«ثورة 19».. رفعت شعار ازدهار الأمم بالثقافة الرفيعة والأفكار الجديدة طلعت حرب: السينما صرح عصرى للتعليم لا غنى لمصر عن استخدامه فى إرشاد سواد الناس أرسل بعثات فنية لتعلم فن التصوير والإخراج بقيادة أحمد بدرخان ثورة 1919، هى الابنة البكر للنضال المصرى فى العصر الحديث، الابنة التى أنجبت دستوراً مازال يضرب به المثل حتى الآن، هو دستور 23، وهى التى ناضل أصحابها ومفجروها ضد المحتل الأجنبى حتى أجبروه على الانسحاب، والهروب بجلده من جحيم الجنة التى كان يحلم بها، فإذا بسعد زغلول ورفاقه يحولون هذه الجنة إلى جهنم لا يطيقون بها ملاذاً. لم تقتصر أهداف الثورة على تحقيق الاستقلال لمصر فقط، لكنها استطاعت صناعة مكانة خاصة فى التاريخ المصرى المعاصر، خاصة على يد رائد الاقتصاد المصرى طلعت حرب الذى آمن بأن تجديد الاقتصاد فى مصر فى بلد زراعى متخلف لن يتم إلا إذا ازدهرت الثقافة واستنارت العقول بالأفكار الجديدة والثقافة الرفيعة، وكان يؤمن أيضاً بأن الثقافة استثمار كبير. إيماناً منه بضرورة تدعيم الثقافة والفنون ونشر الوعى قام بتأسيس شركة مصر للتمثيل والسينما «استديو مصر» لإنتاج أفلام مصرية لفنانين مصريين مثل أم كلثوم، عبدالوهاب وغيرهما. استوديو مصر فى السابع من مارس عام 1935، افتتح الاستديو الأول فى الشرق «ستوديو مصر» أو شركة مصر للتمثيل والسينما، الذى مثّل نقلة نوعية فى تاريخ السينما المصرية، وكان محور الحركة السينمائية، وأسهم فى دعم وتقدم السينما بمصر حتى الحرب العالمية الثانية. وأسس برأس مال مصرى داخل محافظة الجيزة بشارع الهرم، ولم يكن الغرض من إنشائه مادياً، بل إيماناً من طلعت حرب بدور الصناعة فى القرن العشرين، وقال وقتها إن تجديد الاقتصاد لن يتم إلا من خلال ازدهار الثقافة التى ترتقى بالعقول، وكان يريد نشر الثقافة والفنون، لذا أسس هذه الشركة التى أنتجت أفلام للعديد من الفنانين مثل: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب. وبنى وفقاً لأحدث الاستوديوهات فى هوليوود آنذاك، وتم تحديثه بالمعدات والآلات اللازمة، وكان يضم بلاتوها للتصوير وورشاً للديكور وغرفاً للممثلين ومخازن للملابس ومعدات التصوير السينمائى، كما يضم أشهر ديكورات الحارة المصرية. وظل ستوديو مصر ينافس الاستديوهات العالمية؛ فكان يضم أحدث الآلات والمعدات من أمريكا وإنجلترا، فكان يوجد به آلات التحميض التى تسعى إلى تحميض 70 متراً من الفيلم فى الساعة، وكانت تعمل داخل حجرة مظلمة، وكان تكلفة هذا المعمل وقتها تتعدى أربعين ألف جنيه، ليصبح حلم إنتاج الأفلام الملونة حقيقة. وتوالى بعد ذلك بناء العديد من الاستديوهات فى نطاق شارع الهرم، وعين الفنان أحمد سالم مديرا لاستوديو مصر، وكان طلعت حرب يؤكد ويحث دائماً على أهمية السينما وخطورة دورها، قائلاً: «إننا نعمل بقوة اعتقادية وهى أن السينما صرح عصرى للتعليم لا غنى لمصر عن استخدامه فى إرشاد سواد الناس». وأخذت صناعة السينما تزدهر، وكانت مصدراً لجذب المنتجين فى ذلك الوقت، وتم تأسيس العديد من الشركات التى تنتج أفلاماً لحسابها الخاص، لكن لم تستمر طويلاً بسبب رداءة المحتوى المقدم، وأخذت تغلق أبوابها بعدما كانت تنافس ستوديو مصر الذى لم ينجرف إلى هذا التيار الذى أنتج الأفلام الرخيصة أثناء الحرب العالمية. احتفاء الفنانين باحتفالية «ستوديو مصر» يمثل حفل افتتاح «ستوديو مصر» حالة استثنائية فريدة من نوعها، حيث أقيم حفل ضخم، حضره عدد كبير من نجوم السينما وقتها ليصبح منبرًا لصناعة السينما المصرية طوال هذه السنوات، بدأ حفل الافتتاح بعرض فيلم قصير عن حفل افتتاح الاستديو وشارك فيه عدد من النجوم فى هذه الفترة، وقال كل نجم فيهم كلمة عن افتتاح الاستديو بشكل به دعابة، حيث كانت البداية مع سراج منير وزوجته ميمى شكيب، حيث قال منير «ميمى زعلانة علشان دقنى مع أن دى اللى بتوكلنى العيش، وأنا هخلص فيلم غرام الصحراء وآجى.. مفهوم يا ناس».. لتدخل الممثلة ثريا فخرى وتقول لميمى، «وانتى ملكيش حق، واحد سايب دقنه انتى زعلانة ليه.. لترد شكيب، تعبانة لأنها بتشوكنى». وكذلك الفنانة مارى منيب التى أضفت حالة من الكوميديا عند وصولها للحفل وقالت: «الكلمتين طاروا من مخى، والنبى حد يطلع يقول كلمة بدالى».. فيما قالت تحية كاريوكا فور وصولها، «فرصة سعيدة أن استديو مصر دعانا فى الحفلة دى علشان أحييكوا كلكوا، هالوو».. أما حسين رياض الذى دخل الاستديو بصحبة أخيه فؤاد شفيق، فدار بينهما حوارًا ضاحكًا، حيث حيا حسين أخاه فؤاد، وقال «سعيدة يا أستاذ فؤاد ليرد عليه الأخير، أهلاً وسهلاً..ليقول حسين، أنا أشكر استديو مصر اللى جمعنا على شاشة واحدة، ليأتى فؤاد ويقول، «وأنا بشكر والدنا اللى جمعنا فى الحياة، مازحاً، الله يسامحه».. وحضر زكى رستم الذى قال، «ممنون ومسرور بهذه الفرصة التى أتاحها استديو مصر للممثلين كى يتكلموا بكلمات من عندهم للجمهور وليست كلمات محفوظة مثل الروايات». وكان من ضمن حضور الحفل أيضاً أنور وجدى الذى دخل بدعابة وقال «أما أنا فسمعت حتة حكاية دلوقتى هايلة أوى، مرة واحد، وصمت لثوانى.. وسأل، عارفينها؟ ليجيب طب هقولها وأنا خارج..» ونفس الأمر للمثل الكوميدى على الكسار الذى تعامل وكأنه فى فيلم من أفلامه، وقال «الله يكسفك يا سعيد، لمؤاخذة، كنت أود أقولكوا خطبة أجيلكوا بيها، ولكن للأسف مخستك شوية، وسأل محدش معاه سكر بنات؟، ولا حاجة؟ سلامو عليكو».. فيما تم تقديم ثلاث ممثلات من الوجوه الجديدة وهن: ليلى فوزى ومديحة يسرى وأمينة شريف». أول إنتاج لاستوديو مصر أول فيلم من إنتاج استوديو مصر كان فيلماً قصيراً لمدة عشر دقائق للإعلان عن المنتجات المصرية، ومكتوب فى بداية الإعلان «فيلم دعائى من أجل مصر»، وهو الشعار الذى رفعه الجميع وقت ذاك إيماناً بأن الفن لايقل أهمية عن السلاح فى حماية مصر. اهتم الاستوديو بإنتاج (نشرة أخبار أسبوعية) عن الأحداث الجارية فى مصر، كان يتم بثها فى دور العرض قبل بداية أى فيلم، ويعتبر «وداد» هو أول إنتاج لفيلم طويل لكوكب الشرق أم كلثوم، عام 1935، وهو أول فيلم لها، وأخرجه الألمانى فريتز كرامب. وتدور قصة الفيلم فى عصر المماليك، حيث تترعرع علاقة حب بين الشاب التاجر «باهر» وجاريته «وداد» التى تتمتع بصوت ملائكى، وبينما يتناجى الحبيبان، يسطو قطاع الطريق على قافلة باهر التجارية ويستولون على بضاعته التى تمثل رأس ماله جميعًا، ينتكب باهر ويشكو سوء الدهر وتبدأ مطالبته بالديون ومن هنا تبدأ الأحداث. البعثات الفنية وقام استوديو مصر بإرسال البعثات الفنية من المصريين إلى أوروبا لتعلم فنون التصوير والإخراج والديكور والمكياج فسافر أحمد بدرخان- موريس كساب (إخراج)، حسن مراد- محمد عبدالعظيم (تصوير)- مصطفى والى (صوت)، ولى الدين سامح (ديكور)، نيازى مصطفى (مونتاج). ومنذ افتتاح هذا الصرح السينمائى الكبير وحتى اليوم شهد تطوراً كبيراً فى جميع المجالات سواء الفنية والتكنولوجية فى مجالات الديكور والتصوير والمونتاج، وكذلك البلاتوهات المخصصة للتصوير، وكان لاستديو مصر دور إيجابى فى تاريخ الإنتاج السينمائى وأسهم فى دعم موقع مصر الريادى فى المجال الفنى لتكون عاصمة الفن بالشرق الأوسط. فيلم «عن استوديو مصر»إنتاج 2018 ينادى بعودة قوة السينما المصرية منى أسعد : فيلمى حوار بين الماضى والحاضر بانتشار الاستوديوهات الخاصة تراجعت فرص التصوير فى «ستوديو مصر» وهذا التراجع الشديد جسده الفيلم الوثائقى «فى استوديو مصر» الذى عرض لأول مرة فى مهرجان القاهرة السينمائى ونال إشادة كبيرة بعرضه فى كل المهرجانات المصرية بعدها. يروى الفيلم قصة كفاح مجموعة من عاشقى السينما المصرية، ومحاولتهم إنشاء استوديو سينما عالمى على غرار استوديوهات «هوليوود» الأمريكية، واختاروا لذلك استوديو مصر. الفيلم دعوة لتطوير استوديو مصر، حيث تدور أحداثه فى ثلاث حواديت وهى «حدوتة تكنولوجية»، وتعرض فيها كيف تم تطوير أجهزة لدمج المونتاج القديم للفيلم الخام بالمونتاج الرقمى الحديث، و «حدوتة تاريخية» حيث تسرد بدايات الاستوديو وتأسيسه، و«حدوتة تطوير» عن كيفية إعادة بناء الاستوديو بعدما أوشك على الانهيار والضياع، و«السينما والدولة» وهو موضوع متشابك وشائك وغير منتهٍ. يشرح الفيلم كيف لعب استوديو مصر دورًا عظيمًا فى إظهار كوادر جديدة فى السينما المصرية مثل صلاح أبو سيف، عندما انضم إلى الاستوديو كمساعد للمخرج كمال سليم، وظل يترقى تدريجيًا حتى أصبح رئيسًا لقسم المونتاج، والذى كان من العاملين فيه كمال الشيخ، إحسان فرغل، جلال مصطفى. وبعدها أصبح صلاح أبو سيف من الشخصيات البارزة بعد إخراجه لعدة أفلام شهيرة، منها: «دايمًا فى قلبى» والذى كان أول فيلم من إخراجه عام 1946، «الصقر» عام 1950، «الأسطى حسن» عام 1952، «الوحش» عام 1954، «شباب امرأة»عام 1956، و«الفتوة» عام 1957. تنسج منى أسعد فى فيلمها خيطًا دقيقًا بين الماضى والحاضر بشكل فنى، تأخذ لقطة لمكان فى الاستوديو بشكله الحالى وتدمجها بلقطة أرشيفية لأحد الأفلام التى تم تصويرها فى نفس المكان، لا تستخدم اللقطات الأرشيفية فقط لصنع روابط سينمائية مكانية، بل تضعها أيضًا موازية لحركة العاملين الحاليين بالاستوديو، حيث يتحركون ويتسامرون فى سعادة ودفء فتلحقهما بمشهد من فيلم يوم من عمري. لكن هذا الدفء وتلك الطمأنينة دائمًا ما كانت تصطدم بسطوة الدولة. منى أسعد مخرجة الفيلم ومؤلفته قالت : إن فكرة العمل جاءت قبل أن يهاجر أحد الزملاء الذين شاركوا فى تأسيس الشركة والذين أسهموا فى تأسيس استوديو مصر الجديد خارج البلاد، حيث بدأت تصوير جزء من الفيلم أثناء تسلم الشركة لاستوديو مصر فى عام 2000، لتوثيق عملية تسلم الشركة للمكان، ثم قررت تحويله إلى فيلم تسجيلى يروى فيه كريم جمال الدين وشريكه على مراد أصحاب الشركة التى سعت لتأجير الاستوديو، كيف حدثت مغامرة تأجير هذا الاستوديو العتيق، لمدة 20 عامًا مقابل 45 مليون جنيه بغرض التملك. وأضافت: الفيلم دعوة للاهتمام باستوديو مصر من جديد، يظهر من خلال حوار على مراد، للمبنى الذى يضم 700 فيلم نيجاتيف نادر من تراث السينما المصرية، تُركوا بلا مبالاة وبكل إهمال فى مكان لا يصلح لتخزينهم لسنوات طويلة، وأن إدارة الاستوديو التى تسلمته بعد التأميم وحتى تأجيره، كانت غير عابئة بهذا التراث. وتقول منى أسعد: رغم أن آخر فيلمٍ يصنع فى «ستوديو مصر»، وهو «سكر مر» لهانى خليفة، كان عام 2015، إلا أن تاريخه الحديث مليء باختبارات على مستوى صناعة الديكورات الداخلية:وتضيف «عندما تكون فى الاستوديو، كل ركن فيه يسفرك (إلى) بلاد»،فهنا حارة «دم الغزال» (2005) لمحمد ياسين، مبنية على يد عادل المغربي. تقول «أسعد» إنها شاهدة على «أكبر ديكور فى الاستوديو»، وهو عبارة عن حى كامل ل«إبراهيم الأبيض» (2009) لمروان حامد، مصنوع بحرفية أنسى أبو سيف: «بنى المقطم داخل الاستوديو». هناك أيضًا «هى فوضى» (2007) ليوسف شاهين وخالد يوسف، الذى يتضمّن ديكورًا كبيرًا للسجن لصانعه حامد حمدان.