شيء مؤسف أن يسأل المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق، والنائب الثوري القادم من المحاكم الشعبية التي ترأسها لمحاكمة رموز الفساد في ميدان التحرير إلى البرلمان مستنكراً «الأزهر عايز إيه وثيقته هنعمل بيها ولو عايز أعضاء زيادة فهو أمر غريب ؟!». ونائب آخر حديث العهد بالممارسة السياسية يتلقف الميكروفون من المستشار في سياق مؤتمر صحفي عقب جلسة تفاهم مع من أعلنوا انسحابهم من عضوية اللجنة التأسيسية، فيصرخ غاضباً من الإعلام «غريبة قوي، كل شوية يطلعوا في الإعلام ويرددوا الاسلاميون قادمون وكأنهم تتار بيخوفوا بيهم الناس» مبرراً تشكيل اللجنة على النحو الذي أثار غضب العديد من القوى والمؤسسات!! لماذا، وببساطة نهدم ونسقط إلى حد الاغتيال خطوات الإصلاح وصناعها، وأن يُمسك بمعاول الهدم من سبق وتقدموا الصفوف في فترات التحول التاريخية وتبعناهم بحب وامتنان ووصفناهم بالنخبة، ووصل الأمر لإعلان أحد رموزهم «ماذا لو لم يكن للأزهر تمثيل في لجنة وضع الدستور؟!».. هكذا ببساطة مستهجنة واستهانة بمؤسسة عظيمة تاريخية تقدم رموزها ولعبوا دورهم الوطني في الوقت المناسب، وقدموا وثائق توافقية رائعة. لقد انتظرنا عقوداً من الزمان أن تعود مؤسساتنا الدينية إلى سابق عهدنا بها كمؤسسات وطنية صاحبة دور تاريخي، وها قد فعلها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، عندما أطلق دعوته لحكماء وخبراء وأهل الاختصاص لوضع وثيقة وطنية هادية للاتفاق حول بنودها عند وضع دستور جديد لشعب قام بثورة عظيمة، ولأن تشكيل لجان وضع وثائق الأزهر كانت بحيادية وتجرد إلا من إيمان بمصالح البلاد والعباد، كان الوفاق الوطني بالإجماع على توصيات تلك الوثائق. لقد كانت ورطة الموافقة على إنشاء أحزاب بمرجعية دينية، وما أعقبها من تداعيات سلبية على المستوى السياسي، أن ندخل في حالة التوهان البشعة التي نعيش أحداثها، بعد أن قرر رموز تلك الأحزاب أن يرثوا الأرض ومن عليها ملكاً خالصاً لهم، مجلس الشعب ولجانه لهم، ومجلس الشورى لفرسانهم، والحكومة القادمة بعد رحيل الحكومة الحالية هي حكومة بمرجعية دينية تابعة لهم، والرئيس القادم يرونه هو الذي يعلن أنه هو الذي سيطبق الشريعة، كما أعلن شاطرهم، بمجرد ترشيحه، ووصولاً لحكم ولاية المرشد (وأدعو القارئ العزيز لتأمل مشهد إعلان ترشيح حزب الحرية والعدالة للمهندس خيرت الشاطر رئيساً لمصر.. الإعلان على لسان المرشد ومن مقر الجماعة الفخيم في المقطم وليس من مقر الحزب، وفي خلفية المشهد يرفرف العلم المصري، في إصرار على إسباغ شكل المؤسسة الرسمية على جماعة الإخوان، رغم عدم إجابة رموزهم عن سؤال بسيط، ماذا عن جماعة الإخوان، هل هي جمعية خيرية أو جماعة دعوية، أم هي مؤسسة سياسية ؟..).. لقد قالها فضيلة المرشد عند توليه مهامه، أن منصبه هو أعظم من منصب رئيس الجمهورية، وعليه يكون دور الحزب مجرد أداة تابعة، ويكون حكم البلاد والعباد من المقطم على الطريقة الإيرانية، وولاية المرشد على الحاكم الذي نصبه هو رئيساً.. وكان رموز تلك الأحزاب يقاومون أصحاب الفكر المعارض لنشأتهم، بإعلانهم أن مرجعيتهم عندما يحكمون سيستقونها من مؤسسة الأزهر، فإذا بهم يكتفون برمز واحد، ولم يتحدثوا عن وثائق الأزهر إلا بعد مواجهتهم ضغطاً هائلاً من الرأي العام. أما الكنيسة المصرية، فقد تمسك رموزها بوثائق الأزهر الشريف، وقد حرصت الكنيسة أن يكون المجلس الملي هو الممثل لجموع الجماهير المسيحية، باعتباره مؤسسة مدنية غير دينية.. وهو توجه جديد حرص عليه القائم مقام الأنبا باخوميوس، القائم بأعمال بطريرك الكرازة المرقسية، وتأكيده أن الدستور المصري يجب أن يتم وضعه بناء على اعتبار كافة أطياف الشعب المصري واحتوائه لهم، وأضاف الأنبا باخوميوس، في مؤتمر صحفي عقب لقائه الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء، إن عملية وضع الدساتير في بعض الدول على سبيل المثال تمنح المعاقين حق التمثيل داخل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وبسؤاله عن تمثيل الأقباط داخل اللجنة التأسيسية للدستور، قال الأنبا باخوميوس: «إن تمثيل الأقباط يهم الجميع ليس من ناحية الشكل ولكن من ناحية المضمون»، فيما استنكر قداسته كتابة الدستور بالوضع الحالي، قائلا: «إن الدستور هو الذي يصنع شكل وآليات البرلمان ودوره، فكيف للبرلمان أن يضع الدستور، وكيف نقبل بديكتاتورية الأغلبية ؟» لقد شرفت بلقاء نيافة القائمقام، ونيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، وأسعدني جداً الإحساس بأن المؤسسة الكنسية قد وعى رموزها رسالة ثورة 25 يناير لمؤسساتنا الدينية، وحماسهم لخروج شباب الأقباط من أسوار الكنيسة إلى رحابة أرض الوطن مع أخوتهم شركاء الوطن، وحرصهم على التأكيد على تفعيل مبدأ المواطنة وكفالة الحريات العامة، ليتضمنها الدستور الجديد. في كتاب هام للكاتب والباحث المصري هاني لبيب الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية يحمل عنوان «الكنيسة المصرية توازنات الدين والدولة» تقول الكاتبة نيفين مسعد في عرضها للكتاب: حاضرةُ هى السياسة بإلحاح فى مشوار البابا شنودة الثالث على خلاف سلفه البابا كيرلس السادس الذى جعل لدور بطريرك الأرثوذكس محتوى دينيا خالصا. هذا الاختلاف نتعرف على أسبابه وأبعاده فى ذلك الكتاب الموسوعى الذي صدر مؤخراً. يذكر هاني لبيب .. جزءُ من توارى السياسة فى مسيرة البابا كيرلس مبعثه تكوينه الشخصى الخاص، فهو القديس العابد الصوام العازف عن الأضواء المحفوف بالمعجزات أينما سار. يقيم علاقته بعبد الناصر على أساس الصداقة الشخصية، وتتلخص غاية مطلبه فى بناء كاتدرائية كبرى تكون مركزا للمسيحية الأرثوذكسية. أما البابا شنودة فإنه ذلك الزعيم المهاب المنخرط فى قضايا وطنه وشعبه وأمته العربية. يترامى فى عهده نفوذ الكنيسة على امتداد القارات الخمس ويتضاعف عدد الكنائس فى المهجر نحو أربعين مرة من سبع كنائس فى مطلع الستينيات إلى أربعمائة وخمسين حتى الآن. ينحسر العنصر الشخصى فى علاقته بمبارك ومن قبله يقينا بالسادات وتصبح العلاقة بالأساس بين الكنيسة والدولة لا بين البابا والرئيس. لكن جزءا آخر من اختلاف موقع السياسة من أولويات البابا كيرلس مقارنا بالبابا شنودة ينبع من طبيعة الظرف الداخلى، وأيضا الظروف الخارجية التى أحاطت بالرجلين. فلقد مثلت الستينيات امتدادا لمرحلة التكامل الوطنى التى عاشتها مصر قبل ثورة 1952 واستمرت بعدها خاصة مع وجود قائد سياسى مثل عبد الناصر يملك رؤية استراتيجية متكاملة ومشروعا نهضويا طموحا.. الكتاب أراه مرجعاً مهما أهديه لقداسة البابا القادم، لاستشراف أبعاد المرحلة القادمة..