تاريخ السينما المصرية ملىء بالعمالقة على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، منهم على سبيل المثال وليس الحصر زكى رستم وحسين رياض وأنور وجدى ونجيب الريحانى وإسماعيل يس وشكرى سرحان ورشدى أباظة وكمال الشناوى، ولكن تاريخ السينما المصرية سيتوقف كثيرًا عند أحمد زكى الذى مرت ذكرى رحيله ال14 منذ أيام، تلك الحالة الفنية النادرة التى ظهرت على الساحة السينمائية فى أوائل سبعينيات القرن الماضى، حيث كانت الساحة السينمائية فى ذلك الوقت مليئة بالنجوم الذين يمتلكون جاذبية ووسامة منهم محمود يس وحسين فهمى ونور الشريف، وكان العملاقان فريد شوقى ورشدى أباظة فى قمة توهجهما الفنى. أحمد زكى كان يمتلك الموهبة، لكنه كان بعيدا كل البعد عن فتى السينما التقليدى، ولكن أحمد زكى كسر القاعدة تمامًا بموهبته الفذة وطموحة الشديد. نعرض فى هذا التقرير مشوار أحمد زكى حتى وصل لنجومية ربما لم يصل إليها فنان قبله، بدأ مشواره الفنى كما قلنا فى أوائل السبعينيات بأدوار صغيرة سواء فى المسرح أو السينما. شارك بدور صغير للغاية فى مسرحية هاللو شلبى 1972 أمام العملاق عبدالمنعم مدبولى والشابين محمد صبحى وسعيد صالح فى دور جرسون يقلد الفنانين ولفت الأنظار بشكل أو بآخر. ثم شارك فى مسرحية مدرسة المشاغبين التى حققت نجاحًا أسطوريًا وجسد دور أحمد الشاب الفقير الشاعر ولفت الانظار بصورة أكبر، ولكن كان طموحه فى السينما كبيرًا للغاية، شارك بدور صغير أيضًا فى فيلم بدور 1974 مع محمود يس ونجلاء فتحى فى دور عامل مجارى. لم يتعجل النجومية، ثم قام بدور أكبر فى فيلم العمر لحظة مع الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحى وجسد دور جندى فى حرب الاستنزاف يستشهد لكنه قبل هذا الفيلم أصيب بصدمة شديدة بعد أن كان مقررًا أن يقوم بدور البطولة فى فيلم الكرنك أمام سعاد حسنى ولكن فى اللحظات الأخيرة قررت جهة الانتاج أن يقوم نور الشريف بهذا الدور. حالة التصميم بداخله لم تضعف أو تتوقف وفى عام 1978 قام بأول بطولة أمام السندريللا سعاد حسنى فى فيلم شفيقة ومتولى، وشارك فى بطولة الفيلم أيضًا العملاقان أحمد مظهر وجميل راتب وبدأ زكى رحلة النجومية والانطلاق وفى العام الثانى 1979 اثبت موهبته تمامًا عندما جسد شخصية عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى مسلسل الأيام ليثبت للجميع أنه فنان من العيار الثقيل جدًا. رغبته فى التغيير والتطور لم تتوقف طوال مشواره الفنى فى عام 1980 شارك فى بطولة فيلم الباطنية جسد خلاله شخصية ضابط شرطة يتنكر فى شخصية مدمن وصل لمرحلة التخلف العقلى وجسد الشخصيتين بتمكن شديد. فى بداية الثمانينيات قام ببطولة مجموعة من الافلام الناجحة منها عيون لا تنام، أنا لا أكذب ولكنى أتجمل، والمدمن، الشخصيات أيضًا كانت مختلفة تمامًا. وفى عام 1983 شارك فى بطولة فيلم درب الهوى وفى نفس العام قدم واحدًا من أدواره الهامة حينما جسد شخصية البطل محمد فى فيلم النمر الأسود الشاب الفقير الأمى عامل الخراطة الذى يسافر لألمانيا ليصبح بطلا عالميا فى الملاكمة، وفى العام الثانى جسد شخصية الشاب المهرب ثم يسلك الطريق السليم فى فيلم الليلة الموعودة مع فريد شوقى وكريمة مختار. شهدت فترة النصف الثانى من الثمانينيات حالة توهج شديد لأحمد زكى، حيث قام ببطولة مسلسل هو وهى أمام الراحلة سعاد حسنى وجسد من خلال هذا المسلسل 15 شخصية مختلفة وقام ببطولة مجموعة من الأفلام الرائعة منها البرىء والبيضة والحجر، أربعة فى مهمة رسمية، وفى عام 1988 اثبت أنه فنان وصل لمرحلة عالمية من النضج الفنى والتقمص حينما قام ببطولة فيلمى البيه البواب الذى جسد من خلاله شخصية البواب الذى يأتى من صعيد مصر ليصبح مليونيرا فى فترة وجيزة ووصل لقمة التألق فى نفس العام حينما جسد شخصية ضابط أمن الدولة المستبد فى فيلم زوجة رجل مهم وانتهى الفيلم بانتحاره بعد أن تم احالته للمعاش وهو فى سن مبكرة بسبب تجاوزاته القانونية. وواصل الابداع والتميز فى العام الثانى 1989 حينما جسد شخصية منتصر المجرم رغم أنفه فى فيلم الهروب الذى كشف بوضوح مدى تعدد مواهب أحمد زكى فى عالم السينما. ثم جسد شخصية تاجر المخدرات الذى يدوس على كل شىء فى سبيل مصلحته فى فيلم الامبراطور وفى النصف الأول من التسعينيات قدم أداء منفردا فى فيلم ضد الحكومة ولا ينسى الملايين مرافعته الشهيرة فى المحكمة وهو يقول كلنا فاسدون حينما جسد شخصية محام عديم الضمير. ولكن ينقلب رأسًا على عقب حينما تصدى لقضية استشهاد أطفال المدرسة اثناء رحلة مدرسية ويطالب بالتحقيق مع المسئولين فى الحكومة، كما تألق فى تلك الفترة فى أفلام، استاكوزا ومستر كارتيه وأرض الخوف وكابوريا والرجل الثالث والباشا وفى عام 1995 كانت بداية مرحلة جديدة فى المشوار الفنى لأحمد زكى حينما جسد شخصية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى فيلم ناصر 56. ورغم عدم وجود أى تشابه فى الوجه والجسم مع الزعيم الراحل لكن استطاع أحمد زكى بعبقريته النادرة اقناع كل من شاهد الفيلم أنه أمام جمال عبدالناصر، جميع مشاهد الفيلم اثبتت أن أحمد زكى فنان من نوع فريد، وبذل زكى مجهودا خارقا فى هذا الفيلم. وبعد عامين فاجأ الجميع بشخصية أخرى مختلفة تمامًا فى فيلم اضحك الصورة تطلع حلوة، حينما جسد شخصية مصور محترف ولكنه يراعى ضميره لأقصى درجة. وبعد هذا الفيلم تفرغ أحمد زكى لمشروع فيلم أيام السادات الذى كان أحد احلامه الفنية الكبيرة تجسيد شخصية الزعيم الراحل أنور السادات شارك أحمد زكى فى انتاج هذا الفيلم. ووصل لقمة النضج والابداع فى تجسيد شخصية السادات بكل ملامحه وصوته المميز وعبقريته فى اتخاذ القرارات الحاسمة التى غيرت وجه الحياه فى مصر. حقق الفيلم نجاحًا هائلاً وأطلق على أحمد زكى بعد هذا الفيلم لقب رئيس جمهورية التمثيل وحصل على تكريم خاص من الرئيس الأسبق حسنى مبارك تقديرًا لهذا الفيلم الذى أرخ لحقب هامة جدًا فى تاريخ مصر السياسى. ولأنه فنان تحرير الابداع والتنوع فى الشخصيات قدم بعد فيلم أيام السادات فيلم معالى الوزير جسد من خلاله شخصية وزير فاسد لا يتورع عن قتل أبرز مساعديه حتى لا يفضح أمره ليؤكد أحمد زكى أنه فنان متنوع يجسد أى شخصية بمنتهى الابداع والتمكن والتقمص. وسط هذا النجاح المبهر ومع بداية عام 2004 فوجئ أحمد زكى بإصابته بمرض سرطان الرئة واصيب الشعب المصرى والوسط الفنى بصدمة هائلة، سافر أحمد زكى للعلاج فى الخارج وعاد بعد عدة أشهر وأراد أن يطمئن الملايين على صحته وظهر على شاشة التليفزيون لمدة ساعتين من خلال برنامج ليلتى على شاشة التليفزيون المصرى وتم تصوير الحلقة داخل المستشفى، ورغم شدة المرض اللعين كان أحمد زكى يحلم بتحقيق آخر أحلامه الفنية بتجسيد شخصية العندليب الراحل عبدالحليم حافظ على شاشة السينما، وتعهد المنتج عماد الدين أديب بتحقيق حلم أحمد زكى فى انتاج هذا الفيلم. وفى ليلة مشهودة يوم 16 يناير 2005 ظهر أحمد زكى فى أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة وسط حضور طاغٍ من محبيه من الفنانين والصحفيين ليعلن أنه بصحة جيدة وجاهز لتصوير فيلم حليم. وفى يوم 18 يناير 2005 بدأ زكى تصوير الفيلم رغم حالة الإعياء الشديد وتدهور حالته الصحية بصورة لافتة للنظر واستمر فى تصوير الفيلم بإصرار شديد حتى يوم 2 مارس 2005 بعد ذلك تدهورت الحالة الصحية بشدة لأحمد زكى وايقن الجميع أن حالته ميئوس منها ولم يستكمل تصوير الفيلم الذى كان حلم عمره. صور أحمد زكى نصف المشاهد ورحل يوم الأحد 27 مارس 2005 ليستكمل ابنه هيثم أحمد زكى تصوير المشاهد المتبقية وبذل المخرج شريف عرفة مجهودا خارقا ليظهر الفيلم بالصورة المطلوبة، اسدل الستار مات أحمد زكى عندليب السينما ورئيس جمهوريتها عن عمر ناهز 56 عاما ويبقى أحمد زكى على مر العصور حالة فنية منفردة وموهبة فذة من الصعب تكرارها. أرقام فى حياته 1949 مدينة الزقازيق محافظة الشرقية 1972 أول ظهور فى «هاللو شلبى» 1973 مدرسة المشاغبين 1974 فيلم بدور 1978 «شفيقة ومتولى» مع سعاد حسنى 1979 مسلسل الأيام 1983 «النمر الأسود 1988 جسد شخصية البواب وضابط أمن الدولة فى فيلمى البيه البواب وزوجة رجل مهم. 27 مارس 2005 رحيل أحمد زكي عن عمر ناهز 56 عاما.