العنوان الأهم والصوت الأعلي في أرض الكنانة الآن هو الفوضي بمعناها السياسي والأمني والقانوني والتشريعي.. هي الفوضي التي أدت إلي حدوث البلبلة السياسية - إلي حد الفتنة - التي نعانيها الآن ونحن نتهيأ لإجراء انتخابات الرئاسة في غياب المعايير الدستورية والقانونية التي تحكم عمل الرئيس المنتظر. أسابيع قليلة ويتحدد اسم من سيجلس علي كرسي الرئيس بعد ان بدأ العد التنازلي لسباق انتخابات الرئاسة التي تقرر إجراؤها في الثالث والعشرين من مايو الجاري.. متزامنا في الوقت الذي بدأت فيه العثرات تصيب مسيرة اللجنة التأسيسية التي من المقرر ان تضع دستور البلاد الذي سينظم من جديد جميع سلطات الدولة بما فيها الصلاحيات الممنوحة للرئيس في ظل النظام السياسي الذي سيرتضيه واضعو دستور البلاد. الوقت يسير علي عجل نحو تحديد الشخص الذي سيجلس علي كرسي الحكم في البلاد ورغم ذلك فلا تبدو في الافق ملامح تبعث علي تطمينات بشأن قرب التوافق علي دستور البلاد قبل إجراء الانتخابات الأهم 'انتخابات رئاسة مصر'. المشهد كما صوره البعض هو جزء من منظومة الفوضي التشريعية والسياسية التي تشهدها البلاد منذ تم الاتفاق علي 'نعم' التي تمخضت عن ولادة التعديلات الدستورية التي أصدرها المجلس العسكري في مارس من العام الماضي. ورغم تأكيد بعض المرشحين الرئيسيين من قبل عدم قبول تولي منصب الرئيس في ظل نظام برلماني يضع منصب رئيس الجمهورية في صورة أقرب إلي الوضع البروتوكولي الذي لا يملك صلاحيات تنفيذية وسيادية ذات تأثير في توجيه الأمور والحكم في البلاد - كان أبرز الرافضين منصب الرئيس في النظام البرلماني السيد عمرو موسي - هؤلاء الذين صرحوا بذلك منذ عدة أشهر لم يعلقوا علي عدم ظهور معايير عمل الرئيس المقبل في ظل الدستور المنتظر واستمروا في جولاتهم الانتخابية والدعائية رغم انهم حتي الآن لا يعرفون أي صلاحيات سيعملون من خلالها في منصب الرئيس الذي يسعون إليه. غياب المعايير والصلاحيات الرئاسية لم يقلق البعض رغم اعترافهم بأهميته ويرون أنه لا يجب بأي حال من الأحوال تأجيل انتخابات رئاسة الجمهورية بسبب عدم الاتفاق علي تشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور في البلاد ويرون ان تأجيل الانتخابات ربما يلحق ضررًا أكبر وأعمق من الضرر الذي سيحدث من إجراء انتخابات الرئاسة في ظل عدم وجود صلاحيات دستورية منصوص عليها في الدستور الجديد. السياسي والناشط عبدالغفار شكر 'وكيل مؤسسي التحالف الشعبي الديمقراطي' هو أحد مؤيدي الرأي الأخير ويري ان الضرر الذي يمكن ان يلحق بالبلاد من جراء تأجيل انتخابات رئاسة الجمهورية وتسليم السلطة لرئيس منتخب هو أكبر بكثير مما يمكن ان يسببه إجراء انتخابات رئاسية في ظل عدم وجود صلاحيات ومعايير واضحة للرئيس المنتظر. ويشير 'شكر' إلي أنه من الممكن ان تتم الانتخابات الرئاسية في ظل القواعد التي تضمنها الإعلان الدستوري الذي يحكم البلاد حاليا ويضع قواعد وصلاحيات القائم بأعمال الرئيس وهو المجلس العسكري فإن الإعلان الدستوري يتضمن بعض معايير وسلطات رئيس الجمهورية وتلك القواعد يمكن ان تكون بمثابة الخطوط العامة المؤقتة لكيفية عمل الرئيس. إلا أن وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الديمقراطي لا ينفي أننا الآن نحصد أخطاء الفوضي التشريعية والدستورية التي حدثت في استفتاء مارس الغريب. رئيس مجلس الدولة الأسبق والخبير القضائي 'المستشار محمد حامد الجمل' يعيد أصل الخطأ إلي أصحابه الحقيقيين وهم بحسب رأيه - الإخوان المسلمون - ويقول: المشكلة بدأت في الأصل من خلال اللجنة الإخوانية التي وضعت الصياغة للتعديلات الدستورية التي بدأت ب 9 مواد من الدستور وللأسف فإن المادة 06 الموجودة في الدستور الذي يتم العمل به الآن هي التي نصت علي أن الانتخابات التشريعية سابقة علي وضع الدستور. ويضيف 'الجمل': إن هذه المادة الغريبة لم تتضمن المعايير الاساسية لأعضاء الجمعية التأسيسية التي ستشكل دستور البلاد ولم تتضمن أيضًا تحديد القواعد الإجرائية التي سيتم من خلالها تشكيل أعضاء تلك الجمعية كما انها لم تحدد الجهة التي تقدم اليها الجمعية التأسيسية مشروع الدستور إليها.. وهو أمر غريب لا يوجد في أغلب الانظمة الديمقراطية والدستورية في العالم وهو ما أدي الي صدور الحكم ببطلان تشكيلها فيما بعد من قضاء مجلس الدولة.. ومازلنا حتي الآن لم نبارح مكاننا ولا تبدو في الأفق القريب ملامح حل وشيك لها. 'الجمل' يري ان المشكلة في الاطار القانوني والدستوري وأنه إذا لم يتم حلها بشكل صحيح فسوف تزداد تعقيدًا وسيتضاعف الخطأ إذا تمت معالجته بخطأ تشريعي أو سياسي أو إجرائي جديد ويقول إن المدة المتبقية لن تتجاوز الثلاثة أسابيع علي حدوث الانتخابات الرئاسية والرئيس المنتظر تسميته أو انتخابه بعد أيام لا يدري أحد كيف سيقوم بأداء عمله دون دستور جديد ودون معايير معلومة لا لبس فيها. ويؤكد 'الجمل' أنه في حالة إجراء انتخابات الرئاسة في ظل عدم وجود دستور فإنه سيتوجب علي رئيس الجمهورية والحكومة الموجودة ان تقدم استقالتها بعد الانتهاء من وضع الدستور الجديد. إلا أن 'الجمل' يري ان الأوضاع السياسية الجارية والفوضي التشريعية التي تعانيها البلاد الآن توجب ان يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها بعد ايام خاصة اننا نعاني مشكلات قانونية ونزاعات قضائية كبيرة ومؤثرة منها الشبهات حول بطلان مجلس الشعب الحالي والطعون المقدمة فيه وكذلك الشبهات حول بطلان قانون العزل السياسي والشبهات حول استبعاد الفريق احمد شفيق كل هذه الشبهات القضائية توجب ان يتم تأجيل الانتخابات الخاصة بتسمية رئيس الجمهورية لحين الانتهاء من وضع دستور دائم للبلاد لأن هذا التأجيل يمثل حتمية دستورية لتجنب المزيد من الأخطاء الدستورية والتشريعية التي نعانيها منذ أكثر من عام. ويحذر 'الجمل' من مغبة إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل العوار التشريعي والدستوري الذي نعانيه الآن وينصح بضرورة الانتهاء من وضع الدستور الذي يحدد معايير اختيار وشروط وعمل الرئيس المقبل.