رئيس "ضمان جودة التعليم" يستقبل وفد الهيئة الليبية    رئيس جامعة أسيوط يترأس اجتماع مركز استشارات الحاسبات لبحث تطوير الخدمات الرقمية    سعر الدواجن اليوم الأربعاء 18-6-2025 فى الإسكندرية.. الكيلو ب90 جنيها    سعر الذهب اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025.. وعيار 21 يسجل 4810 جنيهات    مسئولو "الإسكان" يتفقدون مشروعات البنية الأساسية بمدينة برج العرب الجديدة    البورصة المصرية تستهل تعاملات اليوم بتراجع رأس المال السوقي    وزير الري: التنسيق مع الإسكان لتحديد كميات ومواقع سحب مياه الشرب    «حماس»: التهديد الأمريكي بالتدخل عسكريا ضد إيران تدفع المنطقة إلى حافة الانفجار    وزير الدفاع الإسرائيلى: سنقصف رموزا سيادية وحكومية إضافية فى إيران قريبا    «جوتيريش» يطالب بالتحقيق في «قتلى الجوع» بغزة.. ويشدد على ضرورة إدخال المساعدات    قنصل مصر في نيويورك يدعم بعثة الأهلي    تحرير 576 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    نتيجة الشهادة الإعدادية فى 7 محافظات بالاسم ورقم الجلوس    الأرصاد تكشف عن ارتفاع درجات الحرارة ابتداء من الجمعة    إحباط ترويج مخدرات ب50 مليون جنيه ومصرع عنصرين إجراميين بالمنيا | صور    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    الداخلية تضبط 6 كيلو مخدرات فى حملة أمنية بأسوان    ترامب يؤجل حظر تيك توك للمرة الثالثة بتمديد جديد لمدة 90 يومًا    الموت يفجع الفنانة هايدي موسى    بتكلفة تجاوزت 87 مليار جنيه.. «الصحة»: 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    إنقاص الوزن وزيادة النشاط.. ماذا يحدث لجسمك عند تناول مشروب الكمون والليمون صباحًا؟    المعركة بدأت.. ومفاجأة كبرى للعالم| إيران تعلن تصعيد جديد ضد إسرائيل    تركي آل الشيخ يكشف كواليس زيارته لعادل إمام    "فات الميعاد" يتصدر المشاهدات وأسماء أبو اليزيد تشارك أول لحظات التصوير    بحضور رئيس جامعة حلوان.. رسالة علمية عن "منير كنعان" بمجمع الفنون والثقافة    صحة إسرائيل: 94 مصابا وصلوا إلى المستشفيات الليلة الماضية    تداول 11 الف طن بضائع و632 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    «زي النهاردة».. وفاة قديس اليسار المصرى المحامى أحمد نبيل الهلالي في 18 يونيو 2006    نائب وزير الصحة تزور قنا وتشدد على تنفيذ برنامج تدريبي لتحسين رعاية حديثي الولادة    الهلال ضد الريال وظهور مرموش الأول.. مواعيد مباريات اليوم في كأس العالم للأندية 2025    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    تياجو سيلفا: فلومينينسي استحق أكثر من التعادل ضد دورتموند.. وفخور بما قدمناه    وكيل لاعبين يفجر مفاجآت حول أسباب فشل انتقال زيزو لنادي نيوم السعودي    الإيجار القديم.. خالد أبو بكر: طرد المستأجرين بعد 7 سنوات ظلم كبير    مؤتمر إنزاجي: حاولنا التأقلم مع الطقس قبل مواجهة ريال مدريد.. ولاعبو الهلال فاقوا توقعاتي    «رغم إني مبحبش شوبير الكبير».. عصام الحضري: مصطفى عنده شخصية وقريب لقلبي    الرئيس الإماراتي يُعرب لنظيره الإيراني عن تضامن بلاده مع طهران    نائب محافظ شمال سيناء يتفقد قرية الطويل بمركز العريش    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    غادة عبدالرازق راقصة كباريه في فيلم «أحمد وأحمد» بطولة السقا وفهمي (فيديو)    كوريا الجنوبية تمنع توتنهام من بيع سون لهذا السبب!    التفاصيل الكاملة لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية، الأعلى للجامعات يستحدث إجراءات جديدة، 6 كليات تشترط اجتياز الاختبارات، خطوات التسجيل وموعد التقديم    السكة الحديد.. مواعيد قيام القطارات من محطة بنها إلى مختلف المدن والمحافظات الأربعاء 18 يونيو    إسرائيل تهاجم مصافي النفط في العاصمة الإيرانية طهران    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    سي بي إس: لا يوجد توافق بين مستشاري ترامب بشأن إيران    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    جدال مع زميل عمل.. حظ برج الدلو اليوم 18 يونيو    الجبنة والبطيخ.. استشاري يكشف أسوأ العادات الغذائية للمصريين في الصيف    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    المنيا خلال يومين.. حقيقة زيادة أسعار تذاكر قطارات السكك الحديدية «التالجو» الفاخرة    العدل يترأس لجنة لاختبار المتقدمين للالتحاق بدورات تدريبية بمركز سقارة    اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب أم الجماعة هل تولد روح جديدة للإخوان أم تحترق العنقاء للأبد
نشر في أكتوبر يوم 10 - 04 - 2011

اعتراف: نحن صحفيى الصحف القومية تربينا على كراهية الإخوان، كان الواحد منا يكرههم لأن رئيسه المباشر يكرههم – غالبا – على غير أسس موضوعية، ورئيس التحرير الذى هو رئيس رئيسه المباشر يكرههم، ورئيس التحرير الذى أتى به رئيس الجمهورية من عبد الناصر إلى مبارك مرورا بالسادات يكرههم، وهكذا تربت فى جيناتنا الصحفية كراهية الإخوان حتى نمنا ذات مساء واستيقظنا فى الصباح فوجدنا رأس الكراهية قد رحل ووجدنا الإخوان يخرجون من المعتقلات فرادى وجماعات وترتفع عنهم يد الأمن الغليظة وتتوقف عنهم لعبة الاعتقال الأمنى والإفراج المروحية، وسمعنا من يقول دون تردد ممن يسيّرون أمور البلاد الآن إنهم جزء من هذا الشعب ونسيجه، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فحاولنا معشر الصحفيين أن نصدق هذا وما زالنا نحاول لولا أن مرض الممارسة الصحفية النظامية كان قد تمكن من البعض فيما يشبه الحساسية فلا هو يريد أن يصدق حتى الآن أن الإخوان وما يصدر عنهم ليس كله شرا ولا هو يستطيع أن يقبل اختلافهم عنه أو اختلافه عنهم .. والحل أن يدعى كل طرف أنه يقبل اختلاف الآخر مادامت هذه هى آليات الديموقراطية التى وضع قواعدها الغرب، وجاء الإخوان يجاورنه فقبلوا أن يلعبوا معه (وليس مع الداخل) اللعبة بنفس قواعدها وآلياتها فأعلنوا أنهم يقبلون الديموقراطية، وآية قبولهم إعلان تأسيس حزب سياسى ينافس على السلطة.
-1-
وإذا كان الإخوان قد قبلوا اللعب بقواعد الخصم فهذا معناه أنهم سوف يجارون خصمهم فيها إلى النهاية أو إلى مرحلة التسليم بالهزيمة والذوبان فيه، فكل طرف من طرفى اللعبة يدرك تماما أنه لا يمكن أن يتقاطع مع الآخر، وفى حين يشعر الغرب الليبرالى أنه الطرف الأقوى بانتصار أيديولوجيته الليبرالية على المعسكر الشيوعى وأن حربه ضد الإسلام كعدو استراتيجى هى مسألة وقت ونزهة حتى ولو طالت، لذلك أسرع منظروه وأعلنوا توقف التاريخ ونهاية الصراع عند مرحلة سقوط الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتى، ويتصرف الغرب فى العالم الإسلامى على هذا الأساس فى ذات الوقت الذى يرى فيه الإخوان أنهم أصحاب قضية حق وعدل إلهيين وأنهم وجندهم هم الغالبون فى النهاية..
والسؤال هل يستحق الإعلان عن حزب للإخوان أن يفجّر القضية على هذا النحو أم أن فى الأمر شيئاً من المبالغة والتضخيم؟!
.. لا مبالغة ولا تضخيم هو فقط إغماض العين عن قصد أو عدم الفهم لحقيقة الصراع ما بين الإخوان والمشروع العلمانى أو الليبرالى الغربي، وبسبب عدم الفهم هذا أو - إن شئنا- الجهل الذى يصل إلى حد التسطيح، أساءت وسائل الإعلام وصحف النظام منذ سنوات قليلة تفسير ألفاظ مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف التى بدا فيها أنه يسب مصر فيقول «طظ فى مصر وأبو مصر واللى جابوا مصر» وأخذوا يردون عليه بوصلات من الردح وقد تصيدوا له الخطأ وأرادوا ألا يفلتوه.. وأظن أن أحدا لم يحاول تفسير ما وراء الألفاظ التى انتزعت من سياقها، وما كان فى رأيى يريد المرشد إلا أن يعلن أنه يجب ألا تكون نظرتنا قاصرة أو أنانية، أو محلية. فمصر فى المنهج الإخوانى هى جزء من المشروع الأممى الإسلامى، يجب ألا يتم التعامل معها على أنها أمة بمفردها ولكنها جزء من كل، فلا يجب التوقف عند حدودها الجغرافية أو السعى للبحث عن مصلحتها منفردة بمعزل عن دوائر المصلحة الأوسع فالأوسع، وغير ذلك فهو جريمة، رأى الإسلاميون أن الرئيس الراحل السادات قد ارتكبها حينما عقد صلحاً منفردا مع إسرائيل فأخرج مصر من دائرتها العربية والإسلامية لذلك استحق حسب حكمهم القتل وهى نفس الجريمة التى استمر فى ارتكابها الرئيس مبارك الذى سار على نهج سلفه وأضاف إليها اجتهاداته السياسية الخاصة التى أعاد فيها تصدير فزاعة الإسلاميين كورقة مفاوضة وضغط على الغرب والولايات المتحدة تحديدا لإحداث بعض التوازن فى علاقة مصر بإسرائيل وإغماض العين عن الممارسات الديكتاتورية لنظامه وتمرير مشروع التوريث.
ومثل فرعون استخف مبارك قومه فأطاعوه وراح كتّاب وصحفيو النظام يطيعون فرعونهم بإشارة منه فيهجمون مثل الطوبجى الأعمى على أعدائه الإسلاميين فى الداخل والخارج ويتسابقون فى سبهم ولعنهم وتخويفهم وتسفيه أحلامهم.
حتى استيقظنا جميعا على صوت الثورة الهادر وبدأنا نعيد النظر فى كثير من المسلمات السابقة ومنها صورة الإخوان التى انطبعت فى أذهان الكثيرين منا.
-2-
ليس الإخوان فقط أصحاب مشروع أممى، الغرب أيضا وفى طليعته الولايات المتحدة الأمريكية لديه مشروعه الأممى الذى يغزو به العالم وأساسه القيم اليهومسيحية وأيدلوجيته الليبرالية التى تؤمن بالرأسمالية واقتصاد السوق الحر على ما عداها من قيم اشتراكية راديكالية أو شيوعية.
وفى حربه التى تكلفه جهدا وأمولا طائلة ( يعوضها من نهب ثروات ومقدرات الشعوب المستضعفة) لم يتبق أمام الغرب سوى الإسلام ليعلن انتصاره الأخير والنهائى بعد سقوط المشروع الأممى الشيوعى عمليا بتفكك الاتحاد السوفيتى والمعسكر الشيوعى الذى نافس المعسكر الغربى على الأقل لما يقرب من قرن من الزمان فى صراع السيطرة على العالم .
والذى يقرأ تاريخ الشيوعية سوف يعرف بالتأكيد أنها اختراع غربى يهودى وأن الذين اخترعوها استخدموها تكتيكيا لخدمة مشروعهم الأممى، وعلى سبيل المثال فقد تم استخدام الشيوعيين والاشتراكيين فى إنشاء هيئة الأمم المتحدة واستمرارها منذ نشأتها وإلى اليوم فى خدمة أهداف المشروع الغربى واتخاذها كمظلة قانونية وإنسانية لتمرير أهدافه وترسيخ قيمه من خلال منظماتها المختلفة.
والآن جاء الدور على الشرق الإسلامى، فإذا كان الغرب يلعب مع الإسلاميين لعبته على المكشوف فلماذا يداور ويناور الأخيرون؟.. لماذا يردون عليه الحرب بالغزل؟ لماذا لا يعلنون أنهم أيضا لديهم مشروعهم الحضارى الذى يؤمنون أنه حق ويردون به على باطل الغرب؟.. وعلى الخلفية السابقة يمكن أن ننقد فقط فكرة حزب الإخوان، أقول الحزب وليس برنامجه وعلى المستوى الشخصى تمنيت لو أسأل المرشد العام الحالى محمد بديع، ومسئولى التنظيم الدولى عن إشكالية الحزب والجماعة لكن ظروف الوقت التى لم تسمح إلا أن أوجه السؤال إلى عدد من شباب الإخوان ومنهم كوادر تنظيمية خلال الأسبوع المنقضى، سألتهم بشكل صريح وأعتقد أنهم أجابوا بنفس المستوى من الصراحة: كيف تطلق الجماعة حزباً سياسياً فى الداخل المصرى مع أن هذا يتعارض مع تاريخية الأسس التى قامت عليها الجماعة من أنها أمة وتنظيم دولى؟!
-3-
أجاب شباب الإخوان بكلام كثير أهم ما فيه أن تحديات المرحلة القادمة بالنسبة للجماعة أصعب بكثير من المرحلة السابقة، ذلك أن عمل الجماعة خلال المرحلة السابقة تحت ضغوط الأمن كان يفرض عليها وضعا يقبله الشعب المصرى ويجد له مبرراته من التهميش والظلم الوقع على أفرادها، أما الآن فالجماعة تعمل تحت ضوء الشمس فلا توجد أى مبررات للعمل السرى وهو ما ترفضه الجماعة ولا تراه مناسبا لطبيعة المرحلة.
إلى هذا الحد انتهى كلام الشباب الذى أعتقد أنهم تلقوه من عناصر تنظيمية أعلى فى الجماعة وصدقوه عن قناعة، لكننى أراه كلاما للاستهلاك المحلى لا أكثر يجب التوقف عنده لاختبار جديته. والدليل أن مسألة تكوين الجماعة لحزب سياسى كانت مطروحة قبل الثورة وقبل المرحلة الحالية والواقع الذى نعيشه ليس منذ شهور ولكن منذ سنوات، وليس فى مصر فقط ولكن فى دول عربية وإسلامية أخرى خرجت أو حاولت أن تخرج للوجود أحزابا تحاول أن تتغلب على ظروف المنع والتضييق السياسى على الجماعة مع الحفاظ على الشكل التاريخى للجماعة.
فى الجزائر على سبيل المثال هناك تجربة حزب يحمل نفس اسم حزب الجماعة المصرى: «الحرية والعدالة» والحزب الجزائرى ذو المرجعية الإسلامية تم طرحه العام قبل الماضى (2009) بديلا عن حركة أو حزب آخر يحمل اسم الوفاء والعدل يقوده أحمد طالب الإبراهيمى كانت السلطات الجزائرية قد رفضت أيضا الترخيص له بمزاولة النشاط عام (1999) وأعلنت أنها لن تسمح بقيامه لأنه ذو مرجعية إسلامية وخارج من عباءة جبهة الإنقاذ الإسلامية ويضم فى قوائم تأسيسه عددا كبيرا من كوادرها، وبدورها فجبهة الإنقاذ التى ظهرت مظفرة أوائل التسعينيات من القرن العشرين وكادت تسيطر على الحياة السياسية فى الجزائر بفوزها الساحق فى الانتخابات البرلمانية لولا دخول النظام معها فى حرب طويلة ومريرة انتهت باختفائها من المشهد السياسى الجزائرى لتعود فى طور جديد من خلال مبادرات لتكوين أحزب جديدة فى ثوب جديد تحت قيادات جديدة مثل حزبى الوفاء والعدل أو الحرية والعدالة .
-4-
وبعد سنوات من هذه المناورات السياسية للإخوان والإسلاميين التى لم تبتلعها الأنظمة العربية هل يمكن أن يصدق الغرب أن الأخيرين قد آمنوا بمنهجه وأيدلوجيته السياسية؟!
بشكل صريح لا يمكن أن تهزم خصمك وأنت تلاعبه بخطته التى يتقنها والتى وضع هو قواعدها ويملك آليات ومفاتيح تنفيذها، والغرب يقولها للشرق العربى صريحة وفى كل مناسبة : لنا ديموقراطيتنا ولكم ديموقراطيتكم، وحسب معايير وقواعد ديموقراطيته يصنف الدول الإسلامية، ومن هذه المعايير المدى الذى يلعب فيه الإسلام دورا فى تسيير شئون الدولة بدءاً من اعتراف هذه الدولة بالإسلام كديانة رسمية وإلى المساحة التى تتداخل فيها الشريعة الإسلامية فى قوانين تلك الدولة، وكلما زاد الحد أو المدى الذى يتم فيه تطبيق النصوص الشرعية انتقص ذلك من ديموقراطية الدولة حسب القياس الغربى، وعلى نفس القياس اعتمدت مجلة الإيكونوميست فى تقييمها للديموقراطية فى العالم الإسلامى العام الماضى وصنفت دوله فى موقفها من الديموقراطية من خلال منح كل منها درجة من 10، وأعلى درجة فى هذا الاختبار ذهبت إلى دولة أو دولتين فى آسيا ينتميان اسما إلى العالم الإسلامى وتراوحت (الدرجة) ما بين 6 إلى 7 درجات ووصفت ديموقراطيتها بأنها ذات شوائب، وجاءت بعدها الجمهوريات الإسلامية المنفصلة عن الاتحاد السوفيتى وحصلت على درجة تترواح ما بين 4 إلى 6 درجات واعتبرتها الإيكونوميست دولا ذات نظام مختلط ما بين الديموقراطية وغيرها وأخيراً وفى مرتبة قبل الأخيرة جاءت مصر ودول المغرب العربى وبعض دول آسيا العربية وحصلت على درجة تراوحت ما بين 3 إلى 4 درجات واعتبرتها الإيكونوميست دولا ذات نظم غير ديموقراطية، أما الدول التى تطبق الشريعة الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية والسودان وبعض الدول الإسلامية فى أفريقيا فقد طمستها خريطة الإيكونوميست تماما باللون الأسود وحصلت تقريبا على صفر من 10درجات. وفى نظر الغرب فإن هذه الدول الإسلامية لن تصبح أبداً ديموقراطية حتى تتخلى تماما عن إسلامها، وتتبع الغرب على النسق الذى يرتضيه.
-5-
وإذا ما اتفقنا، يمكن أن نقرأ برنامج حزب العدالة والتنمية الإخوانى والذى كان مصدرا فى الأساس للداخل – حسب رأيى – واستلهم فيه قيادات الجماعة تجربة حزب الوسط التى قادها ابن الجماعة المنشق أبو العلا ماضى منذ عدة سنوات فانطرد بسببها من حظيرتها والآن أتت نفس القيادات لتغازل الداخل بحزب حسب المقتضيات العصرية وحتى يحققوا من خلاله أهدافهم السياسية.
هل هذا ما أراده الإخوان؟ وهل برنامج الحزب فى صورته الأخيرة الذى أدخلوا عليه تعديلات جوهرية بعد إعلانه الأول هذا هو جل اجتهادهم؟ وهل الفوز بحزب يساوى كفاح السنوات الطويلة التى عاركوا فيها الأنظمة المختلفة ودفعوا فيها ثمنا باهظاً من رجالاتهم وكوادرهم بالموت أو الغياب فى السجون والمعتقلات؟!.
ما هو الجديد الذى أضافه برنامج حزب الإخوان ؟! أن يكون نظام الدولة برلمانياً لأن هذا يتفق مع الأسلوب الذى اتبعته الجماعة خلال السنوات السابقة فى السيطرة على كراسى المجالس النقابية والبرلمانية دون السعى للسيطرة على كرسى رئيس النقابة أو المجلس ؟!، هل أضافوا تفسيراً مغايرا أو مناوئاً للتفسير الليبرالى لمدنية الدولة فقالوا فى البرنامج أنها تعنى أن الذين يحكمون الدولة يكونون من المدنيين وليس العسكريين؟!
هل بتفسيرهم للسياسة بأنها فن إدارة الدولة وتدبير أمور الناس الذى لا يمكن تدبيره إلا من خلال المبادئ والأخلاق والصدق والوفاء إلى آخره؟
هل حاولوا أن يمرروا مفهوم المواطنة بحيث يخرجون به من عثرات وعراقيل التطبيق حسب مفهومه الغربي؟.
هل استطاعوا أن يقفزوا فوق الأشواك حينما عرّفوا مبدأ الشورى الإسلامى فوضعوا بين قوصين أنه الديموقراطية؟! وسموا المجتمع المدنى ب المجتمع الأهلى؟! وهل تكفى مطالبتهم فى البرنامج بإصلاح منظمة الأمم المتحدة وهى رأس الحربة لنشر المشروع الأممى الغربى؟ فهل تكفى توصية البرنامج بأن تلتزم هذه الهيئة الأممية؟ لحيدة والتوازن بين المصالح المتعارضة بأن تتحول بالفعل إلى ذلك؟!.. هل تكفى مثل تلك المطالبات فى إصلاح صنيعة الغرب وأدواته وملكيته الخاصة والعامة؟!
ومروراً بأبواب البرنامج العديدة التى أجزم أننى وغيرى قرأناها كثيرا من قبل ونعرفها جيدا لأنها برامج عامة للإصلاح فيما عدا ما يتعلق بمناطق الصدام التى يمكن أن يترتب عليها صدام ما بين الجماعة ونخب المجتمع التى لا تؤمن بفكرها مثل موقف الجماعة من الفن والثقافة وصناعة السينما والمسرح والفنون الشعبية والموسيقى والغناء، وتم التحايل على الصدام من خلال الصياغات العامة الفضفاضة وحتى انتهاء البرنامج بآخر بنوده وهو إطلاق مشروع لتعلم استخدام الحاسوب «الذى هو الكمبيوتر». لا أعتقد أن هذا البرنامج يمكن أن يلبى طموحات من يريد المنافسة ليس على كراسى البرلمان ولكن على جمع الأمة الإسلامية.
-6-
وأخيرا فإن ثمة تساؤلات إجاباتها هى التى سوف تحدد مستقبل الجماعة:
أولاً: إذا كان الحزب خياراً تكتيكيا فرضته الظروف السابقة على الإخوان فماذا بعد أن تغيرت تلك الظروف ؟.
ثانياً: هل الإخوان مضطرون الآن إلى كل هذه المواءمات السياسية التى يمكن أن تشق صفوف الجماعة بعد أن تفتح باب التنازلات ؟.
ثالثاً: لماذا لا يحافظ الإخوان على جماعتهم حركة ملهمة للأمة وهناك مثلا ًفى الغرب حركة المحافظين الجدد التى يتم استلهام فكرها وينتشر منظروها فى كل أماكن صناعة القرار والهيئات والمنتديات دون أن يتكتلوا فى حزب يحدد حركتهم؟.
وفى الأساطير الدينية الهندو صينية أن طائرا أسطوريا يسميه العرب «العنقاء» يحترق ويتحول إلى رماد قبل أن يخرج من بين الرماد ويعود روحا جديدة لتستمر عملية الخلق.. فهل تولد الآن جماعة من جديد أم تتشظى إلى رماد تذروه رياح التغيير العنيفة التى تهب على بلادنا؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.