«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحزب أم الجماعة هل تولد روح جديدة للإخوان أم تحترق العنقاء للأبد
نشر في أكتوبر يوم 10 - 04 - 2011

اعتراف: نحن صحفيى الصحف القومية تربينا على كراهية الإخوان، كان الواحد منا يكرههم لأن رئيسه المباشر يكرههم – غالبا – على غير أسس موضوعية، ورئيس التحرير الذى هو رئيس رئيسه المباشر يكرههم، ورئيس التحرير الذى أتى به رئيس الجمهورية من عبد الناصر إلى مبارك مرورا بالسادات يكرههم، وهكذا تربت فى جيناتنا الصحفية كراهية الإخوان حتى نمنا ذات مساء واستيقظنا فى الصباح فوجدنا رأس الكراهية قد رحل ووجدنا الإخوان يخرجون من المعتقلات فرادى وجماعات وترتفع عنهم يد الأمن الغليظة وتتوقف عنهم لعبة الاعتقال الأمنى والإفراج المروحية، وسمعنا من يقول دون تردد ممن يسيّرون أمور البلاد الآن إنهم جزء من هذا الشعب ونسيجه، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فحاولنا معشر الصحفيين أن نصدق هذا وما زالنا نحاول لولا أن مرض الممارسة الصحفية النظامية كان قد تمكن من البعض فيما يشبه الحساسية فلا هو يريد أن يصدق حتى الآن أن الإخوان وما يصدر عنهم ليس كله شرا ولا هو يستطيع أن يقبل اختلافهم عنه أو اختلافه عنهم .. والحل أن يدعى كل طرف أنه يقبل اختلاف الآخر مادامت هذه هى آليات الديموقراطية التى وضع قواعدها الغرب، وجاء الإخوان يجاورنه فقبلوا أن يلعبوا معه (وليس مع الداخل) اللعبة بنفس قواعدها وآلياتها فأعلنوا أنهم يقبلون الديموقراطية، وآية قبولهم إعلان تأسيس حزب سياسى ينافس على السلطة.
-1-
وإذا كان الإخوان قد قبلوا اللعب بقواعد الخصم فهذا معناه أنهم سوف يجارون خصمهم فيها إلى النهاية أو إلى مرحلة التسليم بالهزيمة والذوبان فيه، فكل طرف من طرفى اللعبة يدرك تماما أنه لا يمكن أن يتقاطع مع الآخر، وفى حين يشعر الغرب الليبرالى أنه الطرف الأقوى بانتصار أيديولوجيته الليبرالية على المعسكر الشيوعى وأن حربه ضد الإسلام كعدو استراتيجى هى مسألة وقت ونزهة حتى ولو طالت، لذلك أسرع منظروه وأعلنوا توقف التاريخ ونهاية الصراع عند مرحلة سقوط الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتى، ويتصرف الغرب فى العالم الإسلامى على هذا الأساس فى ذات الوقت الذى يرى فيه الإخوان أنهم أصحاب قضية حق وعدل إلهيين وأنهم وجندهم هم الغالبون فى النهاية..
والسؤال هل يستحق الإعلان عن حزب للإخوان أن يفجّر القضية على هذا النحو أم أن فى الأمر شيئاً من المبالغة والتضخيم؟!
.. لا مبالغة ولا تضخيم هو فقط إغماض العين عن قصد أو عدم الفهم لحقيقة الصراع ما بين الإخوان والمشروع العلمانى أو الليبرالى الغربي، وبسبب عدم الفهم هذا أو - إن شئنا- الجهل الذى يصل إلى حد التسطيح، أساءت وسائل الإعلام وصحف النظام منذ سنوات قليلة تفسير ألفاظ مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف التى بدا فيها أنه يسب مصر فيقول «طظ فى مصر وأبو مصر واللى جابوا مصر» وأخذوا يردون عليه بوصلات من الردح وقد تصيدوا له الخطأ وأرادوا ألا يفلتوه.. وأظن أن أحدا لم يحاول تفسير ما وراء الألفاظ التى انتزعت من سياقها، وما كان فى رأيى يريد المرشد إلا أن يعلن أنه يجب ألا تكون نظرتنا قاصرة أو أنانية، أو محلية. فمصر فى المنهج الإخوانى هى جزء من المشروع الأممى الإسلامى، يجب ألا يتم التعامل معها على أنها أمة بمفردها ولكنها جزء من كل، فلا يجب التوقف عند حدودها الجغرافية أو السعى للبحث عن مصلحتها منفردة بمعزل عن دوائر المصلحة الأوسع فالأوسع، وغير ذلك فهو جريمة، رأى الإسلاميون أن الرئيس الراحل السادات قد ارتكبها حينما عقد صلحاً منفردا مع إسرائيل فأخرج مصر من دائرتها العربية والإسلامية لذلك استحق حسب حكمهم القتل وهى نفس الجريمة التى استمر فى ارتكابها الرئيس مبارك الذى سار على نهج سلفه وأضاف إليها اجتهاداته السياسية الخاصة التى أعاد فيها تصدير فزاعة الإسلاميين كورقة مفاوضة وضغط على الغرب والولايات المتحدة تحديدا لإحداث بعض التوازن فى علاقة مصر بإسرائيل وإغماض العين عن الممارسات الديكتاتورية لنظامه وتمرير مشروع التوريث.
ومثل فرعون استخف مبارك قومه فأطاعوه وراح كتّاب وصحفيو النظام يطيعون فرعونهم بإشارة منه فيهجمون مثل الطوبجى الأعمى على أعدائه الإسلاميين فى الداخل والخارج ويتسابقون فى سبهم ولعنهم وتخويفهم وتسفيه أحلامهم.
حتى استيقظنا جميعا على صوت الثورة الهادر وبدأنا نعيد النظر فى كثير من المسلمات السابقة ومنها صورة الإخوان التى انطبعت فى أذهان الكثيرين منا.
-2-
ليس الإخوان فقط أصحاب مشروع أممى، الغرب أيضا وفى طليعته الولايات المتحدة الأمريكية لديه مشروعه الأممى الذى يغزو به العالم وأساسه القيم اليهومسيحية وأيدلوجيته الليبرالية التى تؤمن بالرأسمالية واقتصاد السوق الحر على ما عداها من قيم اشتراكية راديكالية أو شيوعية.
وفى حربه التى تكلفه جهدا وأمولا طائلة ( يعوضها من نهب ثروات ومقدرات الشعوب المستضعفة) لم يتبق أمام الغرب سوى الإسلام ليعلن انتصاره الأخير والنهائى بعد سقوط المشروع الأممى الشيوعى عمليا بتفكك الاتحاد السوفيتى والمعسكر الشيوعى الذى نافس المعسكر الغربى على الأقل لما يقرب من قرن من الزمان فى صراع السيطرة على العالم .
والذى يقرأ تاريخ الشيوعية سوف يعرف بالتأكيد أنها اختراع غربى يهودى وأن الذين اخترعوها استخدموها تكتيكيا لخدمة مشروعهم الأممى، وعلى سبيل المثال فقد تم استخدام الشيوعيين والاشتراكيين فى إنشاء هيئة الأمم المتحدة واستمرارها منذ نشأتها وإلى اليوم فى خدمة أهداف المشروع الغربى واتخاذها كمظلة قانونية وإنسانية لتمرير أهدافه وترسيخ قيمه من خلال منظماتها المختلفة.
والآن جاء الدور على الشرق الإسلامى، فإذا كان الغرب يلعب مع الإسلاميين لعبته على المكشوف فلماذا يداور ويناور الأخيرون؟.. لماذا يردون عليه الحرب بالغزل؟ لماذا لا يعلنون أنهم أيضا لديهم مشروعهم الحضارى الذى يؤمنون أنه حق ويردون به على باطل الغرب؟.. وعلى الخلفية السابقة يمكن أن ننقد فقط فكرة حزب الإخوان، أقول الحزب وليس برنامجه وعلى المستوى الشخصى تمنيت لو أسأل المرشد العام الحالى محمد بديع، ومسئولى التنظيم الدولى عن إشكالية الحزب والجماعة لكن ظروف الوقت التى لم تسمح إلا أن أوجه السؤال إلى عدد من شباب الإخوان ومنهم كوادر تنظيمية خلال الأسبوع المنقضى، سألتهم بشكل صريح وأعتقد أنهم أجابوا بنفس المستوى من الصراحة: كيف تطلق الجماعة حزباً سياسياً فى الداخل المصرى مع أن هذا يتعارض مع تاريخية الأسس التى قامت عليها الجماعة من أنها أمة وتنظيم دولى؟!
-3-
أجاب شباب الإخوان بكلام كثير أهم ما فيه أن تحديات المرحلة القادمة بالنسبة للجماعة أصعب بكثير من المرحلة السابقة، ذلك أن عمل الجماعة خلال المرحلة السابقة تحت ضغوط الأمن كان يفرض عليها وضعا يقبله الشعب المصرى ويجد له مبرراته من التهميش والظلم الوقع على أفرادها، أما الآن فالجماعة تعمل تحت ضوء الشمس فلا توجد أى مبررات للعمل السرى وهو ما ترفضه الجماعة ولا تراه مناسبا لطبيعة المرحلة.
إلى هذا الحد انتهى كلام الشباب الذى أعتقد أنهم تلقوه من عناصر تنظيمية أعلى فى الجماعة وصدقوه عن قناعة، لكننى أراه كلاما للاستهلاك المحلى لا أكثر يجب التوقف عنده لاختبار جديته. والدليل أن مسألة تكوين الجماعة لحزب سياسى كانت مطروحة قبل الثورة وقبل المرحلة الحالية والواقع الذى نعيشه ليس منذ شهور ولكن منذ سنوات، وليس فى مصر فقط ولكن فى دول عربية وإسلامية أخرى خرجت أو حاولت أن تخرج للوجود أحزابا تحاول أن تتغلب على ظروف المنع والتضييق السياسى على الجماعة مع الحفاظ على الشكل التاريخى للجماعة.
فى الجزائر على سبيل المثال هناك تجربة حزب يحمل نفس اسم حزب الجماعة المصرى: «الحرية والعدالة» والحزب الجزائرى ذو المرجعية الإسلامية تم طرحه العام قبل الماضى (2009) بديلا عن حركة أو حزب آخر يحمل اسم الوفاء والعدل يقوده أحمد طالب الإبراهيمى كانت السلطات الجزائرية قد رفضت أيضا الترخيص له بمزاولة النشاط عام (1999) وأعلنت أنها لن تسمح بقيامه لأنه ذو مرجعية إسلامية وخارج من عباءة جبهة الإنقاذ الإسلامية ويضم فى قوائم تأسيسه عددا كبيرا من كوادرها، وبدورها فجبهة الإنقاذ التى ظهرت مظفرة أوائل التسعينيات من القرن العشرين وكادت تسيطر على الحياة السياسية فى الجزائر بفوزها الساحق فى الانتخابات البرلمانية لولا دخول النظام معها فى حرب طويلة ومريرة انتهت باختفائها من المشهد السياسى الجزائرى لتعود فى طور جديد من خلال مبادرات لتكوين أحزب جديدة فى ثوب جديد تحت قيادات جديدة مثل حزبى الوفاء والعدل أو الحرية والعدالة .
-4-
وبعد سنوات من هذه المناورات السياسية للإخوان والإسلاميين التى لم تبتلعها الأنظمة العربية هل يمكن أن يصدق الغرب أن الأخيرين قد آمنوا بمنهجه وأيدلوجيته السياسية؟!
بشكل صريح لا يمكن أن تهزم خصمك وأنت تلاعبه بخطته التى يتقنها والتى وضع هو قواعدها ويملك آليات ومفاتيح تنفيذها، والغرب يقولها للشرق العربى صريحة وفى كل مناسبة : لنا ديموقراطيتنا ولكم ديموقراطيتكم، وحسب معايير وقواعد ديموقراطيته يصنف الدول الإسلامية، ومن هذه المعايير المدى الذى يلعب فيه الإسلام دورا فى تسيير شئون الدولة بدءاً من اعتراف هذه الدولة بالإسلام كديانة رسمية وإلى المساحة التى تتداخل فيها الشريعة الإسلامية فى قوانين تلك الدولة، وكلما زاد الحد أو المدى الذى يتم فيه تطبيق النصوص الشرعية انتقص ذلك من ديموقراطية الدولة حسب القياس الغربى، وعلى نفس القياس اعتمدت مجلة الإيكونوميست فى تقييمها للديموقراطية فى العالم الإسلامى العام الماضى وصنفت دوله فى موقفها من الديموقراطية من خلال منح كل منها درجة من 10، وأعلى درجة فى هذا الاختبار ذهبت إلى دولة أو دولتين فى آسيا ينتميان اسما إلى العالم الإسلامى وتراوحت (الدرجة) ما بين 6 إلى 7 درجات ووصفت ديموقراطيتها بأنها ذات شوائب، وجاءت بعدها الجمهوريات الإسلامية المنفصلة عن الاتحاد السوفيتى وحصلت على درجة تترواح ما بين 4 إلى 6 درجات واعتبرتها الإيكونوميست دولا ذات نظام مختلط ما بين الديموقراطية وغيرها وأخيراً وفى مرتبة قبل الأخيرة جاءت مصر ودول المغرب العربى وبعض دول آسيا العربية وحصلت على درجة تراوحت ما بين 3 إلى 4 درجات واعتبرتها الإيكونوميست دولا ذات نظم غير ديموقراطية، أما الدول التى تطبق الشريعة الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية والسودان وبعض الدول الإسلامية فى أفريقيا فقد طمستها خريطة الإيكونوميست تماما باللون الأسود وحصلت تقريبا على صفر من 10درجات. وفى نظر الغرب فإن هذه الدول الإسلامية لن تصبح أبداً ديموقراطية حتى تتخلى تماما عن إسلامها، وتتبع الغرب على النسق الذى يرتضيه.
-5-
وإذا ما اتفقنا، يمكن أن نقرأ برنامج حزب العدالة والتنمية الإخوانى والذى كان مصدرا فى الأساس للداخل – حسب رأيى – واستلهم فيه قيادات الجماعة تجربة حزب الوسط التى قادها ابن الجماعة المنشق أبو العلا ماضى منذ عدة سنوات فانطرد بسببها من حظيرتها والآن أتت نفس القيادات لتغازل الداخل بحزب حسب المقتضيات العصرية وحتى يحققوا من خلاله أهدافهم السياسية.
هل هذا ما أراده الإخوان؟ وهل برنامج الحزب فى صورته الأخيرة الذى أدخلوا عليه تعديلات جوهرية بعد إعلانه الأول هذا هو جل اجتهادهم؟ وهل الفوز بحزب يساوى كفاح السنوات الطويلة التى عاركوا فيها الأنظمة المختلفة ودفعوا فيها ثمنا باهظاً من رجالاتهم وكوادرهم بالموت أو الغياب فى السجون والمعتقلات؟!.
ما هو الجديد الذى أضافه برنامج حزب الإخوان ؟! أن يكون نظام الدولة برلمانياً لأن هذا يتفق مع الأسلوب الذى اتبعته الجماعة خلال السنوات السابقة فى السيطرة على كراسى المجالس النقابية والبرلمانية دون السعى للسيطرة على كرسى رئيس النقابة أو المجلس ؟!، هل أضافوا تفسيراً مغايرا أو مناوئاً للتفسير الليبرالى لمدنية الدولة فقالوا فى البرنامج أنها تعنى أن الذين يحكمون الدولة يكونون من المدنيين وليس العسكريين؟!
هل بتفسيرهم للسياسة بأنها فن إدارة الدولة وتدبير أمور الناس الذى لا يمكن تدبيره إلا من خلال المبادئ والأخلاق والصدق والوفاء إلى آخره؟
هل حاولوا أن يمرروا مفهوم المواطنة بحيث يخرجون به من عثرات وعراقيل التطبيق حسب مفهومه الغربي؟.
هل استطاعوا أن يقفزوا فوق الأشواك حينما عرّفوا مبدأ الشورى الإسلامى فوضعوا بين قوصين أنه الديموقراطية؟! وسموا المجتمع المدنى ب المجتمع الأهلى؟! وهل تكفى مطالبتهم فى البرنامج بإصلاح منظمة الأمم المتحدة وهى رأس الحربة لنشر المشروع الأممى الغربى؟ فهل تكفى توصية البرنامج بأن تلتزم هذه الهيئة الأممية؟ لحيدة والتوازن بين المصالح المتعارضة بأن تتحول بالفعل إلى ذلك؟!.. هل تكفى مثل تلك المطالبات فى إصلاح صنيعة الغرب وأدواته وملكيته الخاصة والعامة؟!
ومروراً بأبواب البرنامج العديدة التى أجزم أننى وغيرى قرأناها كثيرا من قبل ونعرفها جيدا لأنها برامج عامة للإصلاح فيما عدا ما يتعلق بمناطق الصدام التى يمكن أن يترتب عليها صدام ما بين الجماعة ونخب المجتمع التى لا تؤمن بفكرها مثل موقف الجماعة من الفن والثقافة وصناعة السينما والمسرح والفنون الشعبية والموسيقى والغناء، وتم التحايل على الصدام من خلال الصياغات العامة الفضفاضة وحتى انتهاء البرنامج بآخر بنوده وهو إطلاق مشروع لتعلم استخدام الحاسوب «الذى هو الكمبيوتر». لا أعتقد أن هذا البرنامج يمكن أن يلبى طموحات من يريد المنافسة ليس على كراسى البرلمان ولكن على جمع الأمة الإسلامية.
-6-
وأخيرا فإن ثمة تساؤلات إجاباتها هى التى سوف تحدد مستقبل الجماعة:
أولاً: إذا كان الحزب خياراً تكتيكيا فرضته الظروف السابقة على الإخوان فماذا بعد أن تغيرت تلك الظروف ؟.
ثانياً: هل الإخوان مضطرون الآن إلى كل هذه المواءمات السياسية التى يمكن أن تشق صفوف الجماعة بعد أن تفتح باب التنازلات ؟.
ثالثاً: لماذا لا يحافظ الإخوان على جماعتهم حركة ملهمة للأمة وهناك مثلا ًفى الغرب حركة المحافظين الجدد التى يتم استلهام فكرها وينتشر منظروها فى كل أماكن صناعة القرار والهيئات والمنتديات دون أن يتكتلوا فى حزب يحدد حركتهم؟.
وفى الأساطير الدينية الهندو صينية أن طائرا أسطوريا يسميه العرب «العنقاء» يحترق ويتحول إلى رماد قبل أن يخرج من بين الرماد ويعود روحا جديدة لتستمر عملية الخلق.. فهل تولد الآن جماعة من جديد أم تتشظى إلى رماد تذروه رياح التغيير العنيفة التى تهب على بلادنا؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.