تعد مشكلة تسرب الطلاب من التعليم، من أخطر الآفات التي تواجه العملية التعليمية ومستقبل الأجيال القادمة، التي تُسبب إهدارًا تربويًا لا يقتصر أثره على الطالب فحسب، بل يتعدى ذلك إلى جميع نواحي المجتمع، فهي تشكل ضاغطًا على الطالب، وتدفعه إلى الانحراف، وتزيد من معدلات الأمية والجهل والبطالة وتضعف البنية الاقتصادية والإنتاجية للمجتمع والفرد. ولم يكتف هذا الوباء بالنيل من الطلاب بهذا الكم، ولكنه راح يُساهم في إفراز ظواهر أخرى خطيرة، كعمالة الأطفال في سن صغير واستغلالهم، وانتشار ظاهرة الزواج المبكر، والانحراف وانتشار السرقات وغيرها، مما يؤدي إلى ضعف المجتمع وانتشار الفساد، وخسارة التلاميذ لأنفسهم بسبب الآثار السلبية التي تتركها في نفسية التلميذ وتعطل مشاركتهم المنتجة في المجتمع. وكان قد كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن تقرير خلال الأيام القليلة الماضية، حول ارتفاع نسبة التسرب من التعليم في مصر لعام 2017، والتي بلغت نحو مليون ومائة ألف متسرب من التعليم، لتحتل مصر المرتبة الأولى عربيًا في ظاهرة الأمية منذ عام 2014 وحتى الآن. وفي هذا السياق رصدت "بوابه الوفد"، آراء خبراء التربية وعلم الاجتماع حول أسباب التسرب من التعليم، وكيفية مواجهته. وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، إن التسرب من التعليم من القضايا الهامة التي لا يأخذها المجتمع المصري على محمل الجدية، فضلًا عن أنها من القضايا التي تحتاج إلى رؤية متكاملة من جميع مؤسسات الدولة لمواجهتها والقضاء عليها. وأكدت خضر في تصريح خاص ل"بوابة الوفد"، أن إهمال بعض الأسر المصرية لتعليم أبنائهم نظرًا لسوء أحوالهم الاقتصادية، والتي تدفعهم لفرض العمل على أبنائهم في سن الطفولة لمشاركتهم في أعباء الحياة، بالإضافة إلى أن ارتفاع نسبة الطلاق، من أهم العوامل المسببة في انتشار التسرب من التعليم. وطالبت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، وسائل الإعلام والتليفزيون بتحسين ما تقدمه للمجتمع من مادة إعلامية تساهم في التأثير على اهتماماتهم وتوجهاتهم الفكرية، بالإضافة إلى دور المدرسة الهام في جذب الطلاب والتعامل معهم بطريقة سليمة. ومن جانبها قالت الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع، إن انتشار مشكلة التسرب التعليمي، يعتبر خطر يهدد العملية التعليمية بأكملها، ويرجع مسئوليتها الأساسية للمؤسسات التعليمية والمدارس بجانب الأسرة، مؤكدةً على أن بعض الأسر المصرية تعزف عن تعليم أبنائها، وذلك لما تجده من إهمال داخل العملية التعليمية. وناشدت "عز الدين"، بضرورة الاهتمام بمدراس رياض الأطفال، لما تمثله من مرحلة أساسية ومهمة في إنشاء شخصية الطالب منذ البداية، مطالبة بتهيئه مدرسين رياض الأطفال، لما لهم من دور بارز وفعال في معالجة مشاكل الطلاب من أمراض الطفولة منذ البداية، والتي تتمثل في ضعف التركيز والذاكرة وصعوبة الحفظ ومعالجة التشتت والشرود والنسيان والتوحد. ولفتت أستاذ علم الاجتماع، إلى ضرورة تعاون الأسرة بجانب المدرسة حتى يتم التعاون معًا للمساهمة في إنشاء جيل سوي محب للتعليم، وللنهوض بالعملية التعليمية بالإضافة إلى تغيير مفهوم فلسفة التعليم لبناء طلاب نافعين للمجتمع. وفي السياق ذاته قال الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، إن التسرب من التعليم مشكلة قديمة ولكن لم يتم السيطرة عليها حتى الآن، ولها العديد من الأسباب والعوامل المساندة، مثل عدم رغبة الأسرة في تعليم أبنائها نظرًا لصعوبة الظروف الاقتصادية، بالإضافة إلى انتشار البطالة لدى الشباب بعد إنهاء العملية التعليمية، وهذا ما يؤثر بالسلب على أغلب الأسر المصرية، ويسبب في انعدام الرغبة في تعليم أبنائهم. وأكد مغيث، على أن العلاج الأساسي للتخلص من هذه المشكلة، سيتم عن طريق وضع خطط تنمية حقيقية وناجحة، تساهم في خلق فرص عمل للشباب وتقضي على البطالة المنتشرة؛ لتشجيع الأسر المصرية مرة أخرى على تعليم أبنائهم. وطالب الخبير التربوي، الدولة بمنح قروض تعليمية للطلاب تساعدهم في إنهاء العملية التعليمية كباقي الدول الأوروبية، وتسد بعد إنتهاء الدراسة، بالإضافة إلى تهيئة المدارس لجذب الطلاب عن طريق المدارس، من خلال تفعيل الأنشطة المدرسية، مثل النشاطات الرياضية، والثقافية، والفنية والمسرحية، وتخفيف الكثافة الطلابية داخل الفصول.