مصر تمر بأخطر مراحلها منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، بسبب حالة الاشتباك السياسي بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الاخوان المسلمين، وهى نتيجة طبيعية لكل الأخطاء التي حدثت بعد الثورة وعلى رأسها عدم وضع الدستور أولاً. حالة الغموض والتوتر التي تعيشها البلاد الآن كانت نتيجة طبيعية لحالة التجريف التي شهدتها مصر سياسياً على مدار 60 عاماً وبخاصة في الحياة السياسية، لتأتي ثورة 25 يناير وتضع الجميع أمام مسئوليات أكبر من طاقاتهم السياسية والمادية والتنظيمية باستثناء جماعة الاخوان المسلمين التي كانت تعمل في الخفاء.. لذلك وجدنا بعد الثورة الأصابع الخارجية تتدخل بقوة في الشأن المصري سواء بالتمويل أو التدريب والنصيحة أو من خلال وسائل الاعلام، وبدأت الأخطاء بالاستفتاء الدستوري، وهو خطأ يتحمله المجلس العسكري، وجاءت نتيجته كما توقع كثيرون باجراء الانتخابات التشريعية قبل وضع الدستور فيما سمى بغزوة الصناديق التي قادها تيار الاسلام السياسي، وأصبحنا جميعاً أمام الوضع المقلوب وهو تشكيل برلمان دون أساس دستوري يحدد شكل وهوية الدولة ويحدد أيضاً اختصاصات سلطات الدولة الثلاث وأيضاً سلطات رئيس الجمهورية. الآن وبعد صدور اعلان دستوري مكمل بصلاحيات رئيس الجمهورية رآها البعض خصماً من صلاحيات الرئيس في محاولة لتصحيح أخطاء الماضي، تضاربت ردود الأفعال ما بين مؤيد لهذا الاعلان وما بين معارض الى حد اعلان البعض أنه انقلاب عسكري ناعم.. المؤيد يرى أن هذه الخطوة ضرورية للحفاظ على أمن مصر القوى وعدم ترك كل الصلاحيات في يد شخص واحد حتى لو كان رئيس الجمهورية.. والمعارض يرى أن الرئيس يجلس بصلاحيات هشة والمجلس العسكري يمتلك صلاحيات أكبر منه.. إلا أن الأهم من كل هذا الآن هو دستور مصر القادم الذي يجب أن يتم تشكيل جمعيته التأسيسية بتوافق وطني عام وعلى أيدي خبراء وفقهاء اساتذة القانون الدستوري حتى يخرج الدستور القادم حاكماً لكل الأمور ومحدداً لصلاحيات المؤسسات وسلطات الدولة الرئيسية وصلاحيات رئيس الجمهورية، وهو أمر يستدعي تأجيل الانتخابات التشريعية وعدم طرحها في الوقت الراهن مهما بلغت المدة التي يستغرقها وضع الدستور الجديد حتى لا نستمر في هذه الفوضى، وحتى يكون هناك تأسيس لحياة سياسية جديدة تنقل مصر الى الديمقراطية والحداثة. باختصار.. مصر دولة كبيرة وذات طبيعة حساسة لأسباب كثيرة يأتي على رأسها مسألة الأمن القومي المصري والعربي نظراً لتشابك الأوضاع في المنطقة وانهيار أنظمة عربية أدت الى خلل في هذه الدول بما يمثل خطورة شديدة على المنطقة من الكيان الصهيوني الذي يلعب منفرداً الآن في المنطقة من خلال امكانياته العسكرية والمادية واللوجستية من كل دول الغرب وعلى رأسها امريكا، وهي أمور تستدعي أن يحتفظ المجلس الأعلى للقوات المسلحة ببعض السلطات في هذه المرحلة وعلى رأسها مسألة الأمن القومي.. أيضاً هناك حقيقة يعلمها الجميع واعترفت بها معظم القوى السياسية وهي أن مصر أكبر من أن يحكمها حزب أو فصيل سياسي واحد في هذه المرحلة، وعلينا جميعاً أن نعلي المصلحة القومية فوق المصالح الخاصة في هذه المرحلة.