تحقيق : نشوى الشربينى - تصوير: رشدى أحمد - اشراف : نادية صبحى مصرع طفل وإصابة رجل وامرأة بحالة تسمم فى الصف بعد تناولهم مخلفات رقائق بطاطس محمرة، هؤلاء الضحايا مجرد حلقة لن تكون الأخيرة فى مسلسل التسمم المستمر حيث يفقد العشرات أرواحهم نتيجة تناول أطعمة ملوثة بالفيروسات القاتلة.. لا تصلح للاستخدام الآدمى، ولا ترحم صغيرًا أو مسناً، والكل هدف للفساد وانعدام الضمائر، الذى أصبح كالغول ينهش فى «بطون» أطفال المدارس. أبداً.. لم تكن واقعة تسمم 14 شخصًا عقب تناول بسبوسة من أحد الباعة الجائلين بأسيوط، مصادفة فريدة من نوعها، بل سبقتها كوارث صحية وحالات تسمم أخرى، فهناك كارثة إصابة 83 شخصًا بالتسمم بينهم 4 أطفال بسبب تناولهم مشروب «البوظة» الفاسدة فى أسيوط، وحالة تسمم أخرى لطالبة بتناولها طعامًا فاسدًا من بائع متجول بسوهاج، وأيضًا تسمم سيدة و4 أطفال بسبب تناول وجبة «كشرى» من أحد الباعة بالجيزة. ولم تتوقف الأجهزة المختصة، عن مطاردة الباعة الجائلين يومياً، وضبط شحنات غذائية منتهية الصلاحية، وعلى الرغم من سعادة – الجميع – بفرض دولة القانون على المخالفين، إلا أن منتجات الموت تباع على الأرصفة والشوارع جهارًا نهاراً. ولأن «مخالفات الغذاء» تتزايد يومًا بعد الآخر، فعدد الضحايا مرشح للزيادة.. فلا توجد مدرسة على امتداد محافظات مصر كافة، إلا ويسيطر عليها أباطرة العشوائيات، ويعرضون أطعمة مجهولة المصدر مثل «الكشرى» و«البطاطا» و«غزل البنات» و«الترمس» و«الحلوى»، فى ظل انعدام ضمائر بائعى المأكولات الفاسدة، والتخبط والعشوائية، فى مواجهة ظاهرة الأغذية مجهولة المصدر. أغذية الرصيف غير المطابقة للمواصفات تغزو الأسواق، ووراءها منتجون وتجار أصحاب ضمائر منعدمة، يحصدون أرباحا طائلة على حساب قصف أعمار المصريين، فتسببوا بما ينتجونه من سموم فى نشر السرطان والفشل الكلوى والكبدى بين المصريين، ما يكلف خزانة الدولة ما يزيد على 5 مليارات جنيه، وهو يمثل 18% من موازنة الصحة هذا المبلغ ينفق على علاج الأمراض المرتبطة بالأغذية الفاسدة - وفقًا للإحصائيات، خاصة أن 80% من الأغذية المتداولة بالأسواق مجهولة المصدر، حسبما صرح الدكتور حسين منصور، رئيس هيئة سلامة الغذاء. وتؤكد دراسة لمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية، أن عدد مصانع المواد الغذائية العشوائية تضاعف عن أعداد المصانع المسجلة، التى يبلغ عددها 500 مصنع فقط، والمصانع المخالفة تنتج نحو 80٪ من الأغذية المطروحة فى الأسواق، فى حين تنتج المصانع المرخصة 20٪ فقط، وأن 60% من عمليات تخزين المواد الغذائية غير مطابقة للمواصفات، وتتسبب فى خسائر للاقتصاد المصرى بلغت 200 مليون جنيه سنوياً، ولو أضفنا تكلفة العلاج فمعنى هذا أن مصر تخسر يوميًا أكثر من 14 مليون جنيه كل طلعة شمس بسبب الاقتصاد السرى. فيما حذر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، من مخاطر تناول الوجبات السريعة والأطعمة مجهولة المصدر التى تنتشر فى الشوارع، حيث تؤدى إلى الإعاقة الذهنية والحركية، والإصابة بمرض السرطان. أحمد عودة: عقوبة الغش التجارى «هزيلة» أحمد عودة، أستاذ القانون، الرئيس الشرفى لحزب الوفد، أوضح أن قانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تتجاوز 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تلاعب بالماركات التجارية أو الاشتراطات الصحية أو خدع وأخفى حقيقة السلع أو طبيعتها أو ما تحتويه من عناصر فى تراكيبها»، كما أن قانون حماية المستهلك: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 3 سنوات وغرامة لا تقل عن 25 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه فى حالة الإضرار بصحة المواطن»، وقال: هذه القوانين المعمول بها منذ عدة سنوات، تستلزم تدخلًا تشريعيًا لتعديل بعض أحكام هذه القوانين، بما يضمن سلامة وجودة المنتجات الغذائية، التى تمس صحة المصريين، وتأمين احتياجاتهم اليومية، وتغليظ العقوبات على المتجاوزين، وإحداث طفرة اقتصادية كبيرة لمصر. وأضاف – أستاذ القانون - أن الجهات الرقابية تعتمد على أسلوب سحب العينة، والمعامل تختلف فى درجة الإعداد من حيث القوى البشرية والأجهزة وطرق البحث، وبالتالى وجود نظام موحد ومطبق لأنظمة الرقابة الدولية، صار أمراً ضرورياً لضمان سلامة المنتج الغذائى وصلاحيته ومأمونيته للاستهلاك الآدمى «ضرورة قصوى»، بما يحقق الأمن الغذائى، ويقضى على تضارب وتنازع الاختصاصات بين الجهات المختلفة. مؤكدا أن التلاعب بالسلع ومخالفة المواصفات والجودة «جريمة» فى حق المجتمع، لأنها تتسبب فى أضرار وكوارث للمستهلك، ما يستوجب ضبط ومعاقبة جميع المخالفين والفاسدين دون استثناء. شريف الدمرداش: مصانع «بير السلم».. كارثة الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادى: يؤكد أن مصانع أغذية بئر السلم تهدد الصناعة الرسمية، بخلاف خطورتها على الصحة العامة، ويقول: «جميعها سلع سرية لا تخضع للضرائب أو أى التزامات تجاه الدولة، ولا تعترف بمعايير الصناعة، ناهيك عن الإخلال بالمواصفات القياسية للسلع المصنعة، ولا تخضع لأى جهة رقابية سواء صحية أو صناعية، ما يمثل خطرا يهدد الاقتصاد المصرى. ويؤكد - الخبير الاقتصادى - أن الحل الأمثل لمشكلة انفلات الأسواق هو التوجه الرسمى المتكامل من كل المؤسسات والهيئات الحكومية لتنظيم هذه الفئة، بحيث يكون لدى الدولة نظرة متكاملة تتعاون فيها كل قيادة فى مكانها، بدءا من الوزير ثم رئيس الحى وشرطة المرافق، فيوفر كل منهم الأماكن المناسبة لإقامة أسواق فى منطقته، وذلك يساعد البائع على تنمية تجارته فيكبر حجمها فى السوق الرسمى، وتعود بالفائدة على الدخل الاقتصادى للدولة، إلى جانب إتاحة المزيد من فرص العمل لملايين الشباب فى مختلف القطاعات. أشرف الديب:البطالة.. سبب الأزمة المهندس أشرف عمر الديب، رئيس نقابة العاملين بالمهن الحرة : يؤكد أن المجتمع بالكامل تقع على عاتقه المشاركة فى التنظيم الجديد للشارع المصرى. ويرجع مسببات أزمة الباعة الجائلين إلى تفاقم مشكلة البطالة التى تزداد سوءًا مع الفقر والعوز والعشوائية وسوء الإدارة. وأضاف - نقيب المهن الحرة - أن حل مشكلة الباعة الجائلين لن تكون بالمطاردات الأمنية، وإنما بحثهم على الدخول فى المنظومة القانونية عن طريق وضع بعض الشروط الواجب توافرها لضبط الأسواق. ويطالب بضرورة الإعلان عن تسهيلات للقطاع غير الرسمى، تتمثل فى أن تكون المدة السابقة على التسجيل فى الاقتصاد الرسمى (معفاة) بالكامل من أى رسوم أو ضرائب أو مسئولية مدنية أو جنائية أو غرامات، وتدريب هذه العمالة وتأهيلها للعمل ذى المواصفات والجودة، والإعفاء 3 سنوات مقبلة من كل الضرائب والرسوم وسداد التأمينات من بداية التسجيل فى المنظومة العامة، وعمل جهاز تابع للحكومة لشراء هذه المنتجات سواء للتوزيع داخل مصر او للتصدير للخارج، ويتم مدهم بالمواد الخام اللازمة لهذه الصناعات وهذه السلع رخيصة الثمن، والتعامل معها بصفتها صناعات صغيرة وبالتالى تخضع لشرائح ضريبية منخفضة، وفرض عقوبات مالية مغلظة على المخالفين، وتحديد أماكن ثابتة وتنظيمها للأسواق، وتوزيعها على التجار، وتوفير ضمان اجتماعى بمنحهم تراخيص ثابتة لتأمين عملهم وهى فرصة حقيقية للعمل وكسب الرزق دون أى تهديدات من البلطجية أو الموظفين الفاسدين فى المحليات، على أن يتم الاعتماد على تعاون المحليات للقيام بدورها الحقيقى، إلى جانب هيئة التجارة الداخلية لتنظيم وإنعاش الأسواق، والحد من الشلل المرورى، وإعادة الوجه الحضارى للعاصمة بحق. ويوضح أن تشديد الرقابة على المنتجات التى تبيعها تلك الأسواق إحدى أهم الخطوات للحفاظ على النظام، وحماية صحة المواطنين، وتطوير المجتمع. ويشير إلى أهمية استغلال الفترة الحالية لتنظيم الشوارع فى شتى المحافظات والمدن، حتى يصبح من اليسير الوصول إلى تخطيط سليم للأسواق، بعيدا عن تشويه الشوارع، وبدون صنع مشكلة أخرى وهى تصفية وتسريح عمال من أجل الانتهاء من صداع الباعة الجائلين. انخفاض أسعار «المأكولات الملوثة».. يجذب الضحايا «الوفد» زارت عدة مناطق لرصد أماكن بيع أغذية بئر السلم المنتشرة فى الميادين وأرصفة الشوارع الرئيسية بمحافظاتالقاهرة والجيزة، ونقلت عدسة الكاميرا ما أحدثه باعة الأغذية مجهولة المصدر من عشوائية افتراش الأرصفة والشوارع فى منطقتى العتبة والموسكى، حيث تنتشر هذه السلع بتقليد ماركات عالمية مثل مصنعات اللحوم والتونة والسردين والرنجة وعبوات الجبنة المثلثات واللانشون والألبان البودرة والبسكويت والشيكولاتة والحلويات وزيوت الطعام، ناهيك عن الاختناقات المرورية فى ميادين الدقى والجيزة والعتبة، وكذلك شوارع وزارة الزراعة. الغريب أن تلك المنتجات تحظى بقبول شديد من المواطنين لرخص أسعارها، فى ظل غياب الرقابة وجشع معدومى الضمائر. والحال يتكرر فى ميدان لاظوغلى التابع لحى السيدة زينب، حيث ينتشر باعة المشروبات والسلع الغذائية مجهولة المصدر، التى لا يدون عليها تاريخ صلاحية، ما يتسبب فى الإصابة بالأوبئة والأمراض الخطيرة. ولا يختلف الأمر كثيرا فى الأسواق الشعبية عن الأحياء الراقية بشارع التحرير التابع لحى الدقى، الذى ينتشر فيه باعة السلع الغذائية، ويتهافت المواطنون على شرائها، نظرا لرخص أسعارها دون النظر لمخاطرها. أميمة كمال، «موظفة» وأم ل«3 أطفال» قالت إن قطاع الأغذية يعانى الإهمال والعشوائية، ولأن الجهات الرقابية المسئولة عن مراقبة الأسواق والأغذية، دورهم «معدوم»، ما تسبب فى تفشى الفساد فى الأسواق، وإصابة المئات من المواطنين بالأمراض. وأضافت: «اشتريت منذ شهرين معلبات تونة وعبوات جبنة، يتم بيعها فى سوق العتبة ووجدتها فاسدة، رغم أن تاريخ الصلاحية ممتد على العبوات لعام قادم». زينب محمود، «ربة منزل»، وأم ل«طفلين»، تطالب بإغلاق مصانع الأغذية الفاسدة لخطورتها على الجميع، ومعاقبة المخالفين، وتوفير المنتجات الغذائية بأسعار معقولة ومصنعة تحت إشراف الدولة، حماية لصحتنا وصحة أولادنا، بدلا من أن تتركنا لهذه السلع الرديئة التى تضرنا. موضحة أن نجلتها أصيبت بحالة تسمم، بسبب الجاتوه منتهى الصلاحية الذى يباع على العربات فى الشارع. فريدة على، «عاملة فى إحدى الشركات الخاصة»، تؤكد أن رخص أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية كان سببا أساسيا لإقبال المواطنين على شرائها، حيث إن لديها ثلاثة أطفال ولا تقدر على الشراء من المحال التى بها منتجات مرتفعة السعر. مدير مركز الحق فى الصحة .. الأطعمة الرخيصة تدمر المصريين أكد الدكتور محمد حسن خليل، مدير المركز المصرى للحق فى الصحة: أن أغذية الشوارع تتعرض خلال مراحل إنتاجها وتصنيعها وتخزينها وتداولها لمصادر عديدة من الملوثات الضارة والسامة بدءا من أصغر عامل فى مصنع أو شركة «بير السلم» وصولاً إلى مائدة المصريين، حيث تكمن كثير من السموم فى الأغذية الفاسدة لا ترى بالعين المجردة كالميكروبات والجراثيم والفيروسات والطفيليات الصغيرة بأنواعها المختلفة، كما تسفر الملوثات الكيميائية السامة كبقايا المبيدات أو التى يدخل فى تصنيعها العديد من المركبات الصناعية الضارة والمواد المغشوشة، والتى تلوث الطعام وتسبب المرض، وربما تكون مسببة الموت، وبالأخص عند الأفراد الضعفاء كالأطفال وضعيفى المناعة والحوامل والمسنين، أو كان المصاب يعانى من حالة مرضية سابقة. وينصح - مدير مركز الحق فى الصحة - بضرورة توعية المواطنين من خطورة هذه المنتجات على الصحة لسوء تصنيعها، حيث إن أصحاب هذه المصانع يهربون من جهات التفتيش والرقابة الصحية. وقال: «أكثر أعراض المرض المنقولة بسبب الطعام الملوث تتمثل فى الحمى والإعياء والمغص البطنى والغثيان والقىء وآلام الرأس والعضلات وارتفاع الحرارة وفقدان الشهية والإسهال، وتظهر الأعراض المرضية عادة بعد تناول الطعام الملوث بفترة تتراوح بين 12 و72 ساعة، ومن المحتمل أن تظهر مبكراً بعد نصف ساعة أو متأخرة جداً بعد مرور شهر كامل، والأمراض الناتجة عن تلوث الغذاء هى التهاب الكبد الوبائى (أ)، وسرطان القولون، ومشاكل الكلى، والفشل الكلوى، والأمراض المتصلة بضعف المناعة.