[مصطفى الغزاوى يكتب :الحصاد المر... المحاصة بداية التقسيم الطائفي] خلال الأيام الثماني عشر الأولى لثورة يناير أخرج الشعب المصري أروع ما يملك من صور الوحدة وتجلت حالة الفداء والتضحية بين البشر المحتشدين والمعتصمين، لتستمر هذه الحالة بعد ذلك تجمع الشعب من الصبية والشباب والشيوخ في ملحمة مضافة للثورة أطلق عليها اللجان الشعبية التي تحمي الأحياء والشوارع والمباني، لتبدأ من بعد ذلك حالة التقسيم عندما جاء البشري ولجنته بالتعديلات الدستورية التي مثلت أول خطوة للانحراف بالثورة عن مسارها، وليخرج من ورائه جوقة ممن يطلق عليهم المشايخ لرطانتهم باسم الدين، تتحدث عن غزوة الصناديق، يومها تحقق الانقسام، وكأن مصر كانت بلدا وضع من جديد على خريطة العالم، وكأن حضارة مصر لم تصغ لها هوية، وخرجت لنا من الكهوف عقول لا تحمل خيرا للوطن وكأنها تفتح دولة الإلحاد على يدٍ مجهولة المنشأ والهدف، وتشكل أمام أعيننا تحالفا بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين جماعة الإخوان والسلفيين وتيارات أخرى خرجت من السجون أو فتحت أمامهم مطارات مصر تحت حالة من القبول المريب، وكأن هناك مخططا لإعادة التكوين الاجتماعي والسياسي والفكري لمصر. ذات المخطط الذي خططت له أمريكا بلجنة ديك تشيني وإبرامز وزلماي خليل زادة وبندر بن سلطان، عندما سعت لتكوين جبهة سنية في مواجهة محور إيران سوريا حزب الله، في أعقاب حرب لبنان عام 2006، وكانت الغاية من تلك اللجنة القضاء على الآثار التي ترتبت على صمود حزب الله، وكان الدور الأساس لوجود بندر بن سلطان هو التمويل. لا تملك جبهة معاداة الشعب العربي، والسيطرة على مقدراته أي صورة من صور الإبداع في المواجهة، ولكنها تملك المعلومات وتملك أعمال المخابرات وتملك علاقات تاريخية مع أجهزة مناظرة لها في الدول العربية التي كان مبرر استمرار أنظمتها هو أمن إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة. لم يغب على العقل الغربي والأمريكي تلك الرؤية البريطانية السابقة على ميلاد الكيان الصهيوني للسيطرة على المنطقة والتي كانت تعتمد الدين أساسا للسيطرة الداخلية، وأساس التقسيم السياسي للمنطقة. ويومها كانت الرؤية البريطانية في نهايات القرن التاسع عشر ترتكز على إيجاد نظام ديني يسيطر على المنطقة، ويكون تابعا للغرب. وهو ذات الأساس الذي استخدمته المخابرات الأمريكية في إعلان الجهاد في أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي ليولد تنظيم القاعدة على أيديهم وبتدريب من خبرائهم وتمويل من الأموال العربية، وليظهر داخل الشعب العربي ما أطلق علية الأفغان العرب أو هم العرب الذين تطوعوا للجهاد المقدس ضد الإلحاد في أفغانستان. ولم يكن الخارج وحده مصدر ظاهرة العرب الأفغان، بل سبقهم في ذلك أنور السادات عندما استدعى التنظيمات الدينية داخل الجامعة لمواجهة تيارات سياسية ناصرية وماركسية كانت تواجه مخططاته الانقلابية على إرادة الشعب في التحرير، واستدعى الإخوان من الخارج، وتولى كل من محمد عثمان إسماعيل وعثمان أحمد عثمان مسؤولية البناء التنظيمي والتمويل للجماعات الإسلامية، وتولت أجهزة الأمن في الوقت ذاته تصفية التيارات الناصرية واليسارية في كل الجامعات وكانت قمة المواجهة أحداث 1977 والتي أطلق عليها انتفاضة الخبز ليعود السادات ويطلق عليها انتفاضة الحرامية بعد أن هرب من أسوان إلى الإسماعيلية، وبعد أن تولى أمن الدولة تصفية كافة القوى السياسية في مصر، ولينتهي الأمر بالسادات إلى رحلة القدس. كان كل هؤلاء المتحدثين عانوا في غياهب السجون آلام الحبس، في الأساس جماعات جرى تشكيلها والسماح لها بالعمل لتفريغ الإرادة الوطنية من مضمونها السياسي والاجتماعي والوطني. ويبدو أن ضرورات الميلاد تواصلت بعد يناير 2011، واتخذت التيارات التي نمت وتوغلت وجرى تمويلها بسخاء طوال فترة ميلادها الجديد وظلت تعمل في ساحة تكاد تكون خالية من باقي القوى، اتخذت هذه التيارات جانب سلطة الإدارة بعد الثورة وتوافقت مع القوى المضادة للثورة، لتحقق مآربها في الوصول إلى السلطة دون أن يكون الوطن والشعب والهوية محل اعتبار لها، ولكن هي رؤاها الذاتية في إقامة دولة الخلافة كما تدعي وإقامة شرع الله! دون أن تدرك التاريخ، تبقى المواقف عرضة لعدم الفهم والتصرفات غير قابلة للتفسير. الأمر في مصر الآن ليس صراعا بين الدولة الدينية والدولة المدنية، بل الصراع في مصر الآن هو استطراد لما بدأ أول السبعينيات، بين نظام السادات، والجماعات الدينية التي أنشأها لمواجهة الحركة الوطنية، وقبلت تلك الجماعات هذا الدور في حينها، وظل حتى اليوم عقيدتها، رغم محاولات تهذيبه، وتجميله، وظل منهجهم حرق التاريخ، ليبقى وفقط ما يصنعونه، بالتسلل والاتفاق مع السلطة، أو باستدعاء التكفير والمواجهة بالقوة إن لزم الأمر في مواجهة باقي القوى السياسية. ليس مستغربا ذلك التوافق إلى حد الاتفاق بين طرفي التيارات والتنظيمات الدينية، وبين سلطة الحكم، سواء كان السادات أو مبارك أو حتى سلطة الإدارة بعد الثورة، فأساس الاتفاق هو دولة العلم والإيمان، كما أعلنها السادات تحت الرعاية الأمريكية والصهيونية، وكل الاختلافات أو الاعتقالات كانت بين أطراف تجمعهم رؤية سياسية واحدة، ويتنازعوا على السلطة فيما بينهم، وكلاهما لا يرى في الشعب أو باقي القوي السياسية، غير أدوات أو خصوم خارج الصراع. بالقطع داخل هذا السرد الإجمالي تفاصيل متعددة، ولكن بالأساس لا يجب أن تَحُول أحداث الصدام بين الطرفين المكونين للنظام، عن الرؤية الاستراتيجية الحاكمة لهما، ولعل قراءة للرؤية الاقتصادية التي تجمع بين نظام السادات الاقتصادي الذي توحش على يد نظام خليفته، والذي أهدر أعظم ما امتلكت مصر من قدرات للإنتاج، أو علاقات للإنتاج، وسعى لإعادة بناء أنماط الاقتصاد الريعي والطبقة الرأسمالية الجديدة والتي سعت لهدم الاقتصاد المصري منذ بيع الشركة العامة للبطاريات وتقطيع ماكيناتها إلى أجزاء بمناشير ضخمة في عصر السادات، إلى سياسة الخصخصة في عصر خليفته، وعلى ذات النسق كان أول توجه للإخوان بعد ثورة يناير إلى جلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات المصرية وقام بالزيارة كل من الكتاتني رئيس مجلس الشعب الحالي ومرسي مرشح الرئاسة، ويجب هنا أن نتذكر أن الزوربا هو رجل الكويز ومهندسها، وهو رئيس اتحاد الصناعات المصرية!! ولينشئ بعد ذلك كلٌ من الزوربا وحسن مالك رجل الإخوان المالي، جمعية لرجال أعمال غير التي أنشئت في عصر السادات، وتحمل اسم "ابدأ". ويبقى سؤال هل حملت زيارة الكتاتني ومرسي إلى الزوربا أي رسائل اطمئنان إلى إسرائيل؟ سؤال مشروع ولا يملك غيرهما الإجابة عليه. أراد الإخوان مد العلاقة مع الطبقة الرأسمالية التي أنشأها مبارك وابنه. وفق هذه الوقائع، يصبح تفسير المواقف ممكنا سواء، في أزمنة حكمي السادات ومبارك، وقبيل ثورة يناير الشعبية أو بعدها خلال وقائع الثمانية عشر يوما أو طوال الفترة الانتقالية، ويصبح خبر اللقاء بين وفد للإخوان وبين أحمد شفيق لا يحمل أي مبرر للاستغراب، فهو حوار بين أطراف على جانب واحد، وموقف واحد من الثورة، وهذا نسق التعامل المستمر طوال الأربعين عاما الماضية، ملاسنات في العلن واتفاقات في الغرف المغلقة، والشعب والوطن يدفع الثمن. وعلى الجانب الآخر في هذا الصراع حول الثورة ونتائجها، يجب الاعتراف أن الأحزاب التي كانت قائمة في نظام مبارك أو تلك الناشئة بعده، لم تتمكن من قراءة دلالات الخروج الشعبي في ثورة يناير، واستولى على خيالها لعبة غسيل المخ التي دارت منذ أوائل الثمانينيات تحت دعاوى حقوق الإنسان، وتداول السلطة، وعندما لم تجد لذاتها مرجعية سياسية واجتماعية، نزعت إلى الاصطفاف تحت دعاوى الليبرالية والمدنية، وهي في علاقاتها ووزنها الشعبي لا تعدو ديكورا غير ناضج لوجودات سياسية لا يمكنها إحداث توازن مع ائتلاف التيارات الدينية والإدارة الحالية للنظام في مصر، خاصة وأنها تفتقد لغة خطاب سياسي يفتح لها باب القبول الشعبي، في مواجهة خطاب الحلال والحرام الديني فضلا عما تأسس للكيانات الدينية من علاقات اجتماعية وأهلية بين التجمعات الشعبية التي تعاني الفقر، عبر باب الإحسان بيد من يملك المال وبلا حساب وبلا جهد والخزائن مفتوحة على مصراعيها، وغير الخزائن هناك احتمال للمخازن أيضا. هذه الكيانات السياسية والنخبة والتنظيمات الدينية، في مجموعها تلعب خارج إطار الثورة وإن رددت كلمات الثورة على ألسنتها دون إقرار بمتطلباتها، حتى عندما حانت الانتخابات البرلمانية، كانوا جميعا مسؤولين عن قانون الانتخابات المعيب، والذي مكنهم من الاستيلاء على مقاعد البرلمان بالقوائم، الثلثين، وبالترشح على المقاعد الفردية، وحصل الإخوان على 134 مقعدا بالقوائم و103 مقاعد بالفردي، خاصة وأن تقسيم الدوائر تم وفق إرادتهم بما يستحيل معه أن يباشر أي مستقل الترشح وإدارة العملية الانتخابية لاتساع الدوائر مما يستلزم معه إمكانات مادية مفتوحة، لا تتوافر لغيرهم بهذا السخاء وبعيدا عن الرقابة. وهو ذات الموقف في القبول بالانتخابات الرئاسية دون وضع الدستور، ونبه إلى هذا الأمر الكثير من العاملين بالعمل العام ومنهم البرادعي والذي اتخذ موقفا بالانسحاب من السباق الرئاسي واصفا إياه بأنه لعب بلا قواعد أو محددات سياسية، وبقي ثلاثة عشر مرشحا يرى كل منهم في ذاته محورا للكون، وأخذت العملية الانتخابية ببصر الشعب، ولكنها لم تأخذ بعقله ليغير موقفه في التصويت في انتخابات الرئاسة ويساوي بين الأطراف جميعها، وكأنه استخدم ورقة التصويت كي يرفض ما لا يريده. ولأن لكل فعل كما زلزال التصويت هذا، توابع، شهدت الساحة الشعبية حالة من الرفض لوجهي العملة معا، شفيق ومرسي، وعدل كل منهما خطابه. شفيق يتحدث عن دولة مدنية!، وكأنه قدم لنا من خارج نظام فاسد، وصار المحور الأساس لدعايته الانتخابية هو الهجوم على الإخوان ووصمهم بأنهم سارقو الثورة، وفي المقابل انتقل حديث مرشح الإخوان من دولة الخلافة الإسلامية وعاصمتها القدس، إلى ارتداء ثوب الثورة، ليصف ذاته بأنه ابنها، وهو مسؤول الحزب الذي صمت على كافة عمليات الإجهاض للثورة وشارك في تشويهها وبلع لسانه في مواجهة دم الشهداء المسال على الأسفلت. وبلغت المزايدات مداها في أعقاب صدور الحكم على مبارك، ولتتحول جلسة المجلس النيابي إلى مؤتمر سياسي لانتقاد القضاء والمطالبة بتطهيره، وهؤلاء الذين يصرخون بذلك لم يناقشوا قانون السلطة القضائية، وحاولوا التعرض للمحكمة الدستورية التي هي مؤسسة خارجة عن سيطرتهم الكاملة. وخرج رئيس المجلس الأعلى للقضاء لمواجهة حصيفة ولكنها حاسمة لمن يتعرض للقضاة والأحكام القضائية، وأطلق رئيس نادي القضاة أوصافا من العيار الثقيل على المجلس، بل مد الخط على استقامته بأنه سيستعين بالخارج. وتبرز أزمة الجمعية التأسيسية، بإقرار أن نصف الأعضاء للتيارات الدينية وأن نصفها الآخر لغيرهم، وهو أمر يتناقض مع ضرورة أن تكون الجمعية التأسيسية للدستور معبرة عن أطياف المجتمع ومكوناته الاجتماعية والإنتاجية والثقافية، وصار الألم والمرارة هو النتيجة الطبيعية لانهيار العقول والوعي لدي المتحاورين حول معايير الجمعية التأسيسية، وكأنها أصبحت دوامة تستخدم لتعديل المواقف التفاوضية بين الأطراف المسيطرة على السلطة. ومع كل المخاطر المحيطة بمشروع الدستور المصري من هذه المناورات، فإن المحكمة الدستورية ستنظر الخميس 14 يونيو، تقارير هيئة المفوضين حول قانوني العزل السياسي وقانون انتخابات مجلس الشعب، والتقارير المعروضة تؤدي إلى إلغاء الانتخابات الرئاسية وحل مجلس الشعب. وهذه الأحكام ستمثل انفجارا كبيرا في المسار السياسي. شهد ميدان التحرير أولى مواجهات العنف لأن أحدهم حمل صورة ترفض كلا المرشحين وهاجمه أنصار مرسي وأصيب ثمانية أشخاص نقلوا إلى المستشفيات. نذر انفلات إلى العنف. وادعاء بانتماء للثورة، وأن دم أنصار الخصم أرخص من دم الدجاج. ومناورات اللجنة التأسيسية المؤدية إلى التقسيم الطائفي. هذا كله يفتح الباب أمام عنف ودم، أو يفتح بابا للانقلاب العسكري، وهذا الأخير له صور متعددة، تتوافق والعصر نقلا عن صحيفة الشرق القطرية