الدول الإفريقية والعربية علي تقسيم مياه النيل، فهذا التكامل سيعالج المشكلات البيئية والتنموية. ويجب ان تركز سياسة مصر الخارجية المصرية الإفريقية على عدة اولويات، اولها تنشيط العلاقات السياسية مع الدول الإفريقية خاصة دول حوض النيل ، لعب مصر دورا فاعلا فى الوساطة الافريقية و احتواء الأزمات الداخلية والصراعات بهذه الدول قبل أن تتفاقم، وعودة دور الدبلوماسية الوقائية، تنشيط ودعم تبادل المشروعات الاستثمارية والتنموية مع بلدان افريقيا كما يجب التركيز على علاقات مصر بالسودان ، خاصة وانها تشهد الان حراكا ثوريا ضد نظام عمر البشير ، وهذا يجعل موقف مصر اكثر حساسية بالنسبة للملف السودانى ، فمن المؤكد ان نظام البشير ينظر لمصر بتوجس ، خشية ان تطول الثورة المصرية التى اطاحت بنظام مبارك هذا البلد الافريقى . لذا يجب ان يتسم دور مصر بالحكمة السياسية الرشيدة فى التعامل مع النظام السودانى ، والسعى لاجل اقامة الحوار معه لتنفيذ وتحقيق المطالب الشعبية السوداينة بصورة عاجلة لا تباطؤ فيها ، فالسودان يمثل عمقا استراتيجيا لمصر، وكل ما يحدث فيه يكون له اكبر اثر علي الأمن والمصلحة القومية المصرية، و أمن مصر من ناحية العمق الإفريقي مرهون بأمن السودان واستقراره. لذا، تبرز أهمية السياسة المصرية تجاه السودان للحفاظ علي استقراره، وفي تعزيز التكامل بين الجانبين المصري والسوداني خاصة بعد ان انقسم السودان لدولتين شمالية وجنوبية ، وهى سياسة تستوجب صياغة استراتيجيات جديدة يتم من خلالها التعامل مع كل المعطيات، لتحقيق التقارب بين الشعبين و أكبر قدر من المصلحة المتبادلة ، وان تراعى مصر فى ذلك السير على ثلاثة محاور ، الاول توطيد العلاقات مع حكومة الخرطوم ، طرح خيار وحدة وادي النيل كخيار استراتيجيومحاولة تذليل تحدياته ، تعاون مصر مع دولة الجنوب ، لإيجاد روابط استراتيجية قوية بينها وبين الجنوب من جهة وربطها ايضا بمصالح الشمال السودانى ، الاسهام فى وقف الحروب والصراعات بين الشمال والجنوب لما يشكله هذا من زعزعة للأمن القومي في وادي النيل ، بذل المساعى السياسية لإيجاد حل سريع وعادل لأزمة دارفور، واتباع سياسة حكيمة في منطقة التماس (جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي). والان فان لعب مصر دور خارجي فاعل في القارة الإفريقية فى الفترة القادمة يجب الا ينفصل عن الشأن الداخلي المصري، فصياغة نظام سياسي ديمقراطي بمصر ، من المؤكد سيكون نموذجا ملهما ومؤثرا لباقي دول القارة الافريقية . التحدى الاسرائيلى ثانى الملفات التى تواجه مصر خارجيا هى الحفاظ على السلام مع اسرائيل واحداث التوازن فى التعامل مع حركة حماس فى قطاع غزه ، اذا لا يمكن اغفال العلاقة الوطيدة التى تربط حماس بجماعة الاخوان التى قدمت الدكتور محمد مرسى ودعمته حتى فاز بالرئاسة ، وحماس تعول كثيرا على الاخوان والسلطة التى ستكون لهم فى مصر ، لنصرتهم على اسرائيل ، وهذا ملف غاية فى الحساسية ، يتطلب من الرئيس الجديد احداث موازنة ستكون صعبة بين الحفاظ على العلاقات حيادية لا تجر مصر الى حرب جديدة مع اسرائيل ، وكذلك الحفاظ على علاقة متوازنة مع حماس التى تقود المقاومة ضد اسرائيل ، وتثور التأويلات والتكهنات ان حماس تطمح لفتح معبر رفح ، وان تكون سيناء متنفسا للفلسطينيين وارضا لهم فى المستقبل ، غير ان هذه التكهنات حاولت حماس نفسها نفيها بعد اعلان فوز مرسى ، وقالت انها لن تشكل عبئا امنيا على امن مصر القومى ، كما ان التخوف الاسرائيلى من مساس الرئيس الجديد باتفاقية السلام ، يجعلها تترقب عن قرب التحركات المصرية وتستعد لها . من هنا فان حفاظ مصر على اتفاق السلام ، ولعب دول متوزان مع حماس ، بجانب الوقوف بجانب الفلسطينين فى الخطوات المرتقبه لاعلانهم دولتهم ، يشكل تحديا خطيرا ، ويتطلب حكمة عالية فى التعامل مع هذا الملف الشائك ، فلجؤ فلسطين الى الجمعية العامة للامم المتحدة للاعتراف بها كدولة غير كاملة العضوية سيتكلب من مصر الدعم ، وفى هذا اغضاب لاسرائيل وتهديد للعلاقات معها ، لذا على الرئيس المصرى ان يحسب بميزان المكسب والخسارة كل خطوة فى الملف الفلسطينى الاسرائيلى بجانب عدم التخلى عن الدور المصر الداعم لقيام دولة فلسطينية على حدود 67 . ايران والخليج اما ثالث الملفات فهى التوازن بين العلاقات الايرانية وبين علاقات مصر بدول الخليج ، وليس بخاف على احد ان ايران بذلت جهودا كبيرة منذ انطلاق ثورة يناير لمد جسور التقارب لمصر ، فهى تستدعى اعلاميين وباحثين وعلماء الى اراضيها ، وتحاول غلغلة النفوذ الشيعى على ارض مصر ، والتقارب الايرانى المصرى يثير الحذر والمخاوف بين دول الخليج او مجموعة دول مجلس التعاون الخليجى ، خاصة مع التهديدات الدولية لايران بضربها لايقاف مشروعها النووى الذى يثير قلق الغرب وايضا قلق دول الخليج العربى ، لذلك فاحداث التوازن بين العلاقات المصرية مع ايران ، و تحقيق القاهرة توازنا اخر فى علاقتها مع دول الخليج العربى ، سيعد اختبارا حقيقيا لذكاء مصر السياسى فى المرحلة المقبلة ، بحيث لا تمثل العلاقات المصرية - الإيرانية تعارضا مع علاقات مصر مع دول الخليج العربية، مع تأكيد مصر حرصها على أمن دول الخليج ، فلا تكون علاقتنا مع إيران بديلة لعلاقتنا مع دول الخليج خاصة العلاقات مع المملكة العربية السعودية والكويت والامارات وقطر ، والتى يوجد لمصر بها عمالة كبيرة ومصالح اقتصادية مشتركة ، لذا يجب على مصر ان تلعب فى المرحلة المقبلة دورا فاعلا فى اقناع ايران بالتخلى عن طموحها النووى ، او تقديم الضمانات الحقيقة للغرب بانها لا تسعى لامتلاك السلاح النووى ، وان تعمل على دفع دول الخليج للانخراط مع إيران في مفاوضات مباشرة حول الملف النووى من اجل تحقيق الاستقرار فى منطقة الخليج ، فليس من مصلحة دول الخليج العربى ضرب ايران ، ودخول قوات اجنبية بالمنطقة مجددا ، ويكفى ما حدث فى العراق ، وعلى مصر ان تلعب دورا مؤثرا وحاسما فى انهاء الانقسامات المُربكة بدول الخليج ، وتوثيق علاقاتها مع دول مجلس التعاون . يضاف الى هذه الملفات ايضا علاقة مصر مع دول الربيع العربى ، تونس ، ليبيا ، والتى لا تزال تشهد كل منها توترات وعدم استقرار حقيقى ، وهو امر يتطلب الحكمة وتقديم مصر العون والمشورة لهذه الدول للوصول الى الاستقرار والديمقراطية الحقيقية ، كما تمثل سوريا اشكالية حقيقة لمصر ، خاصة مع تصاعد التكهنات بامكانية ضربها عسكريا لانهاء نظام بشار الاسد ، وهو ملف يتطلب مشورة خبراء سياسيين ذو خبرة استراتيجية وتكتيكة هائلة ، للتعامل مع الملف السورى ، هذا بجانب علاقات مصر مع امريكا واروبا وبقية دول العالم ، وخلاصة القول ان مصر عليها عبء ثقيل فى المرحلة المقبلة ، لاستعادة مكانتها ودورها الريادى فى المنطقة العربية بعد ان غيب نظام مبارك هذا الدور طويلا، او ادى الى زحزحته كما ساهمت ثورة يناير فى احداث فراغ سياسى ، والان بعد قدوم رئيس جديد لمصر لقى ترحيبا دوليا غير مسبوق لانه قدم من صناديق الانتخابات ، على مصر ان تستثمر الترحيب بولادة الديمقراطية بها لاستعادة دورها على كافة الاصعدة ، خاصة الافريقية والعربية والخليجية .