أقل من شهر.. جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظتي القاهرة والجيزة    حى شرق أسيوط يزيل التعديات على مرسى نهر النيل ب«الدوان تاون»    من 8 ل12 ساعة.. قطع المياه عن عدة مناطق بمحافظة الدقهلية مساء السبت المقبل (تفاصيل)    الأسهم الأوروبية تنخفض عند الإغلاق مع استيعاب المستثمرين للأرباح الجديدة    بوتين يعلن اعتزامه زيارة الصين الشهر المقبل    الأهلي يختتم استعداداته لمباراة مازيمبي الكونغولي    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    مباحث الفيوم تلقي القبض على المتهمين بإشعال النيران في فتاة بسبب خلافات الجيرة    طرح البوستر الرسمي لفيلم السرب    مسرح فوزي فوزي بأسوان يشهد احتفالات ذكرى تحرير سيناء    هالة صدقي: «صلاح السعدني أنقى قلب تعاملت معه في الوسط الفني»    تخصيص غرف بالمستشفيات ل«الإجهاد الحراري» في سوهاج تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    عضو بالشيوخ: ذكرى تحرير سيناء تمثل ملحمة الفداء والإصرار لاستعادة الأرض    بفستان أبيض في أسود.. منى زكي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور لها    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    الجيش الأردني ينفذ 6 إنزالات لمساعدات على شمال غزة    الكرملين حول الإمداد السري للصواريخ الأمريكية لكييف: تأكيد على تورط واشنطن في الصراع    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    "أنا مشجع كبير".. تشافي يكشف أسباب استمراره مع برشلونة    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تشيلي تستضيف الألعاب العالمية الصيفية 2027 السابعة عشر للأولمبياد الخاص بمشاركة 170 دولة من بينهم مصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    "ميناء العريش": رصيف "تحيا مصر" طوله 1000 متر وجاهز لاستقبال السفن بحمولة 50 طن    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجدى زين الدين يكتب.. ثورة 1919 نهضة أمة وكفاح شعب (5):
نشر في الوفد يوم 22 - 01 - 2019

سعد زغلول يوصى الأمة بالحفاظ على الرباط المقدس بين الهلال والصليب
دستور 1923 ثمرة من ثمرات ثورة 1919
وطنية أقباط مصر كانت حائط صد أمام المحتل الإنجليزى
الزعيم يزور البطريركية القبطية عام 1923 ويؤكد وحدة المصريين
ثورة 1919 وراء تحرير الهند وأيرلندا والمثل الأعلى فى إفريقيا
ملخص الحلقة الماضية
فى الحلقة الماضية ضمن ثورة 1919 نهضة أمة وكفاح شعب.. تناولنا الوحدة الوطنية فى ثورة 1919، وحددنا مفاهيم الوحدة من خلال الثورة، وكان الزعيم خالد الذكر سعد زغلول هو أول من أطلق مقولته للتعبير عن الوحدة الوطنية بمفهومها الأشمل والأوضح عندما قال: «الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة». وفى هذه الحلقة تم التنويه بأن الحركة الوطنية التى أفرزتها ثورة 1919 ضمت جميع رجالات الدين الإسلامى والمسيحى، على اعتبار أن الشعب المصرى نسيج واحد وسبيكة واحدة وأمة واحدة.
استكمالا للحديث عن الوحدة الوطنية فى ثورة 1919، ومن خلال مفاهيم ثلاثة حددها القطب الوفدى الكبير سعد فخرى عبدالنور للوحدة بين المسلمين والمسيحيين، نستكمل اليوم الحديث عن المفهوم الثالث للوحدة الوطنية، ومن خلال المصادر والمراجع الموثوق بها، تستطيع الجزم بأن ثورة 1919 أعظم ثورة فى القرن العشرين، ويكفى قول الزعيم سعد زغلول فى أول خطبة له يوم 19 سبتمبر 1923، إن النهضة الأخيرة للأمة المصرية أوجدت هذا الاتحاد المقدس بين الصليب والهلال، هذا الاتحاد الذى أرجو مصر جميعها ألا تتهاون فيه، فإنه فخار هذه النهضة وعمادها».
وقد اعتمد البحث على عدد من المصادر أهمها مذكرات القطب الوفدى الكبير فخرى عبدالنور والعالم الجليل الدكتور رمزى ميخائيل والكاتبين الكبيرين عبدالرحمن الرافعى وعباس محمود العقاد.
المفهوم الثالث هو المفهوم الاجتماعى للوحدة الوطنية، وهو مفهوم عظيم، فأين المرأة المصرية فى ثورة 1919؟
لقد نادى قاسم أمين بتحرير المرأة. كانت المرأة حبيسة البيت ولا تدخل المدارس. وأول مدرسة بنات فى العباسية، كان اسمها بنات الأشراف، وكانت نبوية موسى رائدة فى تعليم البنات. كانت تسكن أمام منزلنا فى العباسية. كنا ننظر لها ونقول: «دى الست اللى بتعلم البنات، دى صاحبة رسالة مقدسة». الفتاة المصرية حرمت من التعليم ومن الثقافة أى من الحياة، فلما جاءت ثورة 1919، حررت المرأة وطبقت آراء ومفاهيم قاسم أمين.
وحدث فى أثناء هذه الثورة، أن وقفت الآنسة فكرية حسنى تلقى خطاباً وعلى وجهها حجاب، فتقدم سعد زغلول إليها أمام الألوف، ورفع الحجاب عن وجهها، ولم تتمالك الجماهير نفسها فصفقت استحساناً لعمل سعد زغلول، الذى صار بمثابة أمر من قائد الثورة بنزع الحجاب من أوجه النساء.
العمال والنقابات: أول نقابة فى مصر أنشئت فى عهد وزارة سعد زغلول سنة 1924، بقيادة عبدالرحمن فهمى، الذى كان قد حكم عليه بالإعدام، ثم أفرج عنه سنة 1924، فأخذ يؤلف نقابات العمال.
وأصدرت وزارة الوفد سنة 1943، قانونين، هما:
1 قانون نقابات العمال: وقتها لم يكن للعمال نقابات.
2 قانون عقد العمل الفردى وهو يعنى أن الفرد يرتبط مع صاحب العمل بموجب عقد، ملزم للطرفين.
أستطيع القول إن ثورة 1919، حققت أغراضها بصورة بديعة.
وقد لجأت إلى بعض المراجع الأجنبية المحايدة أحدها نشر سنة 1950 وهو يقول «إن أحسن ثورة نجحت فى القرن العشرين هى ثورة سنة 1919 بقيادة سعد زغلول لماذا؟ لأن الثورة المصرية كانت قدوة للهند وتونس والمغرب وأيرلندا وغيرها، فى الكفاح من أجل الاستقلال.
ولنأخذ مثلاً، الهند، لما نادى ويلسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فى يناير سنة 1918، بحق الشعوب فى تقرير مصيرها، كان غاندى راجعاً من جنوب إفريقيا، مؤمناً بحق بلده، وأخذ يفكر فى المطالبة بالاستقلال. وتابع خطوات سعد زغلول، وكان دائماً يقول إن سعد زغلول هو معلمه. فحين قامت ثورة 1919 فى مصر، كانت مثالاً يحتذى للهند، فى توحيد جميع طوائف الشعب وطبقاته ومنظماته وأديانه، فى مواجهة سلطات الاحتلال.
مؤلف آخر عن الوفد وثورة 1919، هو مصطفى أمين، كتب فى تقديمه لمذكرات فخرى عبدالنور، أحد المناضلين فى ثورة 1919، يقول: إنه عندما ألف سعد زغلول الوفد، نظمه فى طبقات من القادة، إذا نفيت الطبقة الأولى، برزت الطبقة الثانية لتتولى الزعامة، وإذا أعدمت الطبقة الثانية وقفت الطبقة الثالثة تقود المعركة، دون أن تتوقف لحظة واحدة.. وهكذا، كل فريق يسلم العلم إلى الفريق الذى يليه، وكل عضو جديد يدخل القيادة وهو يعلم أنه فى طريقه إلى المشنقة أو الاعتقال أو مصادرة الأموال، دون أن يتردد.
وقد قامت أربع «طبقات» وفدية قيادية، فيما بين 29 ديسمبر 1921، لما نفى سعد زغلول إلى سيشل، حتى عودته سنة 1923، الطبقة الأولى تألفت من أعضاء الوفد الذين نفوا معه، وكانت تضم إلى جانبه: فتح الله بركات باشا وعاطف بركات بك، وحبيبه وصديقه وموضع ثقته مصطفى النحاس بك وسينوت حنا بك والأستاذ مكرم عبيد، والمسلمون أربعة والأقباط اثنان.. وفى يوم نفيهم بقى واصف غالى بمفرده، فأصدر بياناً إلى الأمة قال فيه: «إن فى ميدان المجد والتضحية لمتسع للجميع»، ثم قبض عليه!
الطبقة الثانية تألفت من سبعة، أربعة من الأقباط وثلاثة من المسلمين هم: حمد الباسل، ويصا واصف، جورج خياط، مرقص حنا،
علوى الجزار، مراد الشريعى وواصف بطرس غالى، وقد وقعوا قرار الوفد بالمقاومة السلبية لبريطانيا، وحكم عليهم بالإعدام، فهتفوا قائلين: «نموت وتحيا مصر»! وقال حمد الباسل: «لكم أن تحكموا علينا، وليس لكم أن تحاكمونا». ثم خفف الحكم عليهم إلى الحبس سبع سنوات والغرامة.
وقامت الطبقة الثالثة التى ألفها المصرى السعدى من: حسين القصبى وسلامة ميخائيل ومحمد الغرابلى وراغب إسكندر وفخرى عبدالنور ومحمود حلمى إسماعيل وعبدالحليم البيلى، وقبض عليهم وقدموا للمحاكمة العسكرية.
واعتقلت السلطة العسكرية البريطانية عبدالرحمن فهمى ومصطفى القاياتى وفخرى عبدالنور ومحمود حلمى إسماعيل وعبدالحليم البيلى، وقبض عليهم وقدموا للمحاكمة العسكرية.
واعتقلت السلطة العسكرية البريطانية عبدالرحمن فهمى ومصطفى القاياتى وفخرى عبدالنور ومحمود فهمى النقراشى ونجيب إسكندر ومحمد نجيب الغرابلى ومحجوب ثابت وعبدالستار الباسل وحسن يس وغيرهم.
وتألفت الطبقة الرابعة من: حسين حسيب وعلى الشمسى وسلامة ميخائيل وحسين هلال وعطا عفيفى وعبدالحليم البيلى ومصطفى بكير وإبراهيم راتب، وأصدروا بياناً إلى الأمة بالمثابرة على الجهاد.
وكانت جماهير الشعب تنقاد لبيانات الوفد كلها، دون النظر لشخص أو دين من أصدرها، إيمانا وثقة بالوفد: المبدأ والرسالة!
أربع «طبقات» توالت فى رفع علم الجهاد الوطنى، ثم جمعها سعد زغلول فى قائمة واحدة، صدر بها قرار فى سبتمبر 1923 بتمثيلها هيئة الوفد الكاملة، ودخلت المعركة الانتخابية، ففاز الوفد فيها فوزاً ساحقاً.
فما أن صدر الدستور فى أبريل 1923، كثمرة من ثمار ثورة 1919 حتى بدأ الإعداد للمعركة الانتخابية لتشكيل مجلس النواب الأول. واستمرت المعركة حتى 12 يناير 1924.
وشكل الوفد لجانا عامة فى المدن والبنادر والأقاليم، لتنظيم حركة الانتخابات واختيار المرشحين. وألفت اللجان العامة لجانا فرعية. وتكونت كل هذه اللجان طبقا لمبادئ الوفد على أساس مصرى وطنى جامع، دون تفرقة بين مسلم وقبطى.
وتقدم الوفد إلى الانتخاب بقادته الأكفاء دون النظر إلى ديانتهم، وفى بعض اللجان، تقدم الوفد بمرشح ليس له فى الدائرة المرشح لها عصبية عائلية أو دينية، مثل ويصا واصف، الذى رشح بالمطرية- دقهلية، وهو من أبناء وسط الصعيد، وليس له عصبية أو مصالح بالمطرية. وكان الهدف من هذا الأسلوب تغليب الاتجاه السياسى للمرشح على الدين والمصالح المادية والعصبية العائلية.
ولما اتبع الأحرار الدستوريون- منافسو الوفد الأساسيون- خطة إثارة العصبية العائلية والدينية لصالح مرشحيهم، وهاجموا المرشحين الأقباط لارتباطهم بالوفد، وحاولوا إثارة النعرة الطائفية لعزل الأقباط عن المعركة الانتخابية، تصدى لهم ويصا واصف وسينوت حنا وسلامة ميخائيل ومكرم عبيد وراغب إسكندر، رافعين مبدأ الوفد وممارساته القائمة على الأخوة الوطنية والمساواة بين المصريين جميعاً دون تفرقة بين قبطى ومسلم. وكان الناخبون على درجة عالية من الوعى، أفشلت خطة الأحرار الدستوريين، وأعلت مبدأ الوفد وخطته. ومن هنا ترادفت التفرقة الدينية مع العداء ل«الوفد»، وترادف الانتصار لمبدأ الوفد وسياسته مع رفض الفرقة والانقسام.
ولما عادل سعد زغلول من المنفى فى أثناء سير المعركة الانتخابية، أحس بما يدور فيها من تيارات. وتحدث عنها فى أول خطبة له بالقاهرة يوم 19 سبتمبر 1923، فقال: «إن النهضة الأخيرة امتازت على سابقاتها بأنها أوجدت هذا الاتحاد المقدس بين الصليب والهلال. هذا الاتحاد الذى أرجو مصر جميعها ألا تتهاون فيه فإنه فخار هذه النهضة وهو عمادها. وهو الذى اضطرب له خصومنا، إذ أسقط من أيديهم حجة كانوا يعتمدون عليها كلما أردنا تحرير رقابنا من النير الذى وضعوه فى أعناقنا. يقول خصومنا إننا حماة الأقلية فيكم لأنكم قوم متعصبون، فلابد من أن نبقى بينكم لحفظ العدل فيكم!! هذه الحجة سقطت باتحادكم. ولكنهم الآن انتهزوا فرصة الانتخاب ليبثوا الانقسام فيكم، فاحذروا هذه الدسيسة. واعلموا أنه ليس هناك أقباط ومسلمون، ليس هناك الا مصريون فقط. ومن يسمونهم أقباطا كانوا ولا يزالون أنصارا لهذه النهضة. وقد ضحوا كما ضحيتم، وعملوا كما عملتم، وبينهم أفاضل كثيرون يمكن الاعتماد عليهم فاحثوا التراب فى وجوه أولئك الدساسين الذين يفرقون بين مصريين ومصريين. إنه لا امتياز لواحد على آخر إلا بالإخلاص والكفاءة. فيهم من هو أجرأ منا، وفيهم من هو أفضل من كثير منا. أقول هذا لأننى أقول الحق، ويجب على زعيمكم أن يقول الحق. لقد برهنوا فى مواطن كثيرة على إخلاص شديد وكفاءة نادرة. وأفتخر «أنا الذى شرفتمونى بدعوتى زعيمكم» بأننى أعتمد على كثير منهم، فكلمتى ووصيتى فيكم أن تحافظوا على هذا الاتحاد المقدس، وأن تعرفوا أن خصومكم يتميزون غيظاً كلما وجدوا هذا الاتحاد متينا فيكم. ولولا وطنية فى
الأقباط وإخلاص شديد لتقبلوا دعوة الأجنبى لحمايتهم، وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدل النفى والسجن والاعتقال، ولكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والجاه والمصالح، يسامون الخسف ويذوقون الموت والظلم، على أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم. هذه المزية يجب علينا أن نحفظها وأن نبقيها دائما فى صدورنا، وإننى أفتخر كل الافتخار كلما رأيتكم متحدين متساندين، فحافظوا على اتحادكم».
ويوم 23 سبتمبر 1923 زار سعد زغلول دار البطريركية القبطية. وألقى خطابا قال فيه: «إن الاتحاد أساس نجاحنا وعماد مستقبلنا، ولا فرق مطلقا بين مصرى ومصرى». ثم قال إنه يسره أن تكون مقاعد البرلمان مملوءة بالأكفاء سواء كانوا مسلمين أو أقباطاً.
وقد انتصر الوفد انتصاراً هائلاً فى معركة انتخاب 1923، ونجح من رشحهم- ومن انضموا إليه- جميعاً، مسلمين كانوا أو أقباطاً. فقد حصل الوفد على 90٪ من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 214 مقعدا، بينما لم يفز الأحرار الدستوريون بغير ستة مقاعد، وفاز الحزب الوطنى بأربعة مقاعد فحسب. وكان عدد الأقباط فى المجلس النيابى 16 عضوا، بنسبة 8٪ تقريبا، وكلهم من الوفديين.
ويلاحظ طارق البشرى أن الانتخابات التى يحصل فيها الوفد على الأغلبية، يرتفع فيها عدد الأقباط إلى رقم كبير، بنسبة تتراوح بين 8٪ و10.5٪ والعكس بالعكس صحيح، فعندما يقاطع الوفد العملية الانتخابية أو لا يظفر فيها بالأغلبية، يقل عدد الأقباط فى مجلس النواب، وتتراوح نسبتهم بين 2.5٪ و4.5٪ فحسب.
كانت انتخابات 1923 حرة ونزيهة، فقد رشح فيها رئيس الوزراء يحيى باشا إبراهيم فى الشرقية، ورشح أمامه أحمد أفندى مرعى والد سيد مرعى. ففاز أحمد مرعى وسقط رئيس الوزراء. وهذا دليل على حيادية الانتخابات ونزاهتها، وكيف كان المصريون يحترمون بعضهم بعضًا، ليس فقط فى المفاهيم الوطنية، ولكن فى المفاهيم الدستورية أيضاً.
ولا أستطيع أن أترك هذا الفرصة دون أن أرد على بعض من قال عن ثورة 1919 انها لم تحقق شيئا، أو انها كانت مجرد هوجة.
أنا محام، ولكنى لا أترافع عن ثورة 1919، إن ما رأيناه وسمعناه وعشناه وما تجيش به عاطفتنا الوطنية، يسجل هنا بعض ثمرات هذه الثورة:
1- أول ثمرة من ثمرات كفاح الوفد، إعلان إلغاء الحماية البريطانية العظمى التى قالت انها سوف تطفئ نار هذه الثورة ببصقة، أعلن إلغاء الحماية البريطانية فى تصريح 28 فبراير 1922، استجابة لمطلب ثورة 1919.
2- الاستقلال: فى تصريح فبراير 1922، اعترفت بريطانيا بمصر «دولة مستقلة ذات سيادة». ثم نصت معاهدة 1936 على أن مصر دولة مستقلة، وحددت 20 سنة للجلاء. ورحل الإنجليز فعلا سنة 1956، فى الموعد الذى حددته المعاهدة التى وقعها مصطفى النحاس.
3- جلاء الموظفين البريطانيين عن مصر، فى سنتى 1922 و1923، بعدما استأثروا أربعين عاماً بالسيطرة على الإدارة المصرية. كان عددهم نحو 40 ألف بريطانى يحكمون مصر ويديرون مرافقها: وزارة الداخلية، وزارة المالية، والسكك الحديدية، والرى.
4- صدر الدستور سنة 1923، مقرراً سلطة الشعب وحقه الشرعى فى حكم نفسه بنفسه، محددا حقوق المصريين وحريتهم السياسية.
45- بناء على الدستور، صدر قانون الانتخاب، وأجريت فى أواخر سنة 1923 عملية انتخاب ممثلى الشعب فى البرلمان. كانت انتخابات نزيهة ومحايدة وعنواناً للديمقراطية بمعناها السليم. وتألف المجلس النيابى سنة 1924.
6- لم يكن لنا وجود فى عصبة الأمم وبعدما اعترفت بريطانيا باستقلال مصر فى معاهدة 1936 قبلت مصر عضواً فى عصبة الامم وكانت أول دولة من دول الشرق الأوسط تدخل عصبة الامم سنة 1937 حدث ذلك فى عهد وزارة الوفد وكان وزير الخارجية واصف باشا غالى.
7- إلغاء نظام الامتيازات الأجنبية بموجب معاهدة «مونترو» الدولية فى 8 مايو سنة 1937 وإطلاق سلطة مصر فى التشريع وقبل الالغاء كان أى كونستابل لابس طربوش مالطى أو من قبرص يستطيع إرهاب المصريين فى الإدارة المصرية بحكم الامتيازات الأجنبية.
8- إزالة اثار الرقابة التى فرضتها الدول على المالية العامة المصرية بإلغاء «صندوق الدين» من الذى ألغى ديون مصر من أيام الخديو إسماعيل؟ الوزارة الوفدية الوطنية فى سنة 1943 وزارة الوفد عملت القرض الوطنى جمعت من المصريين 100 مليون جنيه وسددت ديون الخديو إسماعيل.
9- إلغاء (المحاكم المختلطة) وتقرير سيادة القضاء الوطنى وحده على جميع المقيمين بأرض مصر بلا استثناء.
10- التعليم العام: الوفد أول من استحدث المجانية عام 1924 وطبقها أولاً فى التعليم الإلزامى ثم التعليم الابتدائى ثم الثانوى، ولما كان الدكتور طه حسين، وزيراً للمعارف، فى وزارة الوفد سنة 1950، قال «التعليم كالماء والهواء».
11- التعليم العالى: أول جامعة أنشئت فى مصر سنة 1932 وأطلق عليها جامعة الملك فؤاد، وفى سنة 1942 أنشأ الوفد جامعة الإسكندرية، وثمة عبارة سمعتها من وزير المعارف الدكتور طه حسين، بينما كنت مستشاراً له: «يا سعد لقد أنشئت جامعة الإسكندرية وجيوش روميل تدق أبوابها»، فى الوقت الذى كانوا يقولون فيه «إلى الأمام يا روميل» وزارة الوفد كانت تقيم جامعة الإسكندرية ثم أنشأ الوفد سنة 1950 جامعة عين شمس، ثلاث جامعات أنشأها الوفد وأعد لها نظامها وأساتذتها وطلابها ومقارها.
12- ألغت وزارة الوفد سنة 1924 نظام السخرة الذى كان موجوداً منذ أيام الخديو إسماعيل وبموجبه كان الحاكم يجند الشباب فى الأعمال قسراً.
13- مد الريف المصرى بالمياه النقية من فعل ذلك؟ عبدالواحد الوكيل سنة 1942 وحصلت الوحدات الريفية الصحية فى البلاد كلها على المياه.
14- إنشاء بنك مصر سنة 1920: ونحن فى عنفوان الثورة نهتف «تحيا مصر» و«الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا» يطلع علينا طلعت حرب أفندى (أطلق عليه لقب البكوية تعطفاً) قائلاً: لابد من أن نحرر الاقتصاد المصرى وينشئ بنك مصر ثم 38 شركة فيما بين سنتى 1920، و1960 أى فى خلال 40 سنة، وأنشئ البنك المركزى بفضل جهود الوفد.
15- أنجزت وزارة الوفد قانون ونظام التأمينات الاجتماعية والاعتراف بحقوق العمال فى تكوين النقابات فيما بين سنتى 1943 و1950.
16- إقامة جامعة الدول العربية التى صدر بها قانون فى 4 أكتوبر عام 1944 أى قبل إقالة وزارة الوفد بأربعة أيام.
فإذا كان الوفد قائد ثورة 1919 قد حقق هذه الباقة الكبيرة من الأعمال العظيمة فإنه يحق للاجانب أن يصفوا ثورة 1919 ونتائجها بأنها أكبر ثورة حصلت فى العالم الثالث هى ثورة الشعب المصرى، ثورة سعد زغلول هى التى حررت الهند وكانت المثل الأعلى فى تونس والمغرب، وسار على دربها الأيرلنديون، يعنى هى الثورة الأم بالنسبة للعالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.