فصل طالبة مريضة بالسرطان| أول تعليق من جامعة حلوان.. القصة الكاملة    العمل في أسبوع.. حملات لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية.. والإعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    برلماني: استرداد سيناء ملحمة وطنية تتناقلها الأجيال    الصين: مكافأة مالية 1400 دولار لاستبدال السيارات القديمة بجديدة    محافظ القاهرة: تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال بكل حزم    الزراعة: إصلاح الفدان الواحد يكلف الدولة 300 ألف جنيه    حملات يومية لرفع الإشغالات بدمياط الجديدة    كرم جبر : الرئيس السيسي رفض الرد على نتنياهو أكثر من مرة    جماعة الحوثي تشن 5 هجمات ضد السفن في البحر الأحمر.. فيديو    شوط أول سلبي بين الترجي وصن داونز    ضحايا الطقس السئ في قنا.. وفاة مسن سقطت عليه نخلة    سعد الصغير يكشف تفاصيل جولته الغنائية في أمريكا    اختفاء دول.. خبير أبراج يتوقع مرور العالم بأزمات خطيرة    سميرة أحمد: بحب منى زكي أوي .. وأنا ضد مصطلح السينما النظيفة    الكشف الطبي بالمجان على 1058 مواطنا في دمياط    وزيرة «التخطيط» تشارك بمنتدى التمويل من أجل التنمية بالأمم المتحدة    حضور جماهيري كامل العدد بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    الأونروا: قطاع غزة يشهد موجة حر غير عادية فاقمت الأزمة المعيشية    أحمد فايق يقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة عبر «مصر تستطيع»: «نجتهد دون قلق»    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى فاقوس المركزي ويحيل مشرف التغذية للتحقيق    صلاح ضمن التشكيل الأفضل للدوري الإنجليزي    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    اقرأ في عدد «الوطن» غدا.. مصر تجري اتصالات مع كل الأطراف لوقف الحرب في قطاع غزة    حياتى أنت    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    مصرع طفل سقط في مصرف زراعي بالفيوم    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| مي عاطف: هدفنا منافسة رياضية شريفة لجميع الفرق    «بيت السناري» يستضيف ندوة «المكون الثقافي والسياسات الخارجية المصرية»    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    مواعيد صرف منحة عيد العمال للعمالة غير المنتظمة    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل ضمن «الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة»    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    أول تعليق من كلوب على إهدار صلاح ونونيز للفرص السهلة    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: الأديرة.. قدوة الزهد والطهارة
نشر في الوفد يوم 15 - 08 - 2018

الرهبان هجروا المجتمع إلى الصحارى لممارسة الحياة المسيحية الأصيلة
فلسفة الرهبنة تعتمد على التخلى عن متاع الدنيا.. والعيش فى حالة «فقر اختيارى»
الدير يوفر أجواء القداسة للراهب ويحميه من الردة إلى الحياة
يجب وضع ضوابط لمنع غير الجادين من دخول الأديرة.. وحظر الزيارات على طالبى «خلاص النفس»
شغل دير أبومقار أذهان الكثيرين على مدى الأيام القليلة الماضية، وبالرغم من خصوصية الحياة فى هذا الدير، فإن أخباره قفزت إلى صفحات الصحف والمجلات وكل وسائل الإعلام المرئية بطريقة غير لائقة ومسيئة، وما لا يعرفه الجميع أن الرهبنة ظهرت فى مصر فى بداية القرن الرابع، ومنذ هذا التاريخ امتدت وانتشرت فى أنحاء العالم المسيحى، وقد تطورت الرهبنة بعد تجديد فكر الإمبراطور قسطنطين وإعلانه التسامح مع كل الأديان، ما أدى إلى توقف اضطهاد الأقباط، وكان هذا هو المبرر للرهبنة فقد أراد الرهبان بإرادتهم أن يكونوا شهداء كل يوم ولكن بدون سفك دماء، فعوض الاستشهاد بالدم الذى كان يؤديه المسيحى مرة واحدة فى حياته وهى لحظة الاستشهاد مارس الرهبان «الإدارة» اليومية لشهوات النفس.
ولا شك أنه بعد أن تغير موقف الدولة من المسيحية من الاضطهاد إلى التسامح برز خطر هدد الديانة المسيحية فى أساسها وهو أن ينسى الناس أن ملكوت الله ليس من هذا العالم، فقد ظن البعض أن ملكوت الله هو المملكة الأرضية غير مدركين أن كل ما على الأرض هو رمز، وأن الحقيقة المجردة فى الدهر الآتى ملكوت الله.
ومن هنا، خرج الرهبان من هذا المجتمع الذى بدأ يفقد حرارة الإيمان إلى الصحارى لكى يمارسوا الحياة المسيحية الأصيلة التى لا تركن إلى سلطان دنيوى، ولا تأبه بكرامة دنيوية فخرجوا متجردين من كل متاع الدنيا وعاشوا فى فقر اختيارى، وتكريس كامل للحياة مع الله.
الراهب
ظهرت فى مصر أنماط رئيسية من الرهبنة، فهناك المتوحدون الذين يسكنون فى مغائر أو أكواخ وأول نموذج لهؤلاء القديس أنطونيوس الكبير، أما النمط الثانى فهو حياة الشركة، حيث يسكن الرهبان فى دير يحميهم معاً، ثم ظهر النمط الثالث وهو شركة المتوحدين، وهو طريق وسط بين الرهبنة التوحدية والرهبنة المشتركة.
وبداءة يجب أن نعرف من هو الراهب، فالراهب هو «متقى الرب» أى هو الذى يخاف الله خوف المحبة والحرص على إرضائه بتنفيذ وصاياه، وهو إنسان ترك العالم وترك بلده وأقاربه وانتقل إلى البرارى ليجلس فى هدوء ويعمل بيده، ويُقيت نفسه ويعبد الله ليلًا ونهاراً، فعمله هو الصوم والسهر والصلوات والسجود وتلاوة المزامير وقراءة الكتب، فالراهب هو الذى يستعد ليصير مثل الملائكة بدون هم، ويشق عنه ثوب العالم.
فيجب أن يحيا الراهب حياة التجرد، وأن يكون بعيدًا عن كل شهوة، وأن يكون مطيعًا للسيد المسيح حافظًا لوصاياه، خاضعاً للآباء محباً للرهبان، عفيفًا صابرًا ناسكًا تائبًا رافضًا الشهوات، حافظاً حواسه غير غضوب، مصلياً فى كل وقت.
رداء الرهبنة
ولا شك أنه إذا تقدم أى شخص ليلتحق بدير، فإنه يجب بداءة اختياره وفحص سيرته بدقة والتأكد من قدرته على ترك حياته العلمانية، وأن يكون غرضه الحقيقى من الترهب هو التعبد له، فإذا تحقق رئيس الدير من عدم وجود موانع تحول دون قبوله ووجد أنه لا يزال ثابتًا على عزمه راغبًا فى حمل نير الرهبنة ونذر العفة والنقد الاختيارى، فحينئذ يوافق على التحاقه بالدير لمدة اختبار، فإذا مضت مدة الاختبار وتبين أنه لديه شوق حقيقى إلى التعبد، وأنه مستعد للتواضع والاحتمال والصبر والسلوك الحسن والخضوع لقوانين الرهبنة والطاعة لجميع الرهبان وأنه حافظ المزامير وصلاة التسبيحة، فإنه يأذن له بلبس رداء الرهبنة.
والراهب فى ديره يجب أن يطالع الكتب المقدسة، وسير القديسين، وتعاليم الرهبان المتقدمين، وأن يقوم بالخدمات الكنسية، وأن يؤدى العبادات الليلية والنهارية، وأن يحضر صلوات المجمع التى تقام داخل الكنيسة وخارجها.
ومتى دُق ناقوس الدير فى أوقات تناول الطعام فيجتمع الرهبان ورئيسهم فى غرفة الطعام، وبعد قراءة فصل من الكتاب المقدس وفصل آخر من كتاب بستان الرهبان، ورفع صلاة المائدة يتناولون طعامهم، ثم يختمونه بقراءة البركة المدونة فى كتاب بستان الرهبان، ومن يمتنع عن الطعام بلا عذر يمنع من الطعام إلى أن يعود الرهبان إلى الاجتماع، ولا يجوز للراهب أن يدع خبزًا فى قلايته ولا شيئاً مما يؤكله ما عدا ما يعطى له ولإخوته بالمساواة.
والعمل فى الدير عنصر مهم فى الحياة الرهبانية فلا يجلس أحد الرهبان متكاسلًا بلا عمل فى وسط الجماعة، لأنه لا يوجد أى عذر لراهب لا يعمل، ولا يجوز لراهب أن يجبر أخاه على عمل يزيد على طاقته، لأن العمل المعقول يشجع الكل، وبالتالى فإن كل راهب ملزم بالعمل بكل قلبه لكى ينجز ويتعلم ليأخذ طعامه وملبسه وكل احتياجاته.
وهناك ثمة واجب يقع على رئيس المدير أو نائبه وهو مسئولية تحديد الوقت الذى يبدأ فيه الرهبان العمل والوقت الذى يرجعون فيه، فإذا استدعى الأمر أن يكون هناك ضرورة للعمل وقت الليل فيجب على الرهبان القيام به بدون تذمر، كل ذلك بشرط عدم إهمال وقت الاجتماع والخدمات الإلهية ومواعيد تناول الطعام فى المكان المعد لذلك.
وكل عمل مطلوب يجب أن يؤديه الراهب بيقظة وحكمة وتقوى، والعلم فى الدير ليس فرديًا، إنما هو عمل مشترك، فيجب أن يشعر الكل بأنهم يعملون من أجل خدمة الله الذى
أكد لهم هذا المكان ليعملوا فيه، وأنهم يعملون لأجل المنفعة الروحية.
الفقر والتجرد
وقد نتساءل عن كيفية ممارسة الراهب حياة التجرد والفقر الاختيارى، فأقول إن قوانين القديس باخوميوس تركز على هذا الأمر فلا تجيز للراهب ان يمتلك أى شىء ولا أن يترك فى قلايته إلا ملابسه وأدوات العمل التى تكفيه، وتحظر عليه تملك أدوات البذخ والكماليات وألا يكون ثمة اختلاف فى مظهر الرهبان، بل يكون للكل نفس الملبس ونفس المهر، ولا يكون لأى أحد أى زينة أو بهرجة خاصة.
والطاعة هى أساس كل تقدم روحى للراهب، فكافة أعمال الرهبان خارج قلايتهم وممارستهم مع بعضهم ومع الغير تكون بإذن المسئول فى الدير، والتخاطب مع من هم خارج الدير فى غير الأعمال المنوطة بالراهب يكون أداؤها عن طريق الأب المسئول، وإذا سمع الراهب صوت جرس الدير، ففى الحال يترك قلايته ويذهب لحضور الاجتماع، كما يجب أن يكون حاضرًا فى الصلاة الجماعية والتسابيح داخل الكنيسة وأن يقوم بقراءة وتلاوة المزامير فى كل وقت.
وينص قانون باسيليوس فى شأن الرهبنة على أن يحظر على أى راهب أن يأخذ لأحد وديعة لئلا يجلب على الدير صراعًا واهتماماً، كما يوجب على الرهبان أن يكونوا مدمنين للصلاة غير مفارقين بعضهم بعضاً، وأن يلتزموا بالوقار، وكل أخ يغتاب أخاه وينمّ عليه فليخرج من الدير، وكل راهب صحيح الجسم ولا يعمل فيجب أن يوبخ، وكل راهب عاص لا يسمع ولا يطيع يخرج من الدير، ولا يترك فيه ساعة ولا يقبل له توبة، وكل راهب يؤذى الرهبان ويطرح الشر بينهم يخرج أيضًا من ديره.
وتنص المادة 27 من قانون الرهبنة الذى أصدره المجمع المقدس سنة 1928 على أنه إذا ارتكب راهب ذنباً من الذنوب الآتية ولم يتب عنه يحكم مجمع الدير بإخراجه من الرهبنة وهى:
1- إهمال الأصوام المفروضة بلا عذر
2- مبارحة الدير بغير إذن والتجوال فى البلاد
3- الاستعانة بالسلطات المدنية
4-الفتور المستمر فى العبادة وفى حضور الكنيسة
5- تحريض الرهبان على العصيان
6- مكاتبة الصحف
7- المشى بالنميمة والوقيعة بين الرهبان
8- السرقة
9- الاعتداء على غيره بالضرب
10- ارتكاب ما يخل بالشرف ويخالف الآداب
وكل ما فى حكم هذه الذنوب
وتوجب المادة 48 متى حُكم على راهب بالطرد من الدير أن يقوم رئيس الدير بإرسال الحكم إلى البابا البطريرك للتصديق عليه ولتجميد من يكون كاهنًا منهم ولإخطار الأديرة الأخرى بذلك حتى لا تقبله فى شركتها.
الهروب!!
وإذا كانت الحياة التى يحياها الراهب هى حياة صلاة، ومن خلال هذه الحياة يستطيع الراهب أن يخدم بها الآخرين الذين فى العالم، بل إن صلوات الرهبان هى التى تسند الكنيسة وتعضّدها وتحفظها فى أوقات المحن، ومن ثم فإن رئيس الدير هو الأب الروحى للرهبان وهو مرشدهم وفى إرشاده يستخدم كافة الوسائل المناسبة التى تساعدهم على النمو فى حياتهم النسكية، أو إتمام دعوتهم الرهبانية بلوغًا للهدف الذى دخلوا الرهبنة من أجله، وهو أن ينالوا الخلاص.. كل واحد لنفسه ثم يساهموا فى حياة الشركة المجمعية معاً.
ويعتبر العمل من أهم الوسائل الأساسية فى تربية الراهب التربية الروحية، وأيًا ما كان نوع العمل، ومهما كانت صورته فإن العمل فى يد الأب الروحى للدير هو أداة ليتعلم أثناءه الرهبان ويتدربوا على بلوغ كمال الحياة المسيحية والإيثار وذلك بتقديم الآخرين فى أعمال المحبة والانصياع والطاعة والاحتمال والمسامحة والمغفرة للآخرين.
ولا يمكن أن يتحول العمل فى الرهبنة عن طبيعة كذبة وسيلة لغاية، وليس غاية فى حد ذاته، إلا وهى غاية خلاص النفس، ومن ثم فإن اكتناز الأموال واقتناء الأراضى والممتلكات والمتاع فكل هذه الأمور تتنافى تمامًا وتتعارض مع النذر الرهبانى المثلث: الفقر، الطاعة، العفة، وبالتالى فإذا حدث خلل فى المثل العليا للرهبنة ارتبكت الحياة الرهبانية وحدث التعثر والعثرة فى حياة الراهب ومسيرته، وهو أمر يؤدى به إلى تنكب طريق الخلاص، ويحدث بلبلة فى أية جماعة تغيب فيها الأهداف، وهنا تضيع الغاية العظمى من الرهبنة، وهى خلاص النفس فى خضم تشوش وضياع لمعالم الطريق الرهبانى، والنتيجة الطبيعية هى حدوث الأزمات التى تزعج الكنيسة والشعب المسيحى على السواء.
ولما كان الدير هو مكان سكن الرهبان وكان الرؤساء والمستقلون عن الدير ليس لهم هم، ولا عمل إلا أن يوفروا للراهب منذ دخوله الدير وإلى يوم مماته فرص ممارسته لحياة الرهبنة حسب طقس الآباء القديسين، وقد حفلت الكتابات الرهبانية القديمة والحديثة بكل التعاليم والوصايا والتوجيهات للراهب الذى يريد أن يكمل حياته فى مخافة الله ورضاه، كما حفلت قوانين الرهبنة بتوجيهات للرؤساء عن كيفية حماية وحفظ أولادهم الرهبان فى قداسة الحياة الرهبانية وكيف يصدون
عنها كل ما يعثرهم ويبعدهم عن الحياة الرهبانية السليمة.
فالدير هو الذى يعطى الفرصة للراهب أن يحقق رهبانيته وهو المسئول أن يوفر له حياة كلها قداسة وكلها صلاة، ورئيس الدير هو المسئول عن صون قداسة الدير وعن حفظ جو الرهبنة داخله، وتدبير حياة الرهبان بالحكمة والبصيرة التى تستطيع أن تقى الراهب من عثرات الردة إلى حياة العالم، بل يشجعه على النمو والتقدم فى طريق البر والجاد، فإذا تعثر الراهب نتيجة عدم تنفيذه قوانين الرهبنة، فحينئذ لا يكون على الدير ملامة وتكون الملامة للمسئول عنه.
يقول أبا زينون: إن رهبانًا كثيرين تركوا آباءهم وأمهاتهم وأخواتهم وأقاربهم وخدمهم ومعارفهم وممتلكاتهم وكل شىء من أجل خلاص نفوسهم، وكانوا فى أول حياتهم الرهبانية يسلكون حياة تستحق المديح والإعجاب، ولكنهم انتهوا إلى حياة تستحق اللوم والعقاب، هذا حدث لأنهم لم يعطوا أنفسهم تمامًا لحياة الطاعة والحياة بلا همّ.
ولا جدال فى أن شهوة المال وشهوة التملك والاكتناز وإزداة الأرباح، والتوسع فى المشاريع ليست من الرهبنة فى شىء، هى ضربة شيطانية تدرّ وراءها كل ما يمكن أن يعثر الراهب ويعثر من حوله.
لذلك من حقى أن أقول إن تطبيق قانون الطاعة على كل الرهبان بلا استثناء وبلا محاباة لهو أمر حتمى، لأن معظم عثرات الراهب تأتى من عدم إعطائه نفسه تمامًا لحياة الطاعة، وهو الأمر المنوط بالمديرين والرؤساء فى الأديرة ليباشروا قوانين الطاعة على الرهبان حفاظًا لجهادهم ولضمان كمال خلاصهم.
وإذا كانت القوانين الرهبانية لا تسمح للرهبان على الإطلاق باختلاط العلمانية بهم فى صلواتهم، ولا تسمح للرهبان الكهنة بمناولة العلمانية فى الأديرة ولا يسمح لهم بسماع اعترافاتهم ولا بممارسة سر الزيجة المقدسة وسر مسحة المرض ولأسر المعمودية لأنها مقصورة على معمودية المتقدمين للرهبنة من غير المتعمدين، ومن ثم فإنه لا يصح للراهب أن يشغل نفسه بأعمال الرعاية ولا زيارات الافتقاد للأسر فى بيوتهم.
ولما كانت قوانين نيقية العربية 31 تنص على أنه إذا كان العلمانيون إذا اتّجروا كان رديئاً، فكم عيباً يكون على الراهب إذا اتجر وينص قانون باسيليوس 13 على أنه لا يرخص للراهب أن يخرج بغير إذن، ولا أن يمكّن من السكن فى غير ديره، ولا الخروج عنه، ولا ليؤدى عملًا وبإذن، إننا فى حاجة لإعمال أحكام هذه القوانين، لأن كل من يلبس زى الرهبنة ويرتكب كل هذه المخالفات أو واحدة منها فإنه لا تكون له أعمال الرهبنة، فهو لا يزال فى منزله العلمانية، ووجب عليه أن يعود إليهم.
إننى أطالب بوضع ضوابط تمنع غير الجادين من دخول الأديرة، فكل راغب فى دخول دير يفد غرف خلاص النفس والتزام حياة الرهبنة، لا يصلح أن يكون راهباً، وكل من يدخل الدير لينال رتبة كهنوتية لممارسة السلطة على الناس لا يصلح أن يكون راهباً!!
إننى أطالب بوضع معايير جادة يختار الراهب على أساسها من بين الرهبان لأداء خدمة رعوية أو تولى منصب كنسى فيجب ابتداء أن يختار من بين شيوخ الرهبان، وأن يكون على علم بنوع الخدمة المدعو لها، وأن توفر له الرئاسة الدينية الحياة اللائقة بطهارة حياته الرهبانية وألا يكلف بخدمة تتعارض مع نذر بتوليته حتى لا يفقد نقاوة الرهبنة التى استدعى من منسكه ليخدم بها، فتتأذى الخدمة من جراء ذلك، فأعمال الرعاية وسط الشعب والنساء لا تتناسب أبدًا مع دعوة الراهب ولا مع إمكانياته النفسية والروحية.
لماذا لا نتذكر قرارات مجمع نيقية أن تكون خدمة الشعب بمعرفة كهنة متزوجين، فقد قرأت فى كتاب التدبير الإلهى فى بنيان الكنيسة أن القديس «باخوميوس» كان يجلب كهنة متزوجين من الأيبارشيات المحيطة بأديرته ليقوموا بأداء القداس الإلهى للرهبان وقد رفض ما كان ينويه القديس «أثناسيوس» الرسول من رسامته كاهنًا باعتباره الأب الأكبر للأديرة، وهرب واختفى من لقاء البابا حين توجه لزيارته فى الصعيد، وقد احترم البابا رغبته ولم يرسمه كاهنًا ومدحه أمام الرهبان، وقال لهم: عظيم هو أبوكم، قولوا له قد هديت من ذاك الذى يقود إلى الغيرة، والحسد، والتطاحن، فاختبأت عنا، لأنك اخترت لنفسك ما هو أفضل، وهو الاحتماء فى الرب يسوع، ربما أنك هربت من المجد الباطل والعظمة الزائلة، فإننى أطلب من الله أن يحفظك من كليهما، قولوا له إن هذا الأمر الذى هربت من أجله لن يحدث!!
نور العالم
صحيح أن ما قرأته عما حدث فى دير أبومقار أزعجنى، وأن ما قيل إن جهات الأمن أسفرت تحرياتها أن وراء ارتكاب جريمة قتل رئيس الدير أمام القلاية الخاصة به راهباً تم تجريده وراهباً آخر حاول الانتحار، وأن هذا الراهب أفصح لزميله عن رغبته فى الانتقام من رئيس الدير والتخلص منه بعد اكتشاف المجنى عليه مخالفات اتكبها منها عقده صفقات تجارية، وشراء أراضى عقارات وتدشين صفحة تحريضية مغلقة على وسائل الاتصال الاجتماعى ضد رئيسه، أمور يمكن توقعها من أى راهب لم يترك العالم بل عاش فى ديره وتملكته شهوة التملك، وشهوة الاكتناز، وشهوة التوسع فى المشاريع وتحقيق الأرباح، أمر متوقع من أى راهب يعمل لحسابه الخاص، ويستأثر بأراضٍ وممتلكات، إنه فى ديره لم يكن يعمل لأجل الله، ولا لأجل منفعته الروحية، إنما لمصلحته الشخصية ومصلحته المالية، وهى ضربة شيطانية ترتب عليها إيذاؤها، لقد انتهى إلى حياة تستحق منا اللوم والعقاب فعثرته مردها إلى مسلكه وعدم إعطائه نفسه لحياة الطاعة التى يجب أن يتحلى بها كل الرهبان.
ويبقى ما يجب أن أقوله إن الرهبنة موهبة، والراهب يتدرب وينمو فى حياته الرهبانية لكى يخلص وينال إكليله فى الحياة الأبدية، وصدقونى إن الراهب حين يوفى حق دعوته وموهبته بأمانة وإخلاص فإنه يخدم الكنيسة ويخدم شعبه.
إن الكنيسة تحتاج إلى نفوس منسكبة فى الصلاة وبذل الذات والعمل الروحى الخفى الذى يجلب الروح القدس على الخدام والمفتقدين فى الشوارع والأزقة ليتوب الناس ويتطهروا فى قلوبهم ويقبلوا الإيمان الحى.
إن الدعوة الرهبانية فى الصحراء هى سند وعضد للكنيسة الخادمة فى العالم، وسر قيام الكنيسة وسلامتها فى وجه أعاصير الاضطهادات والهرطقات والغزوات على مدى ألفى عام، كان فى تماسك الرهبنة وسلامة بنيانها، وحرص رهبانها على طهارة حياتهم ونقاوة رهبنتهم.
رجاء، حافظوا معى على أجواء الهدوء والسكون فى الأديرة، حافظوا على خصوصية الحياة الرهبانية لساكنيها، فلا تقربوا منها إلا لتتباركوا من نساكها، رجاء لا تحاولوا زعزعة أسسها، ولا تضربوا بمعاولكم لتدمروا أعمدتها، بل قفوا معنا لتزيدوها ترسيخاً، لأن سلامة ووحدة الكنيسة ونجاح رسالتها تتحقق بأن يسلك كل منا فى الطريق الذى دعاه الرب، فليحفظ الله أديرتنا وليحفظ الله رهبانها قدوة فى الزهد والطهارة ومنارة للعلم ونورًا للعالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.