في رأيي أن من أكبر اخطاء النظام السابق أنه قتل الصناعة المصرية وهو ما أراه مؤامرة دولية علي مصر.. الكل مستفيد منها.. والخاسر الاساسي هو مصر.. ذلك أن مصر هي أكبر سوق استهلاكية في الشرق الاوسط كله.. خصوصاً وأن المصريين يعشقون كل ما هو مستورد، حتي ولو كان حزمة فجل!! وبالتالي فإن ضرب الصناعة المصرية يستفيد منه كل من يملك مصنعاً خارج مصر.. علي الاقل للسلع الاستهلاكية والمعمرة.. ويكفي ما حدث لمصنع انتاج السيارة المصرية نصر بأنواعها، الذي تم فكه وفقاً لهذه المؤامرة لتنفتح أبواب مصر أمام مئات التوكيلات لاستيراد السيارات الاجنبية.. أو امام العشرات من المصانع الاجنبية التي تقوم بتجميع السيارات الاجنبية من المرسيدس إلي الاوبل والشيفروليه ومن الانتاج الياباني والكوري والصيني.. إلي السيارات الماليزية وغيرها.. والكل «اتحد وتوحد» علي ضرب الانتاج المصري للسيارات.. وعبيط من يري سوقاً استهلاكية يزيد عدد سكانها علي 80 مليون شخص، وكل واحد منهم يحلم بامتلاك سيارة.. نقول ذلك لان انتاج سيارة يحتاج إلي عشرات المصانع التي تستهلك مستلزمات انتاجها، ولنا ان نتخيل عشرات الالوف من المصريين الذين كان يمكن ان يعملوا في كل هذه الصناعات المغذية لانتاج السيارة.. وكل ذلك تم اجهاضه ضمن هذا المخطط الاجنبي للقضاء علي صناعة السيارات المصرية.. وإياكم وتصديق مقولة أننا نلزم شركات تجميع السيارات الاجنبية في مصر بأن تستخدم نسبة معينة من هذه الصناعات المغذية من انتاج مصري. وفي الوقت الذي أغلقنا مصانع وادي حوف فيه حقق أصحاب توكيلات تجميع السيارات الاجنبية.. وكذلك المستوردون المليارات من وراء نهم المصريين للحصول علي السيارة.. حتي أصبحت شوارع مصر كلها جراجات للسيارات.. وبلغ من رغبة النظام السابق في تشجيع رجال الأعمال - من هؤلاء - أن ابتدع يوسف بطرس غالي وسيلة لتشجيعهم بدفع ملاك سيارات التاكسي إلي ترك سياراتهم القديمة ليحصلوا علي جديدة مع تسهيلات مغرية من البنوك، بعدما شوهد تراكم السيارات الجديدة لدي مصانع التجميع!! وما أصاب صناعة السيارة المصرية ومصانع وادي حوف أصاب صناعة الغزل والنسيج.. بل وأصاب زراعة القطن المصري الذي كان هو الذهب الابيض لمن يزرعونه أو يغزلونه وينسجونه.. وكل ذلك يصب في مصلحة زراعة القطن الامريكي والهندي.. بل والاسرائيلي.. وضاعت كل جهود محمد علي باشا الكبير وحفيده الخديو اسماعيل في ادخال انواع ممتازة من القطن وزراعتها في مصر.. تم في انشاء محمد علي باشا وحفيده عشرات مصانع الغزل والنسيج في كل مناطق مصر، في بحري.. وفي الصعيد.. حتي تفوق النسيج المصري علي الاوروبي، وارجعوا إلي كتب التاريخ.. ومعها كل ما كانت تحتاجه من مصانع صباغة وتجهيز.. وليس الغزل والنسيج وحده بل استفادت مصر من بذرة القطن المصرية في انتاج زيت الطعام، الذي عرفناه باسم «الزيت الفرنساوي».. ومنذ قتلنا زراعة القطن واغلقنا المحالج.. أغلقنا معها مصانع استخراج الزيت من البذرة.. وتحولنا إلي أن اصبحنا ستورد 90٪ من زيت الطعام.. وجاء طلعت حرب فأحيا صناعة غزل ونسج القطن وكذلك الحرير الصناعي فأقام هذه المصانع العملاقة في المحلة الكبري وفي كفر الدوار وأمام المحالج وشركات عصر البذور بل وشركات لاسطول النقل النهري والبحري لنقل كل ذلك.. وجاء أبناؤه ليواصلوا سياسته من رجال بنك مصر.. ووفرت هذه المصانع كلها مئات الالوف من فرص العمل للمصريين.. وجاء جمال عبد الناصر - ولا ننكر ذلك - وأقام عشرات المصانع للغزل والنسيج في عشرات المدن وعشنا عصرا كنا فيه نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع.. ونطبخ من زيت قطننا المصري.. وتحقت المؤامرة الكبري علي الصناعة المصرية في عهد النظام السابق.. وللاسف ساعد فيها عدد كبير من رجال الاعمال المصريين.. وكان ذلك لصالح مصانع الهند وبنجلاديش واندونيسيا.. وتركيا وتونس والمغرب وفي الوقت الذي كنا نصدر فيه الغزل والنسيج المصريين كانت هذه الدول تحبو في هذه الصناعات.. الآن الشركات التجارية الكبري تتجه إلي هذه الدولة لتنتج فيها ولحسابها ما تحتاجه من غزل ونسيج.. وتحولنا إلي مستوردين.. بعد أن كانت اليابان تفخر أن في نسيجها نسبة 35٪ من القطن المصري!! والوضع ليس في السيارات والغزل والنسيج.. بل في كل شيء.. وكأن مصر كانت تدار بالكامل لحساب مجموعات رهيبة من رجال الأعمال.. وان كنا للحقيقة نقول إن «بعض رجال الاعمال المصريين» أدخلوا صناعات كثيرة إلي مصر.. حتي وان كان بعضها من السلع الترفيهية وغيرها.. وفي الوقت الذي اكتنز رجال الاعمال المليارات.. خسر الوطن وتم اغلاق العديد من المصانع.. ليس فقط المصانع التقليدية كثيفة العمالة مثل الغزل والنسيج، بل أيضا هناك في المدن الصناعية الجديدة الالوف من المصانع اغلقت أبوابها.. أليس كل ذلك مؤامرة دولية علي مصر ساعد فيها النظام السابق علي الاقل بعد أن احدث هذا التزاوج بين السلطة والمال.. وتلك كانت الجريمة الكبري.. التي تمت لصالح الدول الاجنبية.. واذا أردتم أن تحاكموا النظام السابق.. حاكموه أولاً علي قتل حلم تصنيع مصر..