190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    وزير التعليم العالي يعلن أسماء 50 فائزًا بقرعة الحج    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    انتظام التصويت بالسفارة المصرية في الرياض    تسليم 2833 بطاقة خدمات متكاملة لذوي الإعاقة بالشرقية    أكاديمية مصر للطيران للتدريب و"سال" السعودية توقعان اتفاقية تعاون استراتيجي لتعزيز التدريب    محافظ أسيوط: إقبال كبير على منافذ بيع اللحوم البلدية بسعر 290 جنيهًا للكيلو بديروط    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    «التعليم» تنشر أبرز تصريحات الوزير محمد عبد اللطيف عن العملية التعليمية | انفوجراف    الأولى بعد المائة من قوافل «زاد العزة».. الهلال الأحمر المصري يواصل دعم غزة بمساعدات غذائية وطبية وشتوية    إصابة إيزاك وتألق صلاح في الأمم الأفريقية يربكان حسابات ليفربول    مدافع من سيتي وآخر في تشيلسي.. عرض لتدعيم دفاع برشلونة من إنجلترا    مانشستر يونايتد يضع نجم لايبزيج على راداره لتعزيز صفوفه الصيف المقبل    الحبس 3 أشهر للمتهمة بسب الفنان محمد نور    وكيل تعليم أسيوط يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الأول    السكة الحديد: تطبيق التمييز السعري على تذاكر الطوارئ لقطارات الدرجة الثالثة المكيفة.. ومصدر: زيادة 25%    سبق تداوله عام 2023.. كشفت ملابسات تداول فيديو تضمن ارتكاب شخص فعل فاضح أمام مدرسة ببولاق أبو العلا    جريمة قتل في شبرا الخيمة: تأجيل محاكمة الترزي المتهم بطعن سيدة حتى الموت    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بقيمة 7 ملايين جنيه    ليس نهاية الطريق!    أسماء الأباصيري تنال درجة الماجستير في الإعلام بتقدير ممتاز    شقيقة طارق الأمير تنهار بعد وصول جثمانه لصلاة الجنازة    حسام بدراوي يهاجم إماما في المسجد بسبب معلومات مغلوطة عن الحمل    «الصحة» تعلن تقديم أكثر من 1.4 مليون خدمة طبية بمحافظة البحر الأحمر خلال 11 شهرًا    بالأعشاب والزيوت الطبيعية، علاج التهاب الحلق وتقوية مناعتك    "البحوث الزراعية" يحصد المركز الثاني في تصنيف «سيماجو» لعام 2025    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    أمم أفريقيا 2025| تفوق تاريخي للجزائر على السودان قبل مواجهة اليوم    إيمان العاصي تجمع بين الدراما الاجتماعية والأزمات القانونية في «قسمة العدل»    أمم إفريقيا – براهيم دياز: سعيد بتواجدي في المغرب.. والجمهور يمنحنا الدفعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 24-12-2025 في محافظة قنا    وزير الري يحاضر بهيئة الاستخبارات العسكرية ويؤكد ثوابت مصر في ملف مياه النيل    الداخلية تكشف حصاد 24 ساعة من الحملات المرورية وضبط أكثر من 123 ألف مخالفة    محمد بن راشد يعلن فوز الطبيب المصري نبيل صيدح بجائزة نوابغ العرب    بدء اجتماع الحكومة الأسبوعى ويعقبه مؤتمر صحفي    ڤاليو تتعاون مع تاكتفُل لتعزيز تجربة العملاء عبر حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة    لأول مرة في التاريخ.. الصادرات الهندسية المصرية تسجل 5.9 مليار دولار    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    ميدو عادل يعود ب«نور في عالم البحور» على خشبة المسرح القومي للأطفال.. الخميس    كيف واجهت المدارس تحديات كثافات الفصول؟.. وزير التعليم يجيب    بولندا: تفكيك شبكة إجرامية أصدرت تأشيرات دخول غير قانونية لأكثر من 7 آلاف مهاجر    الدفاع الجوي الروسي يدمر درون حلقت باتجاه موسكو    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    حمادة صدقي: منتخب مصر فاز بشق الأنفس ويحتاج تصحيحا دفاعيا قبل مواجهة جنوب أفريقيا    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    هاني رمزي: أتمنى أن يبقى صلاح في ليفربول.. ويرحل من الباب الكبير    رئيس هيئة الرعاية الصحية: مستشفى السلام ببورسعيد قدكت 3.5 مليون خدمة طبية وعلاجية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    دبابات الاحتلال الإسرائيلي وآلياته تطلق النار بكثافة صوب منطقة المواصي جنوب غزة    رئيس دولة التلاوة    رغم تحالفه مع عيال زايد وحفتر…لماذا يُعادي السيسي قوات الدعم السريع ؟    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    خطوة جديدة لوقف حرب السودان.. وبيان عربي يصفها ب «الأمل»    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون في الحكم: بدايات التغير
نشر في الوفد يوم 12 - 04 - 2012

تؤكد التغيرات الثورية التي وقعت في البلاد العربية أن الاسلام السياسي بقواعده الشعبية أمام فرصة تاريخية للإسهام في مشروع التحول الديموقراطي العربي، لكن هذه الفرصة تتطلب منه توضيح مدى التزامه بالديموقراطية بصفتها أكثر من انتخابات وبصفتها حقوقاً وحريات لكل فئات وأفراد المجتمع.
فالثورات العربية المتفجرة لم تلتزم ايديولوجية من أجل تغيير الانظمة ومثلت بطريقتها نقداً لفكر الطليعة الحزبية وفكر الوصاية على المجتمع. في هذا العصر تبحث المجتمعات عن التنمية كما تسعى الى تحقيق الكرامة والعدالة الى جانب الحقوق والحرية للأفراد. فهل يتماهى الاسلام السياسي مع هذه التوجهات؟ ان الاسلام السياسي غير معفي من ضرورات التأقلم مع مبادئ الحرية والتنمية والحقوق.
الواضح انه بضربة واحدة تبخرت مع الثورات العربية تبريرات الأنظمة الديكتاتورية القائلة بأنها ضرورة لمنع التيارات الاسلامية من إقامة أنظمة دينية تضطهد الاقليات وتفرض الشمولية على المجتمع. ومع سقوط الانظمة تبين أن الاسلام السياسي جزء مهم من الطيف السياسي والاجتماعي. لكن الثورات العربية تعايشت فيها ظواهر متناقضة للوصول الى أهداف المجتمع. هذا جوهر ميدان التحرير حيث تعايش الحجاب مع اللاحجاب، والكنيسة الى جانب الجامع والديني مع اللاديني، والاسلامي مع العلماني. هذا التعايش والقبول بين طرق حياة وسلوكيات وفلسفات مختلفة أساسي لفهم معاني المرحلة المقبلة التي بالكاد بدأت مع ثورات 2011.
إن قدرة التيارات الاسلامية على إدارة التغيير مرتبطة بمدى قدرتها على التعامل مع ارث الديكتاتورية. فالحالة العربية أدت الى قيام انظمة ديكتاتورية لا تقدر الفرد ولا تحترم خصوصياته ولا تحترم الحريات وترفض مبدأ التداول السلمي على السلطة. في العقود الماضية اصبحت الديكتاتورية رديفاً للعرب وأنظمتهم. ان قدرة الاسلام السياسي على التعامل مع الحريات في ظل تأسيس دور اقل تدخلاً ووصاية من الدولة في العلاقة مع المجتمع والافراد ستحدد مدى قدرة هذا التيار العريض على تحقيق القطيعة مع تاريخ يعيد انتاج الديكتاتورية تحت مسميات مختلفة.
إن التناقض الصارخ بين منطلقات التيار الاسلامي التاريخية والدينية وبين سعيه الى الديموقراطية سيبقى احد اكبر التحديات التي سيواجهها في السنوات المقبلة. فالتيار عبر رموزه وطروحاته يعلن سعيه الى دولة ديموقراطية، لكنه يعود ويطرح فكرة التدرج في الوصول الى تطبيقات الشريعة الإسلامية المختلف عليها بين فئات المجتمع. ويطرح التيار تفسيرات تحد من دور المرأة والاقليات وتتناقض مع الحريات الشخصية وتجعل الديموقراطية مجرد رقم حسابي إنتخابي خال من الروح والعمق والمجتمع المدني. ويمكن القول انه حتى مع تأكيد التيار عكس ذلك تنتشر بين قطاعات في المجتمع أزمة ثقة تجاه التيار الإسلامي ستكون مرشحة للازدياد او للتقلص وذلك وفق التوجهات والسلوكيات التي سيمارسها في المرحلة المقبلة تجاه فئات المجتمع وحرياته.
إن كل مرونة تبرز في تيار «الإخوان المسلمين» بالتحديد تجاه المحيط السياسي والاجتماعي تخلق حالة تصالح بينه وبين فئات واسعة من القوى المدنية التي تتعامل مع السياسة بصفتها تنمية وحقوقاً ووسيلة لتحقيق العدالة والازدهار في المجتمع. لكن من جهة أخرى يواجه تيار «الاخوان المسلمين» بالتحديد ضغطاً واضحاً من يمين التيار الديني وعلى الاخص من قبل ظاهرة السلفيين المتنامية. فكل تراجع يقوم به تيار «الاخوان» عن بعض المواقف الدينية الأيديولوجية لمصلحة الفكر المدني بإمكان السلفيين ان يملأوا مساحته بين القواعد الإسلامية الاكثر تشدداً.
ويواجه التيار الاسلامي تيارات في داخله، فهو ليس وحدة واحدة. فهناك «إخوان» الشباب و «اخوان» القيادة الوسطى و «اخوان» الكبار، وبين هذه الاجيال جدل على حدود المرونة والتشدد، وهناك رؤى في صفوف «الإخوان» أقرب الى السلفية ورؤى مختلفة اقرب الى المرونة والتقبل والاستعداد للتغير. وفي «الاخوان» ظاهرة استقالات هي الاخرى مرتبطة بالحراك الذي يشهده هذا التيار والضغوط التي يتعرض لها. ويتضح من السياق أن الذين يستقيلون إما يبقون على مواقفهم الملتزمة برؤى التيار او يتواجهون مع التغير لمصلحة فكر يخلط بين منبعهم الاسلامي وبين تبنيهم لحقوق الانسان وفكر المساواة والديموقراطية. الكثير من نشطاء المجتمع المدني وحركات مثل حركة 6 ابريل في مصر من جذور اسلامية لكنهم تجاوزوا الطرح الحزبي لمصلحة طرح اكثر انفتاحاً على الآخر بتنوعاته.
لقد اعتادت التيارات الاسلامية على العيش مع ثنائية كونها أحزاباً دينية تفسر الدين وتسعى الى تطبيقه وبين كونها احزاباً سياسية تعنى بفن الممكن والمناورة. في زمن المعارضة لم تكن التيارات الإسلامية مضطرة لفض العلاقة بين الاثنين او لتغليب واحد على الآخر، لكن في زمن وصولها الى الحكم وفي ظل التغيرات العربية الراهنة ستكون التيارات الإسلامية مضطرة للاهتمام بالاقتصاد والصحة والتعليم والشوارع والبلدية والكهرباء والحقوق والمطالب والاقليات والحريات والمرأة، بصفتها نصف المجتمع، وستكون مضطرة أيضاً لتحقيق الإجماع على كتابة دستور او تعديل قانون يمس كل الناس، وهذا سيفرض عليها أن تختار بين الديني والمدني بنسب جديدة ووفق توجهات مختلفة.
ان البحث عن مناطق فض التشابك بين الديني والمدني سيمثل في المرحلة المقبلة احد أكبر التحديات التي تواجهها التيارات الاسلامية. سيكون مطلوباً منها التعامل مع الأمر بإبداع ومرونة. إن الاختيار بين القطبين الديني والسياسي من دون التخلي الشامل عن القطب الثاني هو التحدي الاكبر. لكن لو اختارت التيارات الاسلامية الدين بصورته الضيقة على حساب السياسة فستواجه فشلاً وتبتعد عن فرصة تكوين نموذج كالنموذج التركي، وهذا بطبيعة الحال سيستنزفها كما سبق للحركات القومية ان استُنزفت في معارك جانبية. ومن الواضح ان تيار «الاخوان المسلمين» البراغماتي والعملي هو أحد أكثر التيارات الاسلامية استعداداً للتعامل مع موضوعات الانتقال والتحول الجديد، والواضح ايضاً ان دخول السلفيين على خط السياسة هو تطور جديد يعد بتحول في المدى المتوسط، لكن الأوضح ان عدم انتقال التيار الإسلامي نحو الفكر المدني ذي الجذور الإسلامية سيمهد الطريق لبروز قوى جديدة من عباءة التيار تنتشر في الوسط المدني والحقوقي وتفتح المجال نحو آفاق جديدة.
اخطر ما يواجه الثورات ان يسعى فصيل وتيار محدد يمثل الغالبية للاستئثار بالسلطة ثم العمل لقمع الآخرين باسم الغالبية. هذا ما يجب ان يتفاداه التيار الإسلامي في هذه المرحلة، بل هذا ما يجب ان يتفاداه كل تيار يحقق غالبية موقتة في ميدان الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية وغيره. إن فكر الغالبية الذي يقول ان ال 51 في المئة الفائزين بالانتخابات في امكانهم ان يفعلوا ما يشاؤون بال 49 في المئة الخاسرين هي فكرة مدمرة لكل تنمية وهي فكرة غير ديموقراطية وقفت ضدها كل الطروحات والانظمة الديموقراطية في التاريخ. لهذا من الضروري وضع حدود للدولة ومدى تدخلها في حياة الافراد وحقوقهم وذلك بصفتها هيئة تسلطية مائلة بطبيعتها للفساد وسوء استخدام السلطة. هذا ما يجب ان يحذر منه الإسلام السياسي في هذه المرحلة.
ان المرحلة المقبلة تتطلب مراجعات جادة من قبل مجمل التيارات الإسلامية السنية وأيضاً الشيعية (في العراق مثلاً) وذلك من خلال إعادة النظر بالموضوعات الدينية والمدنية والسياسية التي شكلت اساس عملها في سنوات مواجهة قمع الانظمة. ولهذا سيكون مطلوباً منها تطوير مشروع للنهضة والتنمية يقوم في جوهره على حريات أصيلة للفرد وللمجتمع الكبير المتنوع والمشكّل على رغم غالبياته من أقليات متشابكة.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.